يتناول البحث بالعرض لتلك المساحة الضيقة التي افردها فلاسفة اليونان للحرية الإنسانية ... فعلى الرغم من هالة العظمة التي تحيط بالفكر اليوناني القديم ، وعلى الرغم من النظرة المترسخة إليه على أنه المنبع الأول للتنوير والفكر العقلاني ، فإن المطالع المحايد لهذا الفكر تنتابه الدهشة من اكتشاف أنه لم يكن فكراً مبهراً في بعض جوانبه على الأقل فيما يخص مشكلة الحرية الإنسانية . فعندما نأخذ في التفتيش بين صفحاته عن الحرية الإنسانية مثلا نجد أن المفكرين اليونان الذين ناصروها مناصرة كاملة وصريحة على مدي ألف ومائتي عام - هي عمر هذا الفكر - لا يتعدوا ثلاث مدارس فلسفية من بين المدارس الفلسفية الكثيرة التي كان عامراً بها هذا الفكر . بل أن مفكرين عظاماً من أمثال سفراط وأفلاطون والرواقيين لم يكونوا مناصرين لها ولا مدافعين عن حياطها، بل على العكس كانوا من المعارضين المنكرين لها . وهذا ما سوف يكشفه بحثنا الحالي.