كانت التربية وما تزال طريق الأمم إلى المستقبل، والنظام المدرسي يعد أحد أهم الأنظمة الاجتماعية المهمة، لما له من أهمية كبرى في حياة المجتمعات وسر نهضتها، فهو لا يستطيع أن يؤدي رسالته ويحقق أهدافه إلا بوجود قيادة مدرسية فاعلة قادرة على تجاوز المعوقات والتحديات، ونظرا لما نشهده من انفجار معرفي واتصالات متطورة وتقنيات حديثة، فقد صار لزاماً على المدارس مواكبة التغيرات الجديدة، وضرورة توافر بيئة قيادية تفرضها التغيرات التي تعيشها المدارس في الوقت الراهن.

ومن الأزمات التي تمر بها المدارس بشكل عام هي أزمة القيادة المدرسية وأعراض هذه الأزمة وآثارها منعكسة على كل المستويات، والمقصود هنا بأزمة القيادة المدرسية أزمة الأداء القيادي أو الدور القيادي الذي يلعبه من يتسلم الموقع أو الدور. لذا فالعنصر القيادي هو ضالة المدارس، فالقيادة المدرسية تفعل بأثرها ما لا تفعله مجموعات كبيرة من الناس.

ويؤكد الفكر الإداري المعاصر على أن المدرسة التي تملك قيادة مدرسية مبدعة تكون أكثر تطوراً من غيرها، ولعل ذلك يرجع إلى الفكر المتجدد الذي تتبعه القيادة المدرسية، علاوة على ما تتخذه من قرارات حكيمة ومتوافقة مع طبيعتها وبيئتها والعاملين فيها.

وتعتبر القيادة المدرسية من أهم أدوات التوجيه فاعلية، فهي الوسيلة الأساسية التي عن طريقها يستطيع مدير المدرسة بث روح التآلف بين المعلمين وكافة العاملين في المدرسة، والقيادة المدرسية ذات طبيعة مركبة، فهي تتضمن العديد من الجوانب مثل الدافعية، والرؤية المستقبلية، والاتصال، واتخاذ القرارات.

لذا تعد القيادة المدرسية قضية محورية لأية مدرسة في جميع مستوياتها التنظيمية، حيث أضحت مهارات التعامل مع الآخرين جزءا لا يتجزأ من المهارات المطلوبة للقيادة المدرسية الفاعلة، في حين كان ينظر إلى القيادات المدرسية في الماضي على أنهم أداة للضبط والسيطرة والرقابة المحكمة فحسب، إلا أنه في مدارس اليوم أصبح الدور التحفيزي والملهم للقيادات المدرسية مرتكزاً محورياً في دورهم القيادي.

وقد فرض هذا الدور المتطور للقيادات المدرسية على المدارس المعاصرة التركيز على تطوير هذه المهارات لدى القيادات المدرسية الحالية والتأكد من وجود هذه المهارات لدى المرشحين للمواقع القيادية لمواكبة متطلبات العصر، ومن هذا المنطلق اتجهت بحوث القيادة المدرسية إلى البحث عن الخصائص والسلوكيات والأنماط المطلوبة عند القيادات المدرسية بما يتلاءم مع أدوارهم المتجددة حتى يستطيعوا أن يتقمصوا أدوارهم القيادية في مدارس اليوم بنجاح.

إن القيادة المدرسية لا تواجه التحديات بمفردها، فنجد مع القيادة المدرسية مجموعة تعمل على مواجهة كل تحد وتحقيق كل هدف وليست وظيفة القيادة المدرسية حل كل مشكلة لوحدها، بل إلهام من تقودهم لكي يحلوا المشاكل، فإلى جانب الصفات الشخصية مثل الرؤيا والتفكير الإيجابي يتعين على القيادة المدرسية المبدعة أن تخطو بحذر لكي تحقق التواصل مع فريقها بأفضل الطرق الممكنة، وعلى العكس فإن التفكير والحديث السلبي سوف يقلل من قوة الإبداع.

وحيث أن جوهر عملية القيادة المدرسية يتمثل في التأثير الذي تمارسه القيادة المدرسية على سلوك المعلمين وكافة العاملين في المدرسة ودفعهم للعمل بفعالية، فإنه لا يمكن أن تتم الأعمال على أحسن وجه بمجرد إصدار التعليمات والأوامر إلى المعلمين وكافة العاملين في المدرسة، وإنما من الضروري رفع حالتهم المعنوية وتنمية التعاون بينهم، لذا يتوقف تحقيق الأهداف التعليمية في أي مدرسة على كفاءة القيادة المدرسية ومدى قدرتها على توجيه الجهود الجماعية.

إن الإدارة المدرسية في جوهرها هي عملية قيادة بالمقام الأول، وقدرة على التأثير في المعلمين وكافة العاملين في المدرسة وحفزهم لإنجاز أهداف المدرسة وأولياتها والسعي الدائم لتطويرها، فالقيادة المدرسية هي عملية تعلم تعاونية مشتركة تسهم في دفع المدرسة إلى الأمام، ومراعاة أن العصر الحالي، عصر ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات يتطلب هندسة العلاقات إضافة إلى هندسة العمليات. وهذا ما يفرض تحدياً رئيساً يتمثل في تطوير القيادة المدرسية ضمن إطار فكري حديث، يراعي قابلية القيادة المدرسية للتعلم والتطوير وإعادة الصياغة بما ينسجم مع متطلبات العصر ومستجداته وتقنياته، ذلك انطلاقا من أن القيادة هي عملية صناعة يمكن إعادة اختراعها والتفكير فيها وتشكيلها، مما يمكنها من إدارة مدارس المستقبل بكفاية وفاعلية.

تمثل القيادة المدرسية أهمية كبرى في نجاح المدرسة، بيد أن القيادة نفسها عملية نسبية ذلك أن الفرد قد يكون قائداً في موقف وتابعاً في موقف آخر، ومن هنا يرتبط مفهوم القيادة بمفهوم الدور والمسئولية ارتباطاً وثيقاً وترتبط القيادة أيضاً بنمط الشخصية فعليه يتوقف مدى قيام الفرد بدور القيادة وإلى جانب نمط الشخصية هناك مهارات إدارية لازمة لرجل الإدارة المدرسية للنجاح في عمله ويرتبط بكل ذلك أيضاً طريقة اختيار القيادات المدرسية وتدريبهم.

ونظرا للأهمية الكبرى التي تلعبها المدرسة كمنظمة تربوية في المجتمع المحيط بها، فإنها تحتاج إلى من يديرها ويتابع أعمالها، ويوجه المعلمين وكافة العاملين فيها ويشرف عليهم، وينسق جهودهم، ويعمل على تحسين أدائهم من أجل تحقيق الأهداف المرسومة لهذه المدرسة.

والكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ يضم ستة فصول هي:

الفصل الأول: القيادة: المفهوم ... النظريات

الفصل الثاني: القيادة المدرسية الأخلاقية

الفصل الثالث: القيادة المدرسية الاستراتيجية

الفصل الرابع: القيادة المدرسية التحويلية

 الفصل الخامس: القيادة المدرسية التشاركية

الفصل السادس: القيادة المدرسية الخادمة

الفصل السابع: القيادة المدرسية الريادية

الفصل الثامن: القيادة المدرسية الموزعة

ونأمل أن يسد هذا الكتاب ركناً من المكتبة العربية والمكتبة المصرية، فيما يتعلق بالقيادة المدرسية: المفهوم، النظريات، الأنماط، الأبعاد. وفى النهاية ندعو الله سبحانه وتعالى أن ينفع به جيل القراء من الطلاب بكليات التربية- معلمي المستقبل- والدارسين والباحثين في مجال الإدارة التعليمية بصفة عامة والإدارة المدرسية بصفة خاصة.