بّما كان كتابُ "مستقبل الثقافة في مصرللدكتور طه حسين (1889-1973) واحدًا من أهم الكتب التي تركها لنا ذلك العميدُ الرشيدُ والمُعلم الاستثنائي والذي نشره عام 1938، بُعَيد استقلال مصر عام 1936، ولايزال هذا الكتاب صالحًا لأن نستلهمه ونحن في مطلع الألفية الثالثة؛ لأن ظروف مصر - بعد ثورتين مجيدتين خلال أقل من ثلاثين شهرًا - تتشابه إلى حدّ كبير مع ظروفها في ثلاثينات القرن الماضي، الظروف نفسها والحلم نفسه والآمال ذاتها، التي تدفعنا إلى ضرورة التخطيط لمستقبل التعليم وإصلاحه في مصر، وطه حسين هو أوّل من أيّد ثورة يوليو 1952 بل وأول من أسماها باسم الثورة، ولو كان موجودًا بيننا لأيّد ثورتي يناير ويونيو. ومستقبل الثقافة في مصر - كما يقول بحق د محمد فتحي فرج - هو أول دراسة شاملة مكتملة الأركان، تُخصص للتخطيط لمستقبل التعليم في مصر، بل والبلاد العربية أيضًا. وقد اعترفَ كبارُ التربويين لطه حسين ولكتابه بهذا المنظور الكلي الشامل، إلا أن طه حسين لم يُعْطَ الفرصةَ لتطبيق كل ما جاء بهذا الكتاب من أحلام وطموحات لإصلاح حال التعليم، وضبط إيقاع الثقافة في مصر، حينما تولى وزارة المعارف في حكومة الوفد لمدة قصيرة، قبل قيام ثورة يوليو 1952، بل ولم تُعطَ هذه الفرصة لمصري بعده حتى الآن.

وانطلاقًا من النموذج الذي قدّمه طه حسين في مستقبل الثقافة في مصر- هذا الكتاب البرنامج - يمكننا أن نتطلع لإعادة رسم حياتنا الثقافية والتعليمية، على أسس من دستور 2014م الذي أرى أنه قدم إجابةً - قد تكون صالحة ويمكن تطويرها - عن التساؤل الذي طرحه طه حسين، والذي دار الجدل طويلًا حوله ولا يزال يدور؛ أعني سؤال الهُويّة الكبير: من نحن المصريين، وكيف نكون في مكاننا - الطبيعي - في مقدمة الأمم؟