ما زالت مشكلة الحرية واحدة من المشكلات الفلسفية الكبرى التي تصلح في حد ذاتها مدخلاً لتاريخ الفكر الفلسفي بصورة عامة. ولا نكاد نلمح في تاريخ الفكر الفلسفي مذهباً مكتملاً لم يعن بهده الإشكالية، الأمر الذي يؤدي بنا إلي القول بأن جل المذاهب الفلسفية مند نشأة الفكر الفلسفي وحتى الآن عنيت بالإجابة عن التساؤل الدائر حول ماذا يعني القول بأن الإنسان حر؟، وفي غضون البحث عن إجابة لهذا التساؤل طرح كل مذهب فلسفي تصوره لماهية الحرية بما يتلاءم مع النسق العام لفلسفته.

   إن الاختلاف حول مفهوم كلمة الحرية أدى إلي القول بأنها نسبية متطورة، نسبية بمعنى أنه لا مجال للحديث عن أطر مطلقة للحكم على الفعل من حيث كونه حراً أم غير ذلك. وهو مفهوم متطور بمعنى أنه يتغير من حقبة تاريخية لأخرى. فنظر إلي الحرية في العصور البدائية باعتبارها دفاعاً عن الحياة عند مستواها البيولوجي. وتطور مفهومها ليصبح تعبيراً عن التحرر من غضب القوى المجهولة, ذلك عندما عرف الإنسان الزراعة. وعندما شعر الإنسان بذاتيته بدت معبرة عن التحرر من قيود المجتمع والأفكار التي تحد من ماهيته, وعندما شعر بإنسانيته راح يقاوم السلطة اٌلإلهية التي ترتدي ثوب السياسة وذلك في العصر الوسيط. وعندما نشب الصراع بين المجتمعات عبرت عن قدرة مجتمع ما على التحرر من تلك القيود التي يفرضها عليه مجتمع آخر.

 من هذا المنطلق لم تخضع الحرية لما نطلق عليه التعريف الجامع المانع وأصبحت موضع تعريفات عدة بلغة المناطقة, الأمر الذي عبر عنه روزنتال بقوله " ... استطاعت الحرية عبر التاريخ أن تخلص نفسها من إطار التعريفات وأن تتطور إلي واحد من المصطلحات القوية التي ليس لها وجود خارجي إلا ما يعطيه العقل الإنساني لها، وفي ذات اللحظة أصبحت موضع تعريفات متعددة"  وهذا ما حدا باشعيا برلين إلي القول بأن الحرية مصطلح شأنه شأن المصطلحات الأخرى كالسعادة والطبيعة والحقيقة، ذو تفسيرات شتى.