تستهدف الدولة فيما تستهدف تحقيق الرفاهية الإنسانية , وعلى ذلك فأنها تهتم بالنشاط الاقتصادي , ومن المعروف في العصر الحالي أن الدولة قد زاد تدخلها في الأمور الاقتصادية من حيث الاستخدام الأمثل للموارد , ثم جاءت الثلاثينات بأزماتها مما أضفي على السلطة العامة أعباء جديدة ومتنوعة في المجال الاقتصادي وباندلاع الحرب العالمية الثانية أضيفت أعباء أخرى جديدة على عائق الدولة وصلت إلى سيطرة الدولة على كافة مرافق الحياة وأحس بها المنتج والمستهلك في الدول المتحاربة .

ولعل المتغيرات الاقتصادية العالمية التى تدور حولنا الآن وعلى رأسها الازمة المالية العالمية تجعلنا  نتسأل اين كانت حكومات الدول قبل تفاقم الأزمة  ولماذا لم تتدخل لمحاولة منع ظهور هذه الازمة المالية ؟ ولماذا كان الفكر الرأسمالى ينادى بعدم تدخل الدولة فى النشاط الاقتصادى وترك الاقتصاد حر يحركه قوى وآليات السوق ؟

 و فجأة و بعد ظهور الأزمة نجد الجميع يهرول تجاه الدولة ويطلب الدعم والمعونة والمساعدة ومن كان منذ زمن بسيط يطالب بعدم تدخل الدولة فى النشاط الاقتصادى يقف الآن فى موقعه ويطالب الدولة بسرعة التدخل فى النشاط الاقتصادى ، لكن كيف تتدخل الدولة ؟ . و هنا تجدر الاشارة الى أن محيط تدخل الدولة يمكن أجماله في النقاط التالية : 

(1)              في حالة اتساع الأجراء المقيدة لفاعلية أو ذاتية السوق .

(2)              عندما لا تجتذب بعض المشروعات الاستثمارية القطاع الخاص .

(3)              عندما تتضح ضرورة الحماية الاقتصادية لبعض عناصر الإنتاج .

(4)              عندما تتضح ضرورة إدارة بعض المرافق العامة للدولة .

(5)              عندما تتضح ضرورة حماية المستهلك .

(6)              في حالة التضخم واستشراء البطالة .

            ويتعين هنا التفرقة بين المالية العامة والمالية الخاصة ويتضح الفارق بين تصرفات الفرد وتصرفات السلطة العامة فيما يلي :

1- التطابق ما بين الدخل والإنفاق : يعمل الفرد على مطابقة نفقاته مع دخلة أما بالنسبة للسلطة العامة فأنها تعمل على أجراء تقدير مبدئي لنفقاتها ثم تعمل على مواجهة هذه النفقات التقديرية فهي تطابق دخلها على نفقاتها .                                               

2-  بالنسبة للزمن : بالنسبة للسلطة العامة فان وحدة ميزانيتها سنة كاملة أما بالنسبة للفرد فليس لديه تقيد بوحدة زمنية معينة  .

3- بالنسبة للقروض الداخلية : في مقدور السلطة العامة الاقتراض من الداخل والخارج ولكن الطريق الوحيد أمام الفرد هو الاقتراض الخارجي .

4-  بالنسبة للمنافع الحدية المتساوية لوحدات النقود : أن قانون المنفعة الحدية المتساوية يبين لنا ان الفرد يميل الى ترتيب نفقاته بحيث يحصل على نفس المنفعة الحدية من كل وحدة من وحدات النقود التى ينفقها ولكن بالنسبة للسلطة العامة فان هذا القانون لا يدخل في تقديراتها . 

5- بالنسبة للتمويل العام  : أن أي تغير في دخل الفرد أو في أنفاقه تكتشفه صعوبات جمة فهو لا يستطيع مضاعفته أو زيادة في سهولة ويسر ولكن السلطة العامة تكون في وضع أيسر فهي تستطيع تغير هيكل الدخل العام والإنفاق العام .

 من ثم يتضح لنا أن المالية العامة تهتم فيما تهتم بنفقات السلطات العامة  وايرادتها والتوفيق والتطابق بين كل منها 0 وتختلف مجالات نشاط المالية العامة عن مجالات نشاط المالية الخاصة وذلك لاختلاف الوظائف التي يؤديها كل منها كما أسلفنا 0 وفيما يتعلق بعلاقة المالية بعلم الاقتصاد فهي علاقة تاريخية وثيقة سواء على مستوى الاقتصاد الكلى أو الاقتصاد الجزئي , ومن المعروف أن المالية العامة تستخدم أدوات علم الاقتصاد في التحليل المالي كالتحليل الحدي وتقدير المرونات المختلفة والنظريات النقدية ونظريات الدورات .

كما تستعين المالية العامة بمرونات المعرض ومرونات الطلب ومرونات الدخل عند دراسة تحديد حصيلة الضريبة واثر أي ضريبة جديدة يتم فرضها 0 كما أنها تستعين بقوانين المنفعة الحدية لمعرفة اثر التصاعد الضريبي , وكذلك عند فرض الضرائب غير المباشرة أوالضرئب على المشتريات لابد من التعرف على التغيرات السعرية المحتملة ومن الذي سيتحمل في النهاية الزيادة الضريبية ,ونقل العب الضريبي من الطبقات القادرة ألي الطبقات غير القادرة 0 كذلك يحتاج دارسو المالية العامة التعرف على الأثر المتوقع للضريبة هل هو اثر محفز , أو غير محفز على العامل والاستثمار هذه المعرفة لازمة للتحليل على مستوى الاقتصاد الجزئي ، أما على مستوى الاقتصاد الكلى الذي يهتم بالدخل القومي والاستهلاك والاستثمار والادخار فان العلاقة بين المالية العامة وهذا الفرع الاقتصادي تتمثل في حجم الإنفاق الحكومي الذي هو جزء من الإنفاق العام والذي يمثل الطلب الفعال حسب نظرية كينز , لذلك فان علاقة مكونات الدخل القومي تتأثر بسياسات المالية العامة والسياسات الاقتصادية التي تهدف إلى تحقيق رفع مستوى المعيشة عن طريق رفع معدلات نمو الدخل القومي .

هذا بالإضافة إلى ضرورة توافر المعرفة عن اثر السياسات المالية في الحد من الدورات الاقتصادية ودور الإنفاق العام والإيرادات في حالات الكساد والتضخم ومشاكل تمويل التنمية الاقتصادية وخصوصا في الدول النامية 0 وبصفة عامة يمكن القول بان العلاقة بين المالية وعلم الاقتصاد علاقة قوية من تحقيقها لهدف واحد هو إشباع حاجات الأفراد إلى أقصى درجة ممكنة ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاهية الاجتماعية والتوظف الكامل  . وتمتلك الدولة العصى السحرية التى تستطيع من خلالها ان تضبط آداء وايقاع النشاط الاقتصادى وهى السياسة المالية والتى تعتمد على ما يسمى بالمالية العامة وهذا هو محور درستنا .. وفى هذه الكتاب يقسم المنهج ألي ثلاثة أبواب كما يلي   :

          الباب الأول  : النفقات العامة  .

         الباب الثاني  : الإيرادات العامة  .

        الباب الثالث  : الموازنة العامة .