يعتبر موضوع هذا البحث من الموضوعات المهمة؛ حيث إنه يهتم ويركز على دراسة العلاقة بين الدين والحياة العامة الذي أصبح خلال السنوات الأخيرة من أهم الموضوعات التي انكبت على دراستها أقسام العلوم السياسية في الجامعات ومراكز البحوث السياسية والاستراتيجية بأنواعها المختلفة وموضع الاهتمام من المؤتمرات والندوات على كافة الأصعدة الدولية وكان ذلك راجعًا إلى تزايد دور الدين ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية في الحياة العامة وفي مجال السياسة تحديدًا في كافة دول العالم تقريبًا الديمقراطية منها وغير الديمقراطية ، المتقدمة منها والنامية، الصناعية منها وتلك التي لا تزال تعيش عصر ما قبل الصناعة 0

وقد أدى انتهاء الحرب الباردة وانتهاء الصراع الفكري الكوني بين الشيوعية والرأسمالية إلى بزوغ الظواهر الإثنية والعرقية كمحرك رئيسي لظواهر سياسية متنوعة وكان الدين في القلب منها جميعاً0

ولا جدال أن هذا الاهتمام المتزايد بالظاهرة الدينية في العالم مثل انقلاباً على تاريخ طويل من الإهمال لها نبع من تصور مؤداه أن انتشار الديمقراطية والتحديث بين الأمم المختلفة قلل من محورية الدين وكافة الظواهر التقليدية المؤثرة في حياة الوحدات السياسية في شرق العالم وغربه، وجاء الصراع الأيديولوجي بين الشيوعية والرأسمالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لكي يعطي الانطباع بأن المعركة الفكرية الأساسية والمحددة لنظم الحكم تدور بين مدارس علمانية في الأساس وليس بينها وبين أطر فكرية أخرى مستمدة من تاريخ الشعوب وتطورها الروحي والفكري، ولذا فإنه مع الثمانينيات - وبالتأكيد في عقد التسعينيات - بدا أن ما استقر عليه الفكر السياسي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يعد له ما يبرره مع تزايد التعبيرات المختلفة عن زيادة دور الدين ليس فقط داخل الدول ، وإنما أيضًا في العلاقات بين الأمم والشعوب0 وربما كان أكثر التعبيرات عن هذا الانقلاب إثارة للجدل المقالة الشهيرة " صدام الحضارات " التي نشرها عالم السياسة الأمريكي المعروف ( صمويل هنتنجتون ) في مجلة الشئون الخارجية الأمريكية والتي أثارت جدلاً فكرياً واسعاً وممتداً من الولايات المتحدة وحتى اليابان0

ولا شك أن الفكر السياسي العالمي بشكل عام خلال الأعوام الماضية مثل تحيزاً واضحاً لجانب واحد من الظاهرة الدينية من حيث الدرس والاهتمام ، وهو جانب ما جرى التعارف على تسميته بالأصولية الدينية ، وكان للأصولية الإسلامية منها نصيب معتبر0 ومثل هذا التحيز انحرافاً كبيراً في فهم ظاهرة بالغة التعقيد كان لها جوانبها المؤسسية ممثلة في دور متزايد للكنيسة الكاثوليكية في روما التي أصبحت تسهم في تشكيل الفكر العالمي إزاء قضايا أخلاقية واجتماعية ، كما كان لها جوانبها السياسية التي ظهرت في أشكال تقدمية من خلال ما سمي بلاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية ، وبأشكال محافظة في دور الكنائس الشعبية في الولايات المتحدة في دعم الحزب الجمهوري الأمريكي ودفعه دفعاً في اتجاه أكثر يمينية عما كان عليه من قبل 0 والأمثلة على ذلك كثيرة ظهرت في الحوارات العالمية خلال الأعوام الأخيرة حول قضايا السكان والمرأة وحقوق الإنسان الاقتصادية والسياسية والاجتماعية0

وباختصار شديد فإن الدين في أشكاله الروحية والثقافية والمؤسسية أصبح فاعلاً رئيسياً, لا في الحياة العامة للأمم فقط, وإنما أيضًا في تقرير الحياة الإنسانية بشكل عام ووضع القيم التي تقوم عليها0