تناول هذا البحث في مقدمة موجزة أبرز نوعيات مصادر فقه العمران الإسلامي في إطار منهجيتها لتناول قضايا العمران، ثم يعرض بالتفصيل لاثنين من أهم مصادر فقه العمران في بلاد الشمال الإفريقي التي تميزت بنتاج علمي زاخر في هذا المجال، وهما كتابا "القسمة وأصول الأرضين" للفرسطائي و"الإعلان بأحكام البنيان" لابن الرامي، واختيار هذين المصدرين كان في إطار عدة مؤشرات من أهمها أن كلا المؤلفين من بلاد الشمال الإفريقي، وأن أحدهما عاش في وادي مزاب بالجزائر في البيئة الصحراوية، والآخر عاش في تونس في البيئة الساحلية، واختلاف البيئات له أثره على العمران، وبالتالي أثره على أحكامه في بعض الحالات، كما أن أحدهما مال كي المذهب، والآخر إباضي المذهب، وهناك أثر واضح للمذهب في الأحكام الفقهية، ومن ثم فإن كل من المصدرين يفيد في دراسة عمران المناطق المال كية المذهب، والآخر يفيد في دراسة عمران المناطق إباضية المذهب، كما أنهما يغطيان فترة زمنية مهمة ومتتابعة من القرن السادس الهجري إلى القرن السابع الهجري، ولها سوابقها ولواحقها، وهو أمر مهم يؤشر إلى تتابع ازدهار فقه العمران في هذه الفترة، ومعايشته لأحداث عصره، كذلك فإن أولهما كان له خبرة كبيرة ودور بارز في الحياة العمرانية في منطقة وادي مزاب، حتى أنه يمكن أن يوصف في إطار هذه الخبرة بأنه معماري وآثاري، والآخر كان بَّنّاء ووصل إلى مرتبة الفقيه في مجاله، وهو أمر يبرز المستوى التخصصي لكل منهما في مجال العمارة. ويهدف البحث في إطار الدراسة التحليلية لمحتوى الكتابين إلى إبراز أهميتهما في الدراسات العمرانية والمعمارية الأثرية في ضوء اعتبارات مهمة، منها أن الأحكام الفقهية العمرانية كانت بمثابة القانون الذي يحكم عمليات العمران والإنشاء المعماري، كما أن هذه الأحكام تتضمن في سياقها كثيرًا من الملامح والتفاصيل المعمارية التي تفيد الآثاري في عمله، وتساعد على دراسة الآثار الباقية، وكشف المواقع الأثرية التي لم تكشف بعد، كما أنها تفيد في دراسة المصطلح الأثري في فترة وبيئة المؤلفين، التي يجب استخدامها في توثيق المواقع الأثرية التي تعود إلى هذه الفترة

