قد نكون عرفنا البلاغة علماً وثقفناها صناعة ومنطقاً. غير أننا ما نزال في أشد الحاجة إلى أن نجتليها ذوقاً أصيلاً وحساً مرهفاً في آيات الفصاحة العليا والبيان المعجز. وجل الباحثين على أن البلاغة هو الوجه الأصيل في إعجاز القرآن الكريم، إذ هو الوجه الذي يلازمه في كل سورة، بل في كل تركيب، ويحس بروعتها كل من يستمع إلى كلام الله، ويصغي إلى آياته.

وكان من فضل الله علىَّ أن وفقني إلى دراسة الإعجاز البلاغي في سورة القلم، وقد حاولت من خلال هذه الدراسة أن أبين مواطن البلاغة وسر الإعجاز في التصوير البلاغي الذي زخرت به سورة القلم من خلال مباحث علوم البلاغة الثلاثة "المعاني والبيان والبديع".

وقد اقتضت طبيعة هذه الدراسة أن تأتى في مقدمة وتمهيد تناولت فيه اسم السورة ومناسبتها لما قبلها في الترتيب النزولي والمصحفي ومكان نزولها، وفيمن نزلت، وآراء المفسرين في مكية آياتها أو مدنيتها، ثم وضحت ما في السورة من موضوعات.

ثم تناولت – بعد التمهيد – آيات السورة بالتفسير والتحليل البلاغي، فذكرت المعنى العام الذي تدور حوله آيات هذه السورة كل آية أو مجموعة آيات على حدة.

ثم فصلت القول في الأسرار البلاغية التي ذكرت في السورة موضحة وجه جمالها وتمكنها من مكانها وحسنها وتأديتها للغرض منها سواء كان ذلك الغرض متعلقاً بالمعاني أو البيان أو البديع.

والله من وراء القصد، له الفضل والمنة، ومنه التوفيق وبه المستعان.