من خلال التوزيع الجغرافى للفقر فى المجتمع المصرى يتضح لنا أن الوجه القبلى سواء فى الريف والحضر تزداد فيه نسبة الفقر حيث بلغت فى حضر الوجه القبلى نسبة الفقراء 45,5 % من مجموع الأسر أما فى ريف الوجه القبلى بلغت نسبة الفقراء فيه 33,1% من إجمالى سكانه(1).
ومن هنا نجد أن إعداد الفقراء تتزايد فى الوجه القبلى بصفة خاصة وهذا يؤكد أهمية وخطورة هذه الظاهرة فى الوجه القبلى، وذلك يتطلب توجيه الدراسات العلمية نحو دراسة أوضاع الفقراء فى الوجه القبلى، وهناك عدد من الدراسات الإجتماعية التى أهتمت بدراسة الفقر والفقراء، وهذه الدراسات انتهت إلى أن السمات السلوكية لدى الفقراء هى انعكاس الأساليب التنشئة الإجتماعية داخل الأسرة، وهى الأساليب التى يتشكل من خلالها عالم الفقر المحدود فيزيقياً واجتماعياً، مما يجعلهم بالتالى يكتسبون خبرات محدودة نسبياً فى الأهداف والمواقف، وهذه الخبرات المحدودة تمخضت فيها منظورات قاصرة ومبتسرة للعالم من حولهم، ويشعر الفقراء بالعجز والقدرة السلبية فى التأثير على مجريات أمورهم، ولذلك فهم يعانون من مشاعر الإحباط واليأس والفشل، وهذه السمات تظهر فى أنماطهم السلوكية وطرائق حياتهم القاسية ومع مرور الوقت تشكل هذه الأنماط طريقة للحياة تميزهم عن غيرهم داخل البناء الثقافى للمجتمع. (2)
ولما كان الفقراء فى مصر وفى غيرها من المجتمعات لا يشكلون كتلة متجانسة وإنما هم فئات تختلف فى الخصوصيات التى تميزها، والظروف التى تعيش فيها، اختلافات غير هينة، فإنه من الطبيعى أن نتوقع تنوعاً وإختلافاً فى الإستجابة لواقع الفقر والتكيف معه، واستراتيجيات مقاومته. ومن هنا تأتى هذه الدراسة لمحاولة الوصول إلى أساليب تكيف الفقراء مع ظروفهم الاقتصادية والثقافية فى الريف والحضر وذلك فى محاولة للكشف عن خصوصية هذه الشرائح الإجتماعية. (1)
اولاً: مشكلة الدراسة واهميتها:-
تتمثل المشكلة البحثية للدراسة الراهنة فى محاولة التعرف على أهم أساليب التعايش والتكيف مع الفقر داخل الريف والحضر والمقارنة بينهما والوصول بأهم الإختلافات بينهما وذلك من منطلق أن الفقر لا يمثل ظاهرة ريفية فقط أو حضرية فقط، وذلك لأنه بينما تتدنى أساليب الحياة فى قرى ونجوع العالم الثالث عامة _ ومصر بصفة خاصة فإن الأحياء المختلفة، وأحياء وصفى اليد، والمناطق العشوائية نجد بدورها الهامشية والفقر والأحباط والحرمان من أبسط مقومات الحياة فى المناطق الحضرية. والتركيز على أساليب تعايش هذه الفئات مع الفقر ومحاولة دراستها فقط، وسوف يجعل من ثقافة الفقر وليس الفقر ذاته هو لب المشكلة، لذلك سوف تحاول الدراسة أيضاً الكشف عن رؤية الفقراء أنفسهم لأسباب فقرهم وما يتعرضون له من قهر اقتصادى واجتماعى وثقافى، حتى تتكامل أبعاد دراسة المشكلة موضع الدراسة، وذلك من منطلق أن يديولوجية المجتمع المسئولة إلى حد كبير عن فقر هذه الفئات وتهميش دورها داخل المجتمع، حتى يمكن لنا الوصول لتحليل واقعى لهذه الظاهرة حتى نتمكن من التعامل مع أشكالياتها وتداعياتها، وصولاً لوعى حقيقى وموضوعى بالظاهرة، وليس وعى زائف.
وتستمد الدراسة الراهنة أهميتها من خلال التعرف على الخصائص الإجتماعية والثقافية والاقتصادية للفئات الفقيرة، ودور ذلك فى تسهيل عملية إيجاد حلول جوهرية لمشاكل هذه الفئات إضافة إلى أن دراسة هذه الفئات من المجتمع سوف تجعل من السهول على صناع القرار، التعرف على مشاكلهم، ومحاولة إيجاد حلول لها مما يعود على المجتمع بالنفع فى تحقيق مشاركة هذه الفئات مع المجتمع الكبير واستيعابهم مرة أخرى.
والفقر كظاهرة اجتماعية فى المجتمع يعد مؤشر إلى للخلل فى الإجتماعى، وهو دليل على أن المجتمع قد فشل فى توفير الحد الأدنى من متطلبات العيش لقطاعات من السكان، فعلى طول تاريخ مصر، ساعدت ظروف تاريخية، وطبيعة البيئة الاجتماعية القائمة، على وجود وسائل اقتصادية وغير اقتصادية تستنزف من خلالعا قوى اجتماعية معينة الجانب الأكبر من الثروة الاجتماعية، فى حين لا يبقى للقطاعات الكبيرة من السكان ما يكفى لتحقيق الحد الأدنى من ضروريات الحياة، وكانت هذه القوى الإجتماعية تتمثل فى الدولة ومن يسيطرون عليها أو من يمثلهم فى الطبقات الاجتماعية: صفوة الحكم، ومن يخدمون مصالحهم، وكبار الملاك ومن إليهم. أما القطاعات المستنزفة فقد كانت تتشكل أساساً من المعدمين، وصغار الجائزين، ومعظم عمال الزراعة وصغار المنتجين، فى الريف، والجانب الأكبر من الفئات المختلفة من العاملين بأجر، وصغار المنتجين، فى الحضر.
ولقد شهدت مصر فى بداية النصف الثانى من القرن العشرين تحولات اجتماعية وسياسية انعكست على الواقع الاقتصادى للطبقات الفقيرة بصورة ايجابية حيث انحازت سياسة الدولة انحيازاً ملحوظاً نحو الطبقات الفقيرة ولقد تمثل ذلك فى العديد من السياسات التى يبرز من بينها قوانين الاصلاح الزراعى المتعددة وانشاء وزارة للقوى العاملة عنيت بايجاد فرص العمل والتعيين لكل طالب عمل وغير ذلك من المكتسبات التى حققتها الطبقة الوسطى والدنيا.
ونتيجة لظروف خارجية وداخلية بدأت الدولة مضطرة للتراجع عن هذه السياسات مما كان له اكبر الاثر على الطبقات الدنيا، وبصفة خاصة ضعف فرص العمل وانعدامها احياناً امام ابناء هذه الطبقة، وفى ظل هذا الواقع المتنامى نحو هذه الاتجاهات المصاحبة للاصلاح الاقتصادى والخصخصة والعولمة فان التاؤل الذى يمثل لب مشكلة هذه الدراسة هو كيف تتعايش هذه الفئات مع ضعف الموارد او انعدامها فى ظل سياسة عولمة السوق التى صارت مفروضة بحكم عوامل عديدة اما التسائل الثانى المعبر عن مشكلة الدراسة فهو ماهى طبيعة البناء الثقافى السائد لدى هذه الفئات وكيف يمكن ان يسهم فى استمرارية هذه الاوضاع.
ثانياً: اهداف الدراسة:
اذا اعتبرنا ان كل دراسة علمية فى مجال ما تسهم اسهاماً ايجابياً فى تراكم المعرفة النظرية والامبريقية فى هذا المجال فعند اذن يكون الهدف الاول لهذه الدراسة متمثلاً فى اضافة اسهام علمى فى فرع من اهم فروع علم الاجتماع وهو علم الاجتماع الاقتصادى الذى صارا مطالباً بالتصدى للعديد من الظواهر الاجتماعية والتى لاتخلو من بعد اقتصادى فعال مثلما هو الحال فى دراستنا الراهنة التى تتناول احوال الاسر الفقيرة فى الريف والحضر.
اما على المستوى الميدانى فان الدراسة تسعى الى اعطاء صورة وصفية تفصيلية عن حياة شرائح متنامية فى الخريطة السكانية فى المجتمع المصرى وهى شرائح الفقراء فى الريف والحضر ومدا قدرتهم على اشباع حااتهم الاساسية وكيف يتعاملون مع اشباع هذه الحاجات.
ثالثاً: تساؤلات الدراسة:
تسعى الدراسة الى الاجابة على الاسئلة الاتية:
1 - ماهى الخصائص الاجتماعية والمهنية لفئات الفقراء فى الريف والحضر.
2 - مامدا قدرة هذه الفئات على اشباع حاجاتها الاساسية.
3 - ماهو دور الدولة فى اشباع هذه الحاجات من وجهة نظر هذه الفئات.
4 - ماهى الاخطار الاجتماعية والنفسية المحتملة نتيجة ضعف او انعدام اشباع الحاجات الاساسية لهذه الفئات ( الغذاء - المسكن - الرعاية الصحية ).
5 - ماهى الفرص المتاحة امام هذه الفئات ومعوقات استغلال هذه الفرص لدى هذه الفئات فى تحسين احوالها.

