تناولت الدراسة بحث العلاقة بين مستوى الفساد ومستوى المعيشة في الاقتصاد المصري، بالتطبيق على واقع الفساد في الجهاز الإداري للدولة. وقد استهدفت الدراسة التعرف على مدى انتشار الفساد الإداري والمالي في الجهاز الإداري للدولة المصرية، وكذلك التعرف على تأثير ارتفاع مستوى الفساد على مستوى المعيشة في المجتمع المصري. وأخيرا، تقديم مجموعة من التوصيات المتعلقة بالعمل على مكافحة الفساد في الجهاز الإداري للدولة، في ضوء تأثيره السلبي على مستوى معيشة المواطن. وتمثلت مشكلة الدراسة في بيان العلاقة السببية (علاقة التأثير والتأثر) بين مستوى الفساد ومستوى المعيشة، من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية: هل يؤثر الفساد على مستويات المعيشة؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف؟ .. هل انخفاض مستوى الفساد يعزز مستويات المعيشة؟ هل مستويات المعيشة المرتفعة تقلل من مستويات الفساد؟ أم أن التأثير يتواجد على حد سواء (أي أن العلاقة تبادلية)؟ وقد بُنيت هذه الدراسة على ثلاثة فروض رئيسية، تم اختبارها من خلال الدراسة التطبيقية، وهي: 1- أن الفساد بكل أشكاله وأنواعه وأحجامه، منتشر بشكل كبير في الجهاز الإداري للدولة. 2- أن هناك علاقة سببية تبادلية، بين مستوى المعيشة ومستوى الفساد في الجهاز الإداري للدولة. 3- أن القضاء على هذا الفساد، أو على الأقل الحد منه، يؤدي إلى رفع معدل النمو الاقتصادي، وبالتالي رفع مستوى المعيشة في المجتمع. وقد تم تنفيذ هذه الدراسة من خلال الاعتماد على أسلوبين، هما:  الدراسة المكتبية (المنهج التحليلي): للحصول على البيانات الثانوية اللازمة لتكوين وتعميق الإطار النظري للدراسة، وتدعيما لنتائج الدراسة التطبيقية، التي تم التوصل إليها، وذلك من خلال الكتب والدوريات العربية والأجنبية، والدراسات السابقة ذات الصلة بالموضوع. وحيث تم إتباع المنهج التحليلي وفقا لما تناولته النظرية الاقتصادية فيما يخص العلاقة بين ظاهرة الفساد ومستوى المعيشة.  الدراسة التطبيقية (المنهج المعياري): للحصول على البيانات الأولية اللازمة للدراسة القياسية والتطبيقية، وذلك من خلال تقارير المنظمات المحلية والدولية المعدة لهذا الغرض، وقد ألتزم الباحث في إجراء الدراسة التطبيقية بالحرص والدقة للتأكد من أن ما تم الاعتماد عليه من أرقام ووقائع في هذه الدراسة هو واقعي تماما. حيث تم استخدام الأساليب القياسية والإحصائية المناسبة لتحقيق الهدف من الدراسة، وتنفيذ الدراسة التطبيقية على أمثلة لوقائع الفساد في الجهاز الإداري للدولة. ولقد استمد البحث أهميته من محاولة دراسة ظاهرة "الفساد في الجهاز الإداري" للدولة المصرية، ومدى انتشاره، وعلاقة التأثير والتأثر بينه وبين مستوى المعيشة، وذلك بهدف الوصول إلى مدى تأثير تفشي "الفساد في الجهاز الإداري للدولة" على انخفاض مستوى معيشة المواطن المصري، بالإضافة إلى بحث وتحليل أمثلة لبعض وقائع الفساد المكتشفة في الجهاز الإداري للدولة خلال الفترة المعنية بالدراسة. وانطلاقا من المعطيات الأولية حول الفساد وعلاقته بمستوى المعيشة، ولتحقيق أهداف البحث قُسمت الدراسة لخمسة فصول. نُوجز أهم ما تناولته فيما يلي: الفصل الأول، تضمن الإطار العام للدراسة، واستعراض أهم الدراسات السابقة. الفصل الثاني، كان بمثابة إطار نظري عام، يهدف إلى تسليط الضوء على القضايا النظرية لظاهرة الفساد عموما، والفساد الإداري خصوصا، فهو يضم ماهية الفساد، مختلف تقسيماته، مع عرض وتحليل أهم جوانبه، مع تحليل أسبابه وآثاره. الفصل الثالث، الهدف منه توضيح وتحليل العلاقة بين الفساد الإداري ومستوى المعيشة في مصر، تحليلا إحصائيا وقياسيا، كما تم في هذا الفصل عرض نظرة أهم المدارس الاقتصادية فيما يخص هذه العلاقة. الفصل الرابع، تضمن الجانب التطبيقي، حيث خُصص لدراسة حجم الفساد في الجهاز الإداري للدولة المصرية، وهدف إلى التعرف على مختلف جوانب الفساد ،ومدى تفشيه في الجهاز الإداري للدولة. الفصل الخامس، يتضمن خلاصة عامة للدراسة، تُعرض فيها النتائج التي تم التوصل إليها، مع التحقق من صحة الفروض التي تم افتراضها، وتتضمن الخاتمة بعض الاقتراحات والآفاق التي تفتحها الدراسة مستقبلا. لقد أشارت الدراسات السابقة، إلى أن هناك علاقة يمكن التنبؤ بها بين معايير الفساد وظروف المعيشة في جميع أنحاء العالم. وأن البلدان التي تعاني أكثر من الفساد تميل أيضا إلى أدنى مستويات المعيشة، في المتوسط. رغم ذلك، فلم تحدد الدراسات السابقة كيف أن مستويات المعيشة ومستويات الفساد ترتبط ببعضها البعض بعلاقة سببية عبر مجموعة متكاملة من المقاييس لكل متغير، أي أن العلاقة السببية بين المتغيرين لم تُحسم بعد، وما زالت مثار جدل في الأدب الاقتصادي على المستوى الكلي والجزئي. وقد استهدفت الدراسة القياسية البحث في العلاقة بين مستوى الفساد ومستوى المعيشة في الاقتصاد المصري خلال الفترة (1995 – 2015). ولبيان ما إذا كانت السلاسل الزمنية للمتغيرين مستقرة من عدمه، تطلب الأمر استخدام بعض الأدوات الإحصائية، إضافة إلى اختبارات جذر الوحدة، كما تم تحديد رتبة تكامل كل متغير على حدة. وتبين أن المتغيرات جميعها متكاملة من الدرجة الأولى. وفي ضوء ذلك، تم استخدام اختبار التكامل المشترك لكل من منهجية "انجل – جرانجر" ومنهجية "جوهانسن – جسليوس"، بالإضافة إلى استخدام منهجية "جرانجر" للسببية، وذلك للتحقق من وجود علاقة سببية طويلة الأمد بين المتغيرين. "واتضح من خلال نتائج التحليل عدم وجود علاقة توازنية طويلة الأجل (علاقة تكامل مشترك) بين مستوى الفساد ومستوى المعيشة في الاقتصاد المصري خلال الفترة المعنية بالدراسة". بناء عليه، تم دراسة العلاقة قصيرة الأجل بين مستوى الفساد ومستوى المعيشة بالاعتماد على نموذج VAR، بالإضافة لاختبار السببية لجرانجر، واختبار دالة الاستجابة لردة الفعل، واختبار تحليل مكونات التباين. وفي نموذج متجه الانحدار الذاتي (VAR)، دل اختبار تحليل مكونات التباين على أن مستوى الفساد يفسر أكثر من 70% من خطأ التنبؤ في مستوى المعيشة، كما دل اختبار دالة الاستجابة لردة الفعل على أن تأثير الصدمة في مستوى الفساد على مستوى المعيشة كان معنوي وسالب على طول مده الاختبار، أما فيما يتعلق باختبار "جرانجر" للسببية فقد دل على أن العلاقة السببية تتجه في اتجاه واحد من مستوى الفساد (مقاسا بدرجة مصر في مؤشر ضبط الفساد) إلى مستوى المعيشة (مقاسا بمتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي) في مصر، "وهو ما يتفق مع النظرية الاقتصادية ونتائج الدراسات السابقة". رغم اتفاق النتائج مع النظرية الاقتصادية ونتائج الدراسات السابقة، من حيث "العلاقة السلبية بين مستوى الفساد ومستوى المعيشة"، و"اتجاه السببية من مستوى الفساد إلى مستوى المعيشة"، إلا أن هذه العلاقة لم تظهر إلا من خلال توصيف واحد فقط من التوصيفات الأربعة للعلاقة، (حيث تم التعبير عن مستوى الفساد بدرجة مصر في مؤشر ضبط الفساد، وعن مستوى المعيشة بمتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي)، بينما بقية التوصيفات لم تُظهر علاقة معنوية لا في الأجل الطويل ولا في الأجل القصير بين المتغيرين، وذلك خلال الفترة المعنية بالدراسة. ويتضح مما سبق، أن كلا من مسببات ارتفاع مستوى الفساد وانخفاض مستوى المعيشة في مصر ما زالت تحتاج إلى مزيد من البحث والتحليل الاقتصادي والقياسي، فمن الممكن تأثر كلا المتغيرين بمتغير ثالث خارجي، أو أن طبيعة الاقتصاد المصري تُضعف من العلاقة بين المتغيرين، ولذا توصي الدراسة بـ: إجراء المزيد من البحث والتحليل لهذه العلاقة باستخدام أساليب إحصائية وقياسية أخرى، أو باستخدام مؤشرات أكثر دقة في التعبير عن مستوى الفساد ومستوى المعيشة، ربما تتوافر في المستقبل القريب.