آيَاتُ النَّصِّيَّة القُرآنِيّة في آياتِ "سورةِ آلِ عِمْران"

بين تَنْميط النَّصّ و نظرياتِ الاتصال اللغوي

                                      د. ياسر محمد حسن علي

ملخص:

إن قراءة أيِّ نصٍّ و الاستغراق في فحص لَبِنَاتِه لا يعدو سوى  تنشيط ثنائيّ لحالة كل من النَّصّ و القارئ معــًا: نصّ يفتح عالمه لطارقه، و قارئ يُكسب ذاته لذة خاصة بمعاودة ممارسة إبداع النَّصّ في عالمه الجديد، عبر اكتشافه و  فتح  منافذه  الضيقة، التي  تتشكّل منذ تكوينه وفق رؤية إبداعية أولية يقدمها الناصّ (المبدع) في صورة وضع خريطة ذهنية للنص؛ وصولا إلى تموضعها في عالم التلقِّي فعليــًّا. و مع تعدد قراءة النَّصّ في سلسلة متفاوتة تبدأ من عالم إبداع النَّصّ حتى عالم تلقيه، تتغير كينونته مع كل رؤية قِرائيِّة جديدة له. و لكن خَصِيصة النَّصّ تفرض أثرها في العملية النَّصّية و أطرافها برمتها، فإبداع أيِّ عمل بشري و تلقيه يخالف العملية النَّصّية و أبعادها عند التعرض لعالم النَّصّ القُرآنِيّ في عدة جوانب، و إنِ التقَى معها في بعض منها. فصاحب النَّصّ القُرآنِيّ – عزَّ و جلَّ- ليس مجرد ذات عادية، إنه المولى القدير البديع المبدع... بأسماء و صفات تُوضع في قالب واحد - فقط – لوصفه، و هو ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[([1])؛ و من ثمَّ فهو المبدع - أيضًا- الذي ليس كمثله شيء، و إبداعه - أيضًا-  ليس كمثله إبداع، و هو النَّصّ القُرآنِيّ. و بناءً على ذلك فعند الحديث عن علاقة التفاعل بين النَّصّ و متلقيه في تلك الحالة - مثلا - نحن أمام نظرية للاتصال و التلقي، تتغاير مع كل ما اجتهد فيه العقل البشري، و طبقه على النَّصّوص المختلفة. و إن تقاربت أو تشاكلت عملية التلقي للنص البشري مع تلقي هذا النَّصّ المعجز في مجمل المصطلحات المستخدمة في تلك العملية و خصائصها العامة، لكنها تختلف عنها في حقيقتها؛ لأننا نعايش – في تلقي النَّصّ القُرآنِيّ- عملية نصية و اتصالية خاصة، طالما أننا انتقلنا من عالم النَّصّية و النَّصّ البشري إلى عالم النَّصّية و النَّصّ الإلهي المقدس.

 

و في هذا العمل استقراءٌ لــما يمكن أن نطلق عليه مصطلح "آيَات النَّصّية القُرآنِيّة"، الذي عرضه فحوى قوله - عزّ و جلَّ - :]هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ! رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ! رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ[([2])، و ما حوته تلك الآيات المعدودة من طرح لتنوع تنميط النَّصّ و آثره في متلقيه، و ما حملته من بعدٍ معرفي له حضوره في أكثر من منهج أو نظرية لغوية شائعة. و لقد قدمَت هذه الآيات معطيات مجملة و مركزة لعملية الاتصال النَّصّي. تلك الخاصّيِّة الرئيسة للنص القُرآنِيّ في مقابل غيره من نصوص السنة النبوية، و ما قدمه  علماء التفسير و الفقه و الأصول من اجتهادات نصية في شرح القواعد و الأحكام و تفسير نصوص القرآن نفسه. و هو مسعى نحو- ما يمكن أن نطلق عليه -  مدخلا أو مقدمة في نظرية "لِسَانِيَّات النَّصّ القُرآنِيّ".

الكلمات المفتاحية:

النَّصّ، آيات "سورة آل عمران"، النَّصِّيَّة القُرآنِيّة، نظريات الاتصال اللغوي، الثنائية النَّصّية، التلقي.

 

توثيق البحث:

مجلة دار العلوم، جامعة القاهرة، ع 97، نوفمبر 2016.

 

 

([1])  سورة الشورى:آية رقم(11).  

([2])  سورة آل عمران: آية رقم(7- 9).