ملخص:
إن فكرة التحصين ليست بالفكرة الجديدة، بل هى قديمة قدم الإنسان، ومرتبطة بوجوده ورغبته فى الدفاع عن نفسه ضد أية أخطار قد تواجهه. وبالتالي فالتحصين مرتبط بصورة أو بأخرى بمقاصد الشريعة الإسلامية، والتى تتمثل فى حفظ الدين، والنفس، والنسل، والعرض، والمال.
وقد عكست نشأة المدينة أهمية التحصين لحماية وجودها وتنمية عمرانها، وهى رغبة السلطة التى تحرص قبل كل شيء على كيان الدولة والأجهزة الحاكمة. وبناء عليه فإن الأمن والأمان يمثل قيمة أساسية لنشأة المجتمع الحضري المستقر، ويعكس ذلك بوضوح دعوة أبى الأنبياء إبراهيم ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾([1])، فسبق الدعاء بالأمان الدعوة بطلب الرزق سبقاً يؤكد هذه الأهمية.
ولحماية المدينة أنشئت التحصينات والاستحكامات الحربية المتنوعة من حصون وربط وقصاب وقلاع وأسوار وأبراج وغيرها من وسائل التحصين التى تعد شرطاً من شروط إنشاء المدن.
وقد حُددت أركان القاعدة التى تقوم عليها الممالك بخمسة أركان، إحداها هى الحصون، حيث يتحصن بها الملوك ويمتنع جانبهم. فالحصون هى أولى دعائم الملك والممالك، سواء أكان المبنى المحصن الذى يقطنه الحاكم، أو جميع وسائل التحصين التى تكفل الحماية والاستقرار للمدن وقاطنيها، وأَولى هؤلاء القاطنين هو الحاكم وحاشيته، والذى تطلب تأمينه متطلبات خاصة انعكست على شكل المدينة الإسلامية وتخطيطها.
ويهدف البحث إلى إلقاء الضوء على فكرة تأمين الحاكم – سواء أكان ذلك التأمين ضد الأخطار الداخلية أو الخارجية – وأثرها على تخطيط المدينة الأندلسية. وفيه يتم تناول بداية ظهور فكرة تأمين الحاكم في الدولة الإسلامية، والتى بدأت بإنشاء المقصورة في عهد عثمان بن عفان (t).
ثم يتم استعراض ظاهرة "المدن الملكية"، والتى وجه تخطيطها توجيهاً ملكياً بحتاً يهدف إلى تأمين الحاكم. ثم فى مدن الأندلس اتخذ التخطيط نمطاً آخر تمثل فى وجود "القصبة" فى أعلى موضع فى المدينة، يقطنها الحاكم وحاشيته، ويتم إحاطتها بالأسوار لحمايتها، يلى ذلك باقي المدينة والمخصصة لسكنى العامة والتى تحميها الأسوار أيضاً.
وختاماً بالخلاصة التى تعرض لما توصل إليه البحث من نتائج، وإلى أي مدى أثر هذا الفكر التأميني للحاكم على تخطيط المدينة الأندلسية.
[1] - سورة البقرة: النصف الأول من الآية 126.

