"منهج نزع الأسطورية عند أرسطو: تأويل أرسطو لبعض الفلاسفة السابقين على السوفسطائيين"، بحث منشور بمجلة كلية الآداب، جامعة سوهاج، العدد السادس والثلاثين- مارس 2014م، ص ص 271-301.

المقدمة

  لقد أوَّل "أرسطو Ἀριστοτέλης 384-322 ق.م"- وهو من أقدم المصادر المعروفة لتأريخ الفلسفة اليونانية- نصوصَ الفلاسفةِ السابقين على السوفسطائيين، في كتبه: "الميتافيزيقاme/ta ta fusika/ -"، " الطبيعةta/ fusika - "  و"الكون والفساد- peri gen/sewj kai fqora=j "، وغيرها من الكتب، تأويلاً عقلياً خالصًا، بعد أن استبعد منها كل التأويلات الأسطورية والدينية. ويمكن أن نطلق على منهج أرسطو هذا "منهج نزع الأسطورية"(Demythologization). وأعني به فصلَ أرسطو للرسالة الفلسفية- عن الميثولوجيا والثيولوجيا- من نصوص بعض الفلاسفة السابقين علي السوفسطائيين([1]). وقد تابع معظمُ الباحثين والشراح ذلك التأويل الأرسطي لهؤلاء الفلاسفة، منذ القرن الرابع قبل الميلاد، وربما حتى الآن (لأن نفوذ أرسطو قد أوشك أن يبلغ ما للكنيسة من سلطان لا يقبل الجدل كما يقول برتراند رسل!).

 بذلك يكون أرسطو، بهذا المنهج في التأويل، هو مؤسس الهمرمنيوطيقا (فنُّ الفهم، ومنهجُ تأويلِ النصوص)، ليس في كتابه "بيري هرمنياس peri e(rmhnei/aj-" فحسب، بل في تأويله للسابقين عليه، الذي اتخذ مظهره شكل التأريخ، في حين أن جوهره يكمن في التأويل. كما أن معرفتنا بقواعد منهجه التأويلي  يمكن أن يقلل من الآثار الناتجة عن إضفاء "معقولية"، ناتجة عن تأويل مذاهب هؤلاء الفلاسفة، بنزع "الأسطورية" عنهم، وقد تكون- هذه الأسطورية- أحد الأسس المهمة في تكوين فلسفاتهم، وفهمها على ماهى عليه، دون تأويلٍ أو تقَوُّلٍ على النصوص.

إشكالية البحث

تكمن إشكالية البحث في الإجابة عن التساؤلات الآتية:

  • ما مفهوم الهرمنيوطيقا وما مدى إسهام أرسطو في تاريخها؟
  • ما المنهج الذي اتبعه أرسطو لتخليص النصوص الفلسفية من الأساطير؟ وما هى أبرز قواعده؟
  • ما موقف أرسطو من العقائد الثيولوجية الميثولوجية، المختلطة بنصوص الفلاسفة السابقين على السوفسطائيين؟
  • كيف استخلص أرسطو "الرسالة الفلسفية" من نصوص الفلاسفة السابقين عليه؟
  • ما النتائج المترتبة على منهج "نزع الأسطورية" عند أرسطو، وما مدى تأثير ذلك على تأريخ الفلسفة اليونانية للفلاسفة السابقين على السوفسطائيين؟

       وفي الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها سأستخدم في هذا البحث المنهج التحليلي النقدي في العرض. كذلك سأستخدم الجهاز المفاهيمي الهرمنيوطيقي في شرح النصوص والتعليق عليها، ولكن بما يتلاءم مع أهداف البحث.

    إنه لكى يصل أرسطو إلى ذلك المذهب العقلاني كان عليه أن يستبعد الأسطورية والخرافات الدينية من تفكير السابقين عليه. وبتحليل نصوص أرسطو يمكننا أن نتعرف على الأسس النظرية والجوانب التطبيقية لهذا المنهج الأرسطي في نزع الأسطورية. ومن ثم سوف نستعرض معالمه، من خلال الحديث عن جانبين له؛ و في كليهما سنجد أن عبقرية أرسطو تتجلى بضوح لا يمكن إنكاره، وهما:

أولاً : الأسس النظرية لمنهج نزع الأسطورية

ثانيا: الجوانب التطبيقية لمنهج نزع الأسطورية .

ولنتحدث بتفصيل مناسب عن كليهما:

 

([1])  وكنت قد لاحظت هذا المنهج الأرسطي أثناء بحث لي بعنوان: " كسمولوجيا العناصر عند إمبادوكليس".