من بديهيات التقدم المعرفي تناقل المعلومات من موطن لموطن، ومن عالم لعالم، ولنا أن نتخيل حجم الجهد الذي كان يُبذَل قديماً في سبيل نقل المعلومات أو الحصول عليها؛ إذا كان تنقل الباحث لمواطن المعلومات، أو الانتظار حتى ينقلها شخص آخر من موطنها هو السبيل الموجود أو المتاح لذلك، وفي كليهما جهد كبير، وإذا استقرأنا تاريخ علمائنا سنُسَطّر مجلدات كبار في حجم الرحلات التي يقضيها هؤلاء العلماء في سبيل الحصول على المعلومات، أو مقابلة الشيوخ أو العلماء، فماذا يكون موقفنا، إزاء التغير الذي طرأ على وسائل الاتصال، وسبل نقل المعلومات؟! هل سيظل انتظارنا لتلقيها من مصدرها، أم سيظل تمسكنا في الانتقال إلى مصدرها؟! وماذا بوسعنا أن نفعل إذا حققت لنا وسائل الاتصال هذا المواجهة بشكل مباشر من خلال تقنيات حديثة؟! الإجابة قد تكون بضرورة تنمية مهارتنا إزاء استخدام هذه الوسائل وهذه التقنيات.

إن المعلومات جانب من جوانب التراث البشري، ومن ثم فالاحتفاظ بهذا التراث لتناقله بين الأجيال وبين المهتمين أصبح ضرورة ملحة، ولو نظرنا لوسائل حفظ المعلومات التقليدية نجدها لا تخرج عن حفظها في الكتب التي تزدحم بها المكتبات، وازدحام المكتبات بهذا الكم الهائل من الكتب في مجالات المعرفة المختلفة جعل من التفاعل معها أمراً عسيراً، فما بالنا لو قدم لنا وسائل حفظ جديدة، تستغرق حيزاً أصغر بملايين المرات، وتسهل سبيل الحصول على المعلومات والتعامل معها، وفي أطر تنظيمية دقيقة، بل وتحفظها في أشكال متنوعة منها المكتوبة والمسموعة والورقية، ما بالنا؟! هل نتمسك بوسائلنا القديمة، أم نلجأ إلى تنمية مهاراتنا للتعامل مع هذه الوسائل الجديدة؟.

إن العصر الذي نعيش فيه يتسم بالتقدم التكنولوجي الهائل في شتّى المجالات، وبالتقدم والتزايد السريع في المعلومات وطبيعتها، فالاختراعات، من آلات ومعدات ووسائل نقل المعلومات والاحتفاظ بها، لشاهد كبير على التقدم التقني الهائل في هذا العصر، والذي هو نتاج للتزايد الكبير والهائل في حجم المعلومات وطرق انتقالها.

ولم يكن لأهل التربية القائمين على تيسير سبل التعلم، بإنتاج مواقف تعليم تهمل ذلك، لم يكن لهم أن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء هذا التقدم الهائل في مجال تكنولوجيا المعلومات، فمع هذا التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات، ووسائل التعامل معها في هذا العصر الذي يتسم بالمعلوماتية، ومع ظهور شبكة المعلومات الدولية (Internet) ومع التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصال، أصبح التعليم يواجه عدداً من التحديات التي تتطلب إمداد عناصر العملية التعليمية البشرية بالمهارات اللازمة لمواجهة هذه التحديات.

ومن ثم ظهر في الساحات التربوية مفهوم جديد يعرف بتكنولوجيا التعليم، الذي ما لبث أن حدث بينه وبين مفهوم تكنولوجيا المعلومات تزاوجاً ضرورياً أدى إلى ظهور أنماط تعليمية جديدة أطلق عليها المستحدثات التكنولوجية التعليمية، ويهدف إكساب المعلمين لمهارات التعامل مع هذه المستحدثات تغير نمط ما يقدم للمعلمين من المعلومات باعتبارها هدف إلى اكتساب مهارات حياتية جديدة، تجعلهم يوظفون المعلومات، ويساعدون طلابهم على توظفيها والاستفادة منها.

ولتحقيق كل هذه الأغراض، اشتمل كتاب تكنولوجيا التعليم والمعلومات على الأبواب الأربع التالية:

جاء الباب الأول بعنوان أساسيات تكنولوجيا التعليم والمعلومات، وتناول مفاهيم أساسية لتكنولوجيا التعليم والمعلومات، وأهمية وسائل الاتصال التعليمية، واختيار وسائل الاتصال التعليمية واستخدامها. 

وجاء الباب الثاني بعنوان برامج ومواد تكنولوجيا التعليم والمعلومات، وتناول السبورات واللوحات التعليمية، وتنظيم التعليم بالعينات والنماذج والمقاطع، والصور الثابتة، والصور المتحركة، والخرائط والرسوم البيانية، والحقائب التعليمية.

وجاء الباب الثالث بعنوان تشغيل أجهزة تكنولوجيا التعليم والمعلومات، وتناول نظام التواصل باستخدام جهاز العرض الرأسي، والتواصل اللفظي ووسائله، والحاسب الآلي، والتعــلم الإلكـتروني.

وجاء الباب الرابع بعنوان إنتاج مواد تكنولوجيا التعليم والمعلومات، وتناول التخطيط لإنتاج الوسائل السمعية والبصرية، ومهارات تكبير الأشكال والرسوم، وبعض أساليب النسخ، إنتاج لوحات العرض، وصــنـع الدمــى ومسرح العرائس، وإنتاج بعض أدوات المساحة والرصد، وإنتاج شفافيات السبورة الضوئية، وتحميض الفيلم السالب وتظهير فيلم الشرائح، وإنتاج الوسائل المجسمة، وبعض طرق حفظ العينات النباتية والحيوانية بالتجفيف والتصبير والتحنيط، وتسجيل البرامج الصوتية، الأجهزة التعليمية ومعداتها، وإنتاج البرمجيات.

إن دراسة المعلمين لتكنولوجيا التعليم والمعلومات في هذا الكتاب يسهم في تطوير مفاهيمهم النفسية والتربوية عنها، ويحسن من استخدامهم لها، ويساعدهم على إنتاجها، وأخيراً التعرف على الأجهزة والآلات المستخدمة فيها وتشغيلها، وإدارتها.

إن مهارات الاستخدام والإنتاج والتشغيل هي من أهم المهارات التي نسعى إلى أن يكتسبها قارئ هذا الكتاب في مجال تكنولوجيا التعليم والمعلومات، وهذا ما حتم الاهتمام بالجوانب العملية، والتدريبات، وبالتخطيط لاستغلال كل الإمكانات المادية والبشرية الممكنة لتحقيق ذلك.

والله نسأل أن يوفقنا إلى سواء السبيل، ويوجهنا إلى ما فيه خير تربية أجيال ناشئة، هي أمل الوطن، ورصيده إلى مستقبل أفضل، وحياة أكثر ازدهاراً.