ثقافة الفقر وفقر الثقافة في المؤسسات التربوية : مَن يسبق مَن ؟ !

إعداد

أ.د / محمد الأصمعي محروس

أستاذ متفرغ بكلية التربية - جامعة سوهاج

المجلة التربوية - جامعة سوهاج : العدد 57 ، يناير 2019 م

 إن المؤسسات التربوية مطالبة اليوم بمواجهة الفقر والبطالة بين الشباب المتعلم ، وإحدى مدخلات هذه المواجهة هو التصدي لمقاومة ثقافة الفقر التي تهيمن على تفكيرهم وذويهم ، حيث لا توجد رؤية مستنيرة عن التحولات والتطورات في سوق العمل ، ومن ثم فإن هذه المؤسسات التربوية يجب أن تتضافر جهودها في التنمية المهنية الفعالة التي تكسب الفرد المعارف والمهارات المطلوبة للعمل مع هذه التكنولوجيا في القطاعات الاقتصادية المستحدثة .

وإلي جانب هذه التنمية المهنية فالمؤسسات التربوية مطالبة اليوم بمواجهة حقيقية وصريحة من أجل التنمية الثقافية والمهنية بين أفراد المجتمع ، فهؤلاء الأفراد محدودو الثقافة تجاه ما يحدث من تحولات في سوق العمل من القطاع الحكومي إلي القطاع الخاص ، والحاجة ماسة إلي تبادل الخبرات والأفكار بين هذه المؤسسات التربوية المختلفة في مجال تنمية ثقافة الفرد لإقناعه بالمستحدثات في سوق العمل . فقد تزايدت حالات عدم التكيف مع التغيرات التكنولوجية وما صاحبها من تغير في سلسلة الأعمال والمهن والوظائف في كافة القطاعات الإنتاجية في المجتمع ، وراح التعليم يمنح الشهادات التعليمية المتعددة وتزايدت حالات الفقر والبطالة بين المتعلمين الذين يعانون من ثقافة تملكت مشاعرهم وذويهم تتمحور حول " وظيفة حكومية آمنة من أي مخاطر " ، والكل ينتظر هذه الوظيفة ذات العائد القليل ، وثقافة المجتمع حائرة بين وظيفة حكومية عائدها الشهري محدود ، والعمل الحر المفيد الذي يمنح ربحاً يتجاوز هذا الدخل بكثير ولكنه يتطلب مهارات تتواءم مع سوق العمل الحر الذي يعتمد علي جودة الأداء وتملك المعارف والمهارات .

هذا وجهل المتعلم بهذه الأمور المجتمعية يرجع إلي ثقافة الفقر السائدة في مؤسساتنا التعليمية وفي الوقت نفسه يعتبر فقر الثقافة في هذه المؤسسات التربوية من أهم أضلع مثلث الفقر في العالم(1). ولمقاومة هذا الفقر وثقافته المحيطة بالإنسان ( ثقافة الفقر ، وفقر الثقافة ) لا مفر من تفعيل أدوار المؤسسات التربوية للارتقاء بالتعليم والتمهين باعتباره من أهم مفاتيح الحياة والنجاح فيها . كما أن مظاهر التمدين التي طغت على كافة التجمعات السكانية تلزم المواطن أن يكون (شبه سباك) ، و(شبه نجار) ، و(شبه كهربائي) لعوزه واحتياجه اليومي لهذه المهارات ، وإلا أصبح ( فقيراً مهارياً ) ومن ثم وجب على كافة المؤسسات التربوية تقديم برامج في أعمال السباكة والنجارة والكهرباء وغيرها تكفي المرء لمزاولة أنشطتها في بيئته . والمفترض أن كافة الوسائط بالمؤسسات التربوية تعمل على تنشئة الفرد ثقافياً كعضو قوى بشرية منتجة يعي ويدرك كافة المعارف والمعلومات عن نوعيات الأعمال المتاحة في مجتمعه ، أي يمتلك الثقافة المهنية المتأثرة بظروف مجتمعه .

ومن ثم فإن جهود كافة المؤسسات التربوية يجب أن توجه نحو هدف تربوي محدد ينحصر في التنشئة المهنية الصحيحة لأفراد الشباب المتعلم ، فتكون المهمة هي مساعدة هؤلاء الشباب على تشرب قيم العمل الحر والانفتاح على كل ما هو جديد في فرص العمل الإنتاجي ، إلي جانب إدراك التنوع في مجالات المهن المتاحة في كافة القطاعات الاقتصادية في المجتمع ، ومن ثم يتعود الشباب المتعلم على تقبل التغيير وترك الوظيفة الحكومية الفقيرة والقدرة على الابتكار والتجديد في خلال حياتهم المهنية . ويمكن للمؤسسات التربوية في هذا المجال أن تؤثر في الثقافة المهنية لدى الشباب المتعلم بحيث تجعل الفرد قادراً على التكيف مع نوعيات الأعمال التي تدر عليه ربحاً ، سواء أكان هذا العمل يدوياً أم عملاً آخر، وفي هذا الأمر يجب العمل على إكساب أفراد المجتمع المهارات العملية المتصلة بالحياة اليومية ، حيث تستغل هذه المهارات في أعمال تدر ربحاً على هؤلاء الشباب المتعلم . وإذا كان العصر الحالي يتميز بالانفجار المعرفي في كافة شئون الحياة ، فإن مؤسسات الإعداد للمهن يجب أن تتغير وظيفتها من مجرد نقل المعارف عن وظيفة ما أو عمل ما في سوق العمالة إلي إكساب الشباب المتعلم أساسيات وأصول الثقافة المهنية التي تساعدهم على أن يتعلموا بناءً على احتياجاتهم ، ويتم تحقيق ذلك من خلال التدريب الدقيق على نوعيات الأعمال المطروحة في المؤسسات الإنتاجية ، وكلما زادت الأنشطة التدريبية وتنوعت بين الشباب المتعلم كلما أصبحت ثقافاتهم المهنية جيدة(2).      كما يجب أن تشجع المؤسسات التربوية الشباب المتعلم ، وتعودهم على إجراء تجارب مختلفة ما بين مشروعات تعاونية صغيرة وأعمال حرة حتى يدرك كل شاب متعلم قدراته وميوله وطموحاته المهنية في المجتمع ، وفي هذا الأمر احترام لعقول هؤلاء المتعلمين والابتعاد عن فرض أي مسارات مهنية عليه ، والمؤسسات التربوية حين تعرض التجارب المختلفة في نوعيات الأعمال المتواجدة في سوقه من خلال ندوات ثقافية ومحاضرات أكاديمية وحفلات طلابية وكتيبات مهنية ، فإنها تعمل حقيقة على "تجويد" الثقافة المهنية لأفرادها المتعلمين ، وفي هذا المضمار يجب العمل على منح بعض المهارات والمعارف المهنية لجميع أفراد المجتمع من أول درجات السلم التعليمي ، فهناك حد أدنى من المعارف في سوق العمالة والعمل ينبغي ألا يكون هناك فرد دونه .

كما يجب العمل أيضاً على إشراك النقابات المهنية والعمالية مع المؤسسات التربوية الأخرى في وضع الأهداف التعليمية في مجال الإعداد للمهن ، فالمطلوب في الوقت الحاضر الشخصية المستقلة القادرة على اقتحام مواقع الأعمال المتنوعة ، ويتم ذلك من خلال توفير مناخ تعليمي حر ومنفتح على سوق العمل ، ويجب على المنهاج التربوي أن يقدم موضوعات دراسية تعالج مهارات ومعارف متنوعة، لكي تتماشى مع سوق المهن المتغيرة ، وما يستجد في هذه السوق المهنية من مهارات ومتطلبات جديدة في العمل الإنتاجي. وفي هذا الصدد تظهر الحاجة ماسة إلي تبادل الأفكار بين كافة المؤسسات التربوية في المجتمع من أجل بناء المنهاج الدراسي المناسب لثقافة القرن الحادي والعشرين ، وبحيث يتضمن هذا المنهاج العديد من نوعيات الأعمال ومهاراتها في كل مظاهر الحياة ، وليس فقط في نوعيات أعمال محددة . ويجب أن يعمل هذا المنهاج الدراسي في الأساس على احترام شخصية الشاب المتعلم ، إلي جانب تحقيق انفتاح هذا المنهاج على مشكلات المجتمع التنموية وما يطرأ من تغيرات في سوق العمل . ويجب أن ينظر إلي المنهاج الدراسي على أنه وسيلة للتثقيف المهني الذي يناسب العصر الذي نعيشه .

    والمنهاج المدرسي ينبغي النظر إليه لا على أنه مادة معرفية فقط ، بل ينبغي أن يشجع هذا المنهاج المتعلم على الاستغراق العقلي والوجداني فيما يتصل بنوعيات الأعمال المتواجدة حوله ، وما يتصل من معارف ومهارات مطلوبة في سوق العمالة والعمل في المجتمع . ومن أجل مواجهة ثقافة الفقر بين الشباب المتعلم ، يلزم تجويد الثقافة المهنية لديهم من أجل مسايرة سياسات المجتمع الاقتصادية وما طرأ عليها من تطورات تكنولوجية . ومن أجل أن تتوافق الثقافة المهنية لدى الشباب المتعلم مع المهارات المطلوبة في سوق العمل ، فمن الضروري أن نسلم بأنه لا تطوير ، ولا تقدم اقتصادي بدون تجديد تربوي شامل في أهداف التعليم وسياساته ، وفي المناهج بما تشمله من مواد ومقررات وطرق تعليم وأنشطة بما يؤدى في النهاية إلي "تجويد" الثقافة المهنية وتعميقها عند الفرد خلال مراحل تعليمه المختلفة. فالارتباط وثيق بين "تجويد" التعليم وما يؤدى إليه من "تجويد" الثقافة المهنية للقوى البشرية العاملة ، وبين التنمية الشاملة في المجتمع .

   ولذلك فإن المؤسسات التربوية المختلفة في المجتمع مطالبة بتدعيم هذا التوجه نحو تجديد تربوي فعال في هذا المجال . ولقد قامت المؤسسات التربوية على مر العصور بدور هام في إعداد الفرد المنتج الذي يستطيع التكيف مع واقع المهن ونوعيات الأعمال المطروحة في سوق العمل في مجتمعه ، وفي هذا الصدد يمكن القول أن هناك علاقات متبادلة وقوية بين أنماط التكنولوجيا السائدة في مجال المهن ، وبين المعارف والمهارات التي حازها أفراد القوى البشرية العاملة ، وبين فرص العمل والتوظيف في سوق العمالة والعمل . فالقدرة على مزاولة مهنة ما في أي من القطاعات الاقتصادية المختلفة في المجتمع تتحدد في ضوء عدة متغيرات من أهمها المتطلبات التكنولوجية اللازمة للمهن المختلفة ، إلي جانب الاحتياجات النسبية من أفراد القوى البشرية العاملة ، وما تتميز به هذه القوى البشرية من سمات شخصية وطموحات وتوقعات مهنية ودافعيه نحو العمل المنتج .

   هذه المتغيرات جميعها تؤثر في استقرار المهن في المجتمع ، فالقدرة على مزاولة مهنة ما في أي من نوعيات الأعمال في القطاعات الاقتصادية المختلفة تكون في متناول الأفراد العاملين في هذه الأعمال والمهن عندما يتم إعدادهم في ضوء التكنولوجيا اللازمة لهذه النوعيات من الأعمال ، وعندما تميل هذه التكنولوجيا إلي الثبات والاستقرار ، وحينما يمتلك هؤلاء الأفراد العاملون في هذه القطاعات الاقتصادية اتجاهات إيجابية نحو التغيرات المحتملة في نوعيات الأعمال المطروحة في سوق العمل ، أما دون ذلك فالمطلوب جهد فعال من كافة المؤسسات التربوية من أجل إعداد الفرد القادر على المشاركة في الأعمال المنتجة في المجتمع .

   وهكذا تحقق المؤسسات التربوية في أنماطها المختلفة : النظامية منها ، وغير النظامية أهدافها في مواجهة ثقافة الفقر لدى الشباب المتعلم ، فأدوار المؤسسات التربوية الآن أوسع وأشمل مما تقدمه المدرسة ، والمجتمع كله بهيئاته ومؤسساته المختلفة يعتبر ميداناً واسعاً وفسيحاً للتربية . ومن ثم فكل قطاعات المجتمع ومؤسساته المختلفة سوف يتحتم عليها أن تشارك في كافة الاتجاهات التربوية المتضمنة في مواجهة ثقافة الفقر لدى الشباب المتعلم في المجتمع . ففي مجال المؤسسات التربوية النظامية ينبغي أن لا تقاس قيمتها فقط بنسبة إضافتها لكم البشر المتعلم إلي النمو الاقتصادي في المجتمع ، ولكن أيضاً بالإشارة إلي دورها في إزالة كافة أنواع الفقر بما فيها إزالة ثقافة الفقر لدى هذا البشر المتعلم أو على الأقل التخفيف من مساوئها وذلك عن طريق تقليل مدة البطالة المتوقعة لدى الشباب المتعلم وزيادة فرص العمل للمواطنين وتحسين توزيع الدخل بينهم ، بالإضافة إلي زيادة مستوى إنتاجيتهم . وفي هذا الصدد يجب التفكير في إيجاد صيغة تعاونية ومرنة تربط بين ما تقدمه المؤسسات التعليمية الموكل إليها الإعداد المهني للشباب المتعلم ، وبين المعارف والمهارات المطلوبة في سوق العمل ، وهنا يمكن اقتراح إنشاء قسم خاص يتبع النقابات المهنية والعمالية في كل مؤسسة تعليمية ، وتكون مهمة هذا القسم إمداد المؤسسات التعليمية بما هو جديد في مجال سوق العمالة والعمل ، وما يطرأ على سوق الإنتاجية من أنواع التكنولوجيا والمعارف والمهارات المتطورة ، مع طرح توجهات معاصرة في مجال الأعمال والمهن مثل نوعيات الأعمال الحرة والخاصة والاستثمارية ، بالإضافة إلي تنمية الاتجاهات الإيجابية لدى الشباب المتعلم نحو نوعيات الأعمال المختلفة في قطاع المجتمعات والمدن الجديدة .

   كما أن نشاطات التعلم والتعليم بالمؤسسات التربوية يجب أن ترتبط بتطور فرص العمل في المجتمع . إن المؤسسات التربوية يجب أن تعمل كصلة بين عالم المدرسة ( الموقف التعليمي ) وعالم العمل ( احتياجات التنمية ) مع الاهتمام بترجمتها إلي الواقع التعليمي من خلال العمل علي إكساب المتعلمين المهارات والقدرات لكي يصبحون مدركين لقدراتهم ولما يحقق منفعتهم ، وكذلك مدركين لمتطلبات سوق العمل بحيث يصبح في إمكانهم اتخاذ قرارات واقعية تتعلق باختيارهم لمهنتهم ، فالتقدم السريع والتفجر المعرفي الهائل بالإضافة إلي تطور وسائل التقنية ومستحدثاتها والاتجاه نحو التخصصات المهنية الدقيقة ، جعل الحاجة ملحة إلي ضرورة الاهتمام من جانب المؤسسات التربوية لبناء الشعور الوجداني نحو تقدير كافة المهن المجتمعية لأنه طريق الإنسان إلي التطور الاقتصادي والاجتماعي . وهذا كله يجعل اختيار المهن والنجاح فيها أكثر صعوبة من ناحية ، والاستمرار في النمو المهني أكثر مطلباً من ناحية ثانية(3) . وهكذا فإن مقاومة فقر الثقافة بالمؤسسات التربوية يلزمه ضرورة الاهتمام بالتعليم المهني والتقني، وما يتصل بتجديد مضامينه وطرائقه وتنويع اختصاصاته المهنية ، مع تدعيم العلاقات والروابط الوثيقة بين المهارات والمعارف المتضمنة في المنهاج الدراسي وحاجات المجتمع المهنية التكنولوجية . وفي هذا الأمر يجب أن تشتمل أساليب تعلم هذه المهارات والمعارف بالمؤسسات التعليمية على ممارسة أنشطة تدريبيه بمواقع العمل والإنتاج تتبناها النقابات المهنية والعمالية وتتكامل مع المادة الدراسية المدونة في المنهاج الدراسي .كما أن مرونة المنهاج الدراسي وقدرته في إيجاد فرص العمل المبتكرة ، مع التركيز على الاختصاصات الجديدة المطلوبة لسوق العمل ، فإذا كان العالم قد تحول إلي قرية صغيرة دائمة التغير ، فإن هذه المؤسسات التعليمية عليها واجب التجديد إلي أقصى درجة ممكنة في مناهجها ، وما تتضمنه من معارف ومهارات حتى لا تنعزل عن مجريات الأحداث ، وأن تحاول- من خلال عناصرها ووسائطها المختلفة- بناء الشخصية المبدعة التي لا تتابع الجديد فحسب ، بل تؤثر فيه وتجد لنفسها مكاناً في عالم الإبداع(4) .

   ومن الضرورة بمكان تبنى سياسات تعليمية تقوم على إدماج المعلوماتية والبرمجيات في المنهاج المدرسي ، مع تعميق معرفة المتعلم بالمعارف العلمية وأساليب استيعاب ونقل التكنولوجيا وتملك مهارات البحث والتطوير في مجالاتها إلي جانب استخدام استراتيجيات تدريسية فاعلة ، كالتعلم الذاتي ، والتعلم بحل المشكلات ، وذلك لمساعدة المتعلم في اكتساب مهارات تجعله قادراً على تكيف نفسه مع الظروف والمهن المتغيرة طوال حياته وتدريبه على الاستغلال المثمر للموارد المتجددة للبيئة ، بما يسهم في إيجاد أجيال مبادرة متفتحة للتغير وقادرة على صناعته(5) .

   وإذا كانت إرهاصات سوق العمل الحر الآن تتطلب أن يبدأ الشباب المتعلم في استغلال ما اكتسبوه من معارف ومهارات مهنية من أجل إيجاد فرصة عمل ما في القطاع الاقتصادي الخاص والاستثماري وقطاع الأعمال الحرة والمجتمعات والمدن الجديدة ، فإن هناك مطلباً ملحاً في بناء شخصية الإنسان قوامه أن تعمل المؤسسات التربوية علي مقاومة ثقافة الفقر لديه من خلال إكسابه قيم الاستقلالية والابتكار والاعتماد على النفس والخروج على ما هو مألوف في أذهان الغالبية العظمى من أفراد المجتمع في مجال المهن ونوعيات الأعمال المرغوبة في سوق العمل في المجتمع . ولتحقيق هذا التوجه التربوي يجب أن يكلف الشاب المتعلم - أثناء دراسته النظامية - بممارسة أعمال مؤقتة داخل أنشطة المؤسسات الاقتصادية المختلفة ، ويجب أن تساعد المؤسسات التربوية هذا التوجه ، وبمرور السنين تتعدد هذه الأعمال . وعندما يتخرج هذا الشاب المتعلم يجد نفسه قد تعرف على الكثير من نوعيات الأعمال المتاحة في سلسلة المهن المعروضة في سوق العمل ، وامتلك العديد من المعارف والمهارات المتنوعة ، هذا بالإضافة إلي امتلاك المعارف والمهارات الخاصة بمهنته التي أعد لممارستها في سوق العمل ، وفي هذا إثراء لثقافته المهنية ، وانفتاح لتفكير هؤلاء الشباب المتعلم ولتوقعاتهم تجاه نوعيات الأعمال المتواجدة في سوق العمل ، وتفعيل لدور المؤسسات التربوية في مواجهة ثقافة الفقر بين هؤلاء الشباب المتعلم . وهناك حاجة ماسة أيضاً لتطبيق مبدأ التكامل بين المؤسسات التعليمية وبقية تنظيمات مجتمع الأمة وهياكله المختلفة بحيث تتعاون هذه المؤسسات في "تجويد" المهارات لدى الشباب المتعلم . فانتقال الشباب المتعلم ما بين المؤسسات التعليمية والقطاعات الاقتصادية المنتمية للنقابات المهنية المختلفة يؤدى إلي إمكانية مواصلة التعلم بصورة تتيح للشباب المتعلم التزود بمختلف المعارف والمهارات المتواجدة في سوق العمل ، وتسمح لهم في الوقت نفسه بمزيد من القدرة على تطبيق ما تعلموه وتجويد مهاراتهم المهنية المكتسبة من التعليم . وفي هذا المجال يمكن أن يسهم التعاون بين المؤسسات التعليمية مع بقية أطراف المؤسسات التربوية في تأجيل القرارات المبكرة فيما يتعلق بالمهن ، والاحتفاظ بالقدرة على تغيير تلك القرارات أثناء الدراسة. وفي هذا المضمار يجب العمل على ربط المؤسسات التعليمية بالنقابات المهنية والعمالية المناظرة لها ، وذلك بأن يُرسل الشباب المتعلم إلي العديد من المواقع الإنتاجية التابعة لهذه النقابات للتدريب . وبتكرار الفرص التدريبية ، وبتنوع مواقع الإنتاج التي يتم التدريب فيها يمتلك الشباب المتعلم الكثير من المهارات المهنية عن سوق العمل والعمالة .

   وفي هذا إثراء مهني ومساعدة في إعداد الشباب المتعلم لمجتمع دائم التغير والتطور في سلسلة المهن المجتمعية التي تواجههم في مستقبل حياتهم ، وتفعيل للشراكة المجتمعية في تدعيم القضايا التربوية من أجل مواجه ثقافة الفقر بين الشباب المتعلم في المجتمع. كما أن انتشار صيغ التعليم المتناوب التي تسمح للمتعلم بحرية ترك الدراسة والعودة إليها حسب حاجته ، وذلك وفق قوانين تعليم وقوانين عمل مرنة تتبناها المؤسسات التربوية والقطاعات الخيرية وسائر كيانات مجتمع الأمة العربية تعتبر إحدى التصورات المستقبلية في التعليم(6) ، ويمكن أن تسهم هذه التصورات في مواجهة ثقافة الفقر لدى الشباب المتعلم في المجتمع . ويتبقى إيجاد قنوات اتصال فعالة بين المؤسسات التعليمية التي تعد للمهن المختلفة وبين بقية المؤسسات التربوية ، ولكن كيف نوجد هذه القنوات بين نظم الإعداد للمهن المختلفة وبين نوعيات الأعمال المختلفة المتواجدة في سلسلة المهن؟. هذه الأطروحة تحتاج إلي سياسة تربوية جديدة تعتمد الربط بين التعليم والتدريب والخبرة المهنية في بناء الإنسان .     هذه السياسة التربوية الجديدة تنظر إلي التدريب في مفهومه الجديد الذي يعنى تحويل الطاقات إلي مهارات ، بمعنى تقسيم نظام الإعداد للمهن المختلفة إلي قسمين رئيسيين : القسم الأول يتم فيه بناء المعارف وتنمية القدرات للشباب المتعلم في المؤسسات التعليمية والمهنية المختلفة ، وفي القسم الثاني يتم تحويل تلك المعارف والقدرات إلي مهارات عن طريق التدريب في المؤسسات الإنتاجية التابعة للنقابات المهنية والعمالية في المجتمع . ولنأخذ سنة التدريب ( عام الامتياز) لخريجي كليات الطب كنواة في تفكيرنا لتجديد نظام الإعداد المهني لشبابنا المتعلم ، ومن ثم لمواجهة ثقافة الفقر لديهم في مستقبل حياتهم المهنية. فالحقيقة التي ما زالت تُلقى بثقلها على واقع العلاقة بين المؤسسات التعليمية في المجتمع مع بقية تنظيمات مجتمع الأمة هو الانفصال وعدم وجود شراكة ما في هذه العلاقة ، ولذلك قد نجد أن بعض المؤسسات الإنتاجية في البلاد قد أدخلت تكنولوجيا الإنتاج لديها في مرحلة الإنتاج كثيف المعرفة في حين أن المقررات الدراسية المناظرة لهذه الصناعة لم تطرق بعد هذه التكنولوجيا في أطرها النظرية(7) .

   ومن ثم يجب العمل على وجود شراكة مجتمعية بين المؤسسات التعليمية وبقية تنظيمات مجتمع الأمة العربية من أجل التقريب بين المهارات والمعارف التي تقدمها المؤسسات التعليمية الحكومية وتلك التي تقدمها المؤسسات التعليمية الخاصة في مجال الإعداد لممارسة المهن المختلفة في المجتمع