يتسع موضوع البيئة ليستوعب اهتمامات المشتغلين بعلوم المادة الجامدة ، وعلوم المادة الحية والعلوم الاجتماعية . ومن ثم فإنه يمثل المفهوم الذى يعتبر نقطة مشتركة بين كل هذه العلوم والتى تشكل فى مجملها كل فروع العلم ، ويكتشف تحليل المسيرة العلمية لتلك العلوم عند تلك الحقيقة والتى ما زلنا نجد ما يؤكدها فى الوقت الراهن ، حيث لا يستطيع علم من العلوم أن يدعى أن البيئة هى موضوع بحثه ومجال اهتمامه . 

وتعتبر البيولوجيا من أكثر فروع العلم التى احتل فيها مفهوم البيئة اهتماماً مبكراً ومتعمماً ، ونلمس ذلك فى الكتابات المبكرة فى كتاب تشارلز دارون (Ch. (Darwin عن أصل الأنواع الذى يعتبر أول محاولة علمية مهدت الطريق لفهم العلاقة بين الكائن الحى والبيئة . 

حيث يقول دارون " إن ثمة مجال للبحث لم يطرق بعد ، لا بد أن يفتح ، ويكون موضوع اهتمامه تنوع أشكال الحياة وأسبابه وقوانينه ، ولتوضيح ارتباط هذا التنوع تباين الظروف المحيطة بالكائن الحى " ومن ثم فإن دارون يربط ما بين تنوع الكائنات الحية والظروف البيئية المحيطة . وقد فتح كتاب أصل الأنواع لدارون المجال لبحث علاقة الكائن الحى بالوسط الذى يعيش فيه ، ومن ثم فقد ظهر مفهوم آخر يعبر عن علاقة الكائن الحى بالبيئة ، وهو المفهوم الذى صاغه أرنست هايكل Ernest . Heachel ) 1869) ، وأطلق عليه أيكولوجى ecology والذى يعتبر تكيف الكائن الحى مع الوسط على اعتبار أن الأيكولوجى فرع من البيولوجى التى تهتم بدراسة علاقات الكائنات الحية بالبيئة التى توجد بها ، وأن الحياة هى نضال مستمر للكائنات الحية ، وذلك من أجل التوافق والتكييف مع البيئة بهدف الحفاظ على بقاء النوع فى بيئة محدودة ودائمة فى التغيير . وبناء على ذلك فقد استوعب مفهوم الأيكولوجى مفهوم البيئة ويمثل الآخير أحد الأبعاد المكونة لمفهوم الأيكولوجى ، والذى أخذ بدوره أشكالاً متعددة ، وإن كان الاهتمام مركزاً على الكائن الحى فإن الأيكولوجيا تنقسم إلى أيكولوجيا النبات Plant Ecology ، ولأيكولوجيا الحيوان Animal Ecology ، والأيكولوجيا البشرية Human Ecology ، وإن كان الاهتمام متجهاً نحو البيئة فإننا نجد أن هناك أيكولوجيا اليابسة وأيكولوجيا الأنهار وأيكولوجيا البحار ، ولقد ارتبط مفهوم الأيكولوجيا بمفهوم آخر يعبر عن مرحلة متطورة فى البحث الأيكولوجى وهو مفهوم النسق الأيكولوجى Ecological System أو Ecosystem وهو المفهوم الذى صاغه عالم البيولوجى البريطانى A.G. Tansley والذى يعنى عنده " ذلك الكل ا لمعقد للكائنات الحية التى تعيش على نحو طبيعى مع بعضها البعض كوحدات اجتماعية ، فى ارتباط بينها ومواطنها . 

ونتابع بعد ذلك ظهور واستخدام عدد آخر من المفاهيم ذات الصلة بالأيكولوجيا والتى شكلت فى مجملها قاعدة أساسية فى دراسة الأيكولوجيا ، ومن أبرز هذه المفاهيم الوضع الأيكولوجى Ecologycal Niche وهو الذى يعنى التعبير الكلى المختلف الظروف الأيكولوجية المحيطة بالكائن الحى والاستجابات والمكانات التى تصنف أو تشرح الأداء الوظيفى للكائن الحى داخل موطنه " ومفهوم الإقصاء التنافسى Compotvatione Exclusion ومفهومات أخرى مثل التكامل والتعايش والتطفل والتحاشى والتناقش والافتراش ، وكلها مفاهيم تعبر عن مدخل للتفاعلات الأيكولوجية وتعبر فى نفس الوقت عن عمليات أيكولوجية. 

وعند النظر إلى مجال آخر من مجالات الأيكولوجيا وهو المجال الذى يعنيا على وجه الخصوص وهو مجال الأيكولوجيا البشرية فعلى المستوى التاريخى نجد أن هناك توازناً بين خطى الأيكولوجيا البيولوجية والأيكولوجيا البشرية Human Ecology سواء فى مرحلة الفكر ا لفلسفى فى مجال للأيكولوجيا البيولوجية والذى يمثل ثيوفراسطى theophrasteis أحد رواده فى الفكر اليونانى القديم والذى يعنى بدراسة العلاقة بين الكائنات الحية بعضها بالعض وبعلاقتها بالبيئة غير الحية التى تعيش فيها . أو فى مرحلة الفكر الاجتماعى عند أفلاطون وأرسطو وبخاصة حينما تحدثا عن العلاقة بين حجم السكان المناسب للمدينة والدولة