Coverتمثل عملیة توسیع بعض المساجد وبخاصة المساجد الجامعة واقعاً ملموساً في تاریخ عمارة المساجد ابتداء من
عهد النبي (صلي الله علیه وسلم) وترجع الحاجة إلي توسیع عمارة المسجد في الأساس لزیادة أعداد المصلین الذین
تتنامي أعدادهم لأسباب مختلفة تختلف باختلاف ظروف العصر ففي عهد النبي (صلي الله علیه وسلم) ا زدت
أعداد المصلین في المدینة المنورة بإزدیاد أعداد المهاجرین إلیها، وكذلك بإزدیاد أعداد الذین اعتنقوا الإسلام
وبخاصة بعد انتصار المسلمین في غزوة خیبر ٧ه/ ٦٢٨ م. هذا بالإضافة إلي زیادة النمو السكاني العادي
للمسلمین.
وارتبطت عملیة توسیع بعض المساجد بأهمیتها الدینیة كالمسجد الح ا رم بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشریف
بالمدینة المنورة وهذان المسجدان بالإضافة إلي المسجد الأقصى حدث النبي (صلي الله علیه وسلم) بأهمیة زیا رتها
والارتحال إلیها سواء كان ذلك في إطار زیا ا رت عادیة أو في إطار عبادات دینیة كالحج والعمرة التي ترتبط
شعائرها بالمسجد الح ا رم ارتباطاً أساسیاً وهي الشعائر التي تتم باستم ا رر مع تعاقب أجیال المسلمین ومن ثم كانت
توسعة المسجد الح ا رم والمسجد النبوي تحدیداً باستم ا رر انعكاساً لهذا الأمر.
وجرت العادة في القرون الإسلامیة المبكرة بإنشاء مسجد جامع واحد في المدینة الواحدة یجتمع فیه المسلمون
لأداء الصلوات الجامعة فیه، ومنها صلاة الجمعة من كل أسبوع، كما جرت العادة بأن یؤم الحاكم المسلمین في
هذه الصلاة التي تتضمن خطبة علي مرحلتین یعرض فیها ما یهم المصلین من أمور ترتبط بحیاتهم السیاسیة
والاجتماعیة والاقتصادیة والدینیة، ومن ثم برز دور المسجد الجامع كأهم مؤسسة دینیة في المصر. ومع ازدیاد
أعداد المصلین كانت الحاجة ضروریة لتوسیع المسجد الجامع سیما وأنه في القرون الأولي لم یكن لیسمح بإقامة
أكثر من خطبة في المدینة الواحدة. وفي إطار هذه الظروف تعرض كثیر من المساجد الجامعة في المدینة
الإسلامیة لعملیات التوسیع أو إعادة البناء كلیة ویشهد تاریخ مساجد مدن الأمصار علي سبیل المثال بحدوث هذه
الظاهرة ومن أهمها المساجد الجامعة البصرة و الكوفة و الفسطاط.
ومع تك ا رر هذه الظاهرة والاستفادة من التجربة كان الاتجاه إلي بناء بعض المساجد في المدن منذ بدایة انشائها
بمساحات متسعة تكفي حاجات المصلین الحالیة والمستقبلیة. وهو ما انعكس في كبر مساحة المسجد الجامع ونري
ذلك بوضوح في المساجد المبكرة في العصر العباسي الأول كالمسجد الجامع بسام ا رء وجامع أبي دلف وجامع أحمد
بن طولون وفي العصر الفاطمي في جامع الحاكم بأمر الله بالقاهرة.