لا شك أنَّ الموضوعية Objectivity هي أخص خصائص العلم، ويأتي كتابي هذا ليكشف عن وليوضح مفهوم موضوعية العلم بين الاتجاه التقليدي والاتجاه الجديد في فلسفة العلم، عند كلٍّ من " كارل بوبر Karl Popper" و " سوزان هاك Susan Haack" أنموذجاً، وفى سبيل الكشف عن هذا المفهوم يعرض الباحث عديد من النقاط : في تمهيد الكتاب يتناول الباحث نبذة عن الموضوعية والذاتية Subjectivity، وسمات الموضوعية في فلسفة العلم التقليدية و سمات الموضوعية في فلسفة العلم الجديدة، أما في الفصل الأول فيتناول " نقد كارل بوبر للنزعة الاستقرائية "، وذلك خلال تحليل فلسفة الوضعيين المناطقة وموقف " بوبر " منها ومن مبدأ التحقق لديهم. ويأتي الفصل الثاني للكشف عن " المنهج العلمي عند بوبر "، خلال توضيح كيف كانت الموضوعية في المنطق " التي تمثلت في الاستنباط Deductionوالتكذيب Induction"، وكيف كانت الموضوعية في الرياضيات عند بوبر " والتي تمثلت في الاحتمال Probability". أمّا الفصل الثالث فيكشف عن " رواد مدرسة ما بعد الوضعية Post-Positivism" والذين ترتب على تأويل أعمالهم رواج مفهوم اللاموضوعيةNon Objectivity ، أمثال: " توماس كون Tomas Kohn" و "إمري لاكاتوش Imre Lakatos "، ثم يتناول البحث موقف " بول فيرابند Paul feyerapand " الذى يمثل بداية الثورة على العلم. وفى الفصل الرابع يلخص " تقويم هاك لنظرية المعرفة عند بوبر "، و بيان موقف الأستاذة " سوزان هاك Susan Haack" من مجمل فلسفة " بوبر "، حيث انتقدت مبدأ القابلية للتكذيب Falsifiability لدى بوبري وكذلك النزعة الاستنباطية عنده، حيث رأتها نزعة تُفرط في رفض الاستقراء والتحقق Verification وتُنكر دور الخبرة. أمّا الفصل الخامس فيتناول " المنهج العلمي عند هاك " حيث يضم خلاصة فلسفة " هاك " في العلم، وفيه يعرض الباحث لنزعة البداهة النقدية وهي الفكرة الرئيسية " لهاك " وذلك خلال عرض موقفها من النزعة التبجيلية للعلمScientism والنزعة التهكمية Cynicism منه، ثم نعرض لنظرية هاك الجديدة في التسويغ المعرفي وهى النزعة "الأسسية المتسقة Foundherentism"، تلك النزعة التي من خلالها تصل لحل معتدل لمشكلة الصدق وتخفف التناحر بين نظريات الصدق المختلفة أمثال النظرية الأسسية Foundationalism والنظرية الاتساقية Coherentism . ومن ثم جاءت خاتمة الكتاب متضمنة لأهم النتائج التي توصل إليها الباحث ومن أهمها: أولًا : ينتمي " كارل بوبر " إلى مدرسة فلسفة العلم التقليدية التي من بين فلسفاتها فلسفة الوضعية Positivismوفلسفة الحداثة Modernism، كما تنتمى الأستاذة " سوزان هاك " إلى مدرسة فلسفة العلم الجديدة، أو ما يطلق عليه أحياناً فلسفة علم ما بعد الوضعية Post-Positivism. ثانياً : تتمثل موضوعية العلم عند بوبر في الاستنباط Deduction والتكذيب Falsification، فالمنهج التكذيبي للفرضيات هو المنهج الوحيد للمعرفة الموضوعية عند بوبر. ثالثاً : يعتبر توماس كون ولاكاتوش من الرواد الأوائل لمدرسة فلسفة علم ما بعد الوضعية، واللذين ترتب على تأويل أعمالهم رواج مفهوم اللاموضوعية، حيث ارتبطت فكرة اللاموضوعية بفكرة اللاعقلانية في فلسفة كون بسبب بعض المصطلحات التي ذكرها كون في كتاباته وتم تأويلها على نحو خاطئ. رابعًا : ترفض " سوزان هاك " نزعة " بوبر " الاستنباطية لأنها ترى أن هذه النزعة تنتج عنها نتائج ارتيابية خطاءة، لم تعد استنباطية صرفة كما زعم " بوبر " بل يتخللها الجانب الاستقرائي. لكنها ترى أيضاً أنَّ الأسلوب الاستنباطى يحتاج إلى بعض المكونات التي ليست استنباطية صرفة وليست منطقية صرفة ليثبت جدارته؛ أي مكونات تجمع بين الاستنباط المعتدل والاستقراء المعتدل. خامساً : إنَّ الفكرة الرئيسية في فلسفة " هاك " والتي تراها من أفضل الأفكار الفلسفية تحقيقًا لموضوعية العلم هي " نزعة البداهة النقدية " Critical Common Sensism التي تتبنى الحلول البديهية التي تتفق مع الحس المشترك أو الذوق العام، والتي ترى " هاك " أنه لا يختلف على منهجها فرد أو جماعة؛ لأنها النزعة التي تتبنى مواقف معتدلة لحل جميع المشكلات، وهى الفكرة التي قامت عليها جُل فلسفتها. سادساً : تتمثل موضوعية العلم خير تمثيل عند " هاك " في البداهة النقدية؛ تلك النزعة التي تتبنى النقد البناء المعتدل البديهي، الخادم لتطور العلم، فالبداهة النقدية لا تتبنى حلول وسطية فقط، بل الحل البديهي الذى يخدم المصالح العامة لكل الأطراف. - وهناك عديد من القضايا والإشكاليات التي يثيرها الكتاب . **********