احتلت الحرف التراثية في معظم البلدان العربية وعبر عصورها التاريخية مكانة عظيمة، فقد نالت اهتماماً واسعاً في المجتمعات العربية بكافة بيئاتها الصحراوية والريفية والحضرية، يشهد بذلك ما تزخر به المتاحف العربية من تحف ومقتنيات فنية شتى سواء الفخارية أو الزجاجية أو الخشبية أو المعدنية، بالإضافة إلي صناعة المنسوجات الأثرية بكافة أنواعها من مفروشات وأزياء وبسط تدل علي مهارة الصانع العربي. كما أنه كثيرا ما أخبرنا  المؤرخون عن اهتمام الأمراء والسلاطين في العصور الإسلامية بالحرف والصناعات في شتى ربوع مصر وجعلها تحت إشرافهم المباشر خاصة الصناعات النسجية فأنشأوا لها الدور والمصانع الخاصة بها, وقد جاء هذا الاهتمام إيمانا منهم بأهمية الحرف اليدوية وما تمثله للمجتمع من نمو اقتصادي وحضاري مهم. غير أنه في الآونة الأخيرة ومع التقدم التكنولوجي الهائل الذي تشهده معظم البلاد العربية ومع تغير نمط حياة الاجتماعية تبعاً لهذا التطور، وذوبان بعض البيئات الريفية والبدوية (وهي الرافد الأساسي للحرف والصناعات التقليدية) واندماجها في المدن الصناعية الكبرى، إضافة إلي الغزو التجاري الضخم الذي تشهده المجتمعات العربية من المنتجات الصناعية الحديثة من عدة دول أخرى خاصة الصين، ومن ثم بدأت معظم الحرف والصناعات التقليدية المميزة للمجتمعات العربية في فقد دورها الحيوي في إثراء تلك المجتمعات سواء علي المستوي الإقتصادي أو الاجتماعي أو السياحي بل وتعرض الكثير منها للاندثار الكامل.

تستعرض هذه الدراسة التحديات والصعوبات التي تواجه تنمية وتطور الحرف التراثية في الدول العربية، والجهود التي يمكن أن تبذل لإنقاذ تلك الحرف من الاندثار وبحث سبل الاستفادة منها في التنمية المستدامة للمجتمعات العربية، خاصة أن تلك المجتمعات تتمتع بتراث حضاري كبير، وذلك من خلال وضع بعض الحلول العملية التي تحقق هذه الأهداف، أملاً في الحفاظ علي الهوية الحضارية والتراثية لكافة الحرف التراثية والصناعات التقليدية بالوطن العربي حتى يمكن حمايتها وإنقاذها من عوامل الاندثار التي تهددها.