يمثل هذا الكتاب واحدة من مكونات السلسة الثقافية التي يقوم الكاتب باعداها و نشرها من واقع خبرته الميدانية في عمليات التطوير و التحديث و ارساء منظومة ادارة الجودة الشاملة بمؤسسات التعليم العالي، وكذلك المساهمات العلمية و الفكرية  و التربوية لمن قادوا لواء التطوير و التحديث في هذا المجال و الموضح آرائهم عبر صفحات هذا الكتاب.  

لقد اهتم هذا الكتاب بصورة اساسية بتتبع التاريخ و النشأة لمؤسسات التعليم العالي العربي و توزيعها الجغرافي  بالدول العربية و دورها التنويري على مستوى العالم و ما قدمته من مساهمات في نشر المعرفة ابان عهد ازدهار الحضارة العربية ، و ايضا القاء الضوء على الوضع الراهن لها مقارنة بمكانة المؤسسات الغربية التي تلتها في النشأة، هذا بالإضافة الى معالجة الموضوعات الاخرى المتعلقة بالأنماط التنظيمية و الادارية السائدة بها ،  و كذلك القبول و القيد و الخريجين.

و لقد تم في هذا الكتاب ادراج مقترحات متنوعة لتطوير استراتيجيات التمويل لهذه المؤسسات في ضوء المعمول به على المستوى العالمي لسد الفجوة الناتجة عن قصور التمويل الحكومي  و ذلك من خلال ادخال  بعض المفاهيم المتعلقة بالجامعة المنتجة ، الاوقاف، ضريبة الخريج ...الخ.  هذا بالإضافة الى الاسباب و جوانب القصور  التي تكمن وراء جملة التحديات التي يواجها نظام التعليم العالي العربي مثل العولمة و تداعياتها، البيئة التربوية الداعمة، هجرة العقول، الموارد، الادارة....الخ.، و اثر ذلك كله على موقع المؤسسات العربية في قوائم التصنيف الدولي و القدرة على التميز و التنافسية و المساهمة في ترقية المعرفة الانسانية و احراز القيمة المضافة.

ان التركيز على توضيح رؤية ومجالات  التخطيط للنهوض بمؤسسات التعليم العالي من واقع  المستجدات على الساحة العالمية و مواكبة التطور  و الملائمة مع متطلبات مجتمع المعرفة واحراز القيمة المضافة، اصبحت ذات اهمية عالية لتوجيه الانظار الى  تطوير الاستراتيجيات و السياسة  و التنوع في البنى و الاشكال التعليمية لتطوير المهام الرئيسية لهذه المؤسسات لتتسق مع المستهدف منها في العصر الحالي و تمكين الاقتصاد العربي من المنافسة و الحفاظ على الهوية العربية

ان الدور الذى يجب ان تقوم به مؤسسات التعليم العالي العربي و برامجها التعليمية  في تنمية الموارد البشرية المتاحة و تأهيلها علميا و فكريا و مهاريا في ظل ثورات متعددة في تقانة المعلومات و الاتصالات و ما تصاعد معها كذلك من ثورات في القيم و الفكر و الثقافة و في كل نواحي الحياة الاجتماعية و السياسية، بات على درجة كبيرة من الاهمية و الاهتمام من قبل الساسة و المخططين. لقد اصبحت المعرفة هي الاساس في الانتاج و الدافع الرئيس في التنمية الاقتصادية والاجتماعية حيث اصبح الانتاج كثيف المعرفة و فائض القيمة ناتج عن العلم و المعرفة و الابداع في عملية الانتاج و تصميمة. على هذا النحو،  فان هناك ضرورة حتمية لقيام هذه المؤسسات بتطوير ما تقدمه من برامج تعليمية و تزويدها بالأنشطة اللازمة لتنمية مهارات الابداع و الابتكار لدى طلابها و ذلك للحد من البطالة و احداث المواءمة مع متطلبات اسواق العمل و التوظيف. ان زيادة الاستثمار في رأس المال البشرى و بناء الموارد الذهنية  لخدمة و دعم اقتصاد مجتمع المعرفة و زيادة الرصيد المعرفي للدول العربية سوف يكون له الاثر الإيجابي في توطين التقانة و تحقيق تطلعات المجتمع العربي الاخرى.

ان بناء فضاء اكاديمي عربي امر، بات من الضروري السعي الجاد الى تحقيقه،  في ظل عالم اصبحت التكتلات الاكاديمية فيه علامة بارزة. الامر الذى اصبح يفرض على الجهات الحكومية و غير الحكومية، المتمثلة في الجمعيات العلمية و المنظمات و الهيئات العربية الاخرى، ضرورة المساهمة مع الجامعات و مؤسسات التعليم العالي العربي الاخرى لاستحداث آليات تنفيذه و اعلان المبادئ الهادية و القيم الحاكمة له،  و كذلك مجالات و طرق التعاون التي يجب ان  تلقى اهتماما على المستوى الرسمي و غير الرسمي.  و من المتوقع ان يكون لهذا الفضاء الاثر الاعظم في دعم عرى التعاون بين البلدان العربية، ليس فقط من الناحية الاكاديمية بل سوف يمتد اثره ليشمل نواحي اخرى عديدة داخل المجتمع العربي.