النظـــم التعليمـية تطورها، وأهدافها ، ومجالاتها ، ومناهج البحث فيها

مقدمة:      

يعد علم دراسة النظم التعليمية المقارن علماً حديث النشأة لم تتضح معالمه ، ولم يتفق المشتغلون به علي مناهجه وطرائقه، رغم أنه فرض نفسه علي العلوم التربوية في الجامعات منذ الحرب العالمية الثانية ، فالأصول الأولي لهذا العلم غامضة ومن الصعب تحديدها تماماً، ولكن شهد ميدان دراسة النظم التعليمية في السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً من خلال الكتابات المتعددة لرجال دراسة النظم التعليمية المقارنة ، الأمر الذى ذاد من أهمية هذا العلم في تطوير فهم التربية بصفة عامة وتعميق إدراك مشكلات النظم التعليمية القومية بصفة خاصة ، وكذلك تأكيد أهمية الدور الذي يلعبه هذا العلم في مساعدة المسئولين عن التعليم وراسمي سياسته وواضعي خططه وبرامجه في توجيه الإصلاحات التعليمية المنشودة وزيادة كفاءة وفعالية أنظمتهم ومدارسهم.

وعلم دراسة النظم التعليمية المقارن يهتم بالتعليم في كل أنحاء العالم، أي أنه يعنى بالتعليم من منظور عالمي، ويعني أيضاً بالدراسة التحليلية للقوى والعوامل الثقافية بهدف الوصول إلي فهم معقول لجوانب التشابه والاختلاف بين الأنظمة القومية للتعليم ومشكلاتها المختلفة.

أولاً: تطور الاهتمام بدراسة النظم التعليمية :

ترجع جذور دراسة النظم التعليمية إلي أعماق بعيدة في التاريخ، إذ أن الرحالة في مختلف العصور ذكروا حقائق وانطباعات عن البلاد التي زاروها، ومن أمثال هؤلاء " هيرودوت " الذي وردت انطباعاته عن نظم التعليم وعناصر الثقافة المختلفة في البلاد التي زاروها. والغرض من ذكر هذا التاريخ القديم هو أن وصف النظم التعليمية الأجنبية أو التعرف عليها يعود إلي زمن بعيد يصعب تتبع بدايته علي وجه الدقة، لذلك يمكن اعتبار هذه الفترة بمثابة الجهود المبكرة في مقارنة النظم التعليمية.

وهناك دراسات تناولت نظم التعليم وأنماط الدراسة في بلاد مختلفة ، فقد ألف " جون جرسيكوم John Griscom " عام 1819م كتاب بعنوان عام في أوروبا في جزأين ، تناول فيها مشاهداته للمؤسسات التعليمية في المملكة المتحدة وفرنسا وهولندا وسويسرا وإيطاليا وقام " جريس كوم " بزيارة " بستالوزي " ، وواضح من كتاباته تأثره بطرقه في التعليم. ومن هذه الدراسات أيضا التقرير الذي كتبه الفرنسي فيكتور كوزان Victor Cousin  عام 1831م عن نظام التعليم في روسيا.

        وإذا كان معظم دارسو النظم التعليمية ينسبون هذا العلم إلى علماء أوروبيين وأمريكيين ، فإننا لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة مهمة في هذا المجال . حيث إن هناك رواد وعلماء عرب كان لهم السبق في إجراء دراسات تناولت التعليم في بلاد متعددة. يأتي في مقدمة هؤلاء ابن بطوطة، وابن جبير، وابن خلدون ، ورفاعة رافع الطهطاوي وغيرهم.

ويمكن تقسيم مراحل تطور النظم التعليمية إلي المراحل التالية :

1- مرحلة وصف النظم التعليمية:

و هذه المرحلة تعد بداية التأريخ العلمي للتربية المقارنة ويعود تاريخها إلي العقد الثاني من القرن التاسع عشر وعلي وجد التحديد سنة 1817م عندما نشر " مارك أنطوان جوليان Mark Antoine  Jullien  " الباريسي كتابة المعروف " خطة ونظرات مبدئية عن عمل دراسة النظم التعليمية المقارنة ".

ويعتبر " جوليانJullien   " الرائد الأول لهذه المرحلة ومن روادها الآخرين " فيكتور كوزان Victor Cousin "  أستاذ الفلسفة بالسربون في فرنسا ، " هوراس مانHorace Mann  وهنري برنارد " في أمريكا ، "ماثيو أرنولد" Mathew Arnold في إنجلترا ، " أوشنسكي " في روسيا.

وجميع هؤلاء درسوا النظم التعليمية الأجنبية بهدف نقلها إلي بلادهم إذ كان من المعتقد في تلك الفترة وتركز الاهتمام فيها علي جمع المعلومات عن النظم التعليمية ومكانتها حتى يمكن الاستفادة من أحسن النظم.

وقد تركز الاهتمام في هذه المرحلة علي وصف النظم التعليمية، أو بمعني آخر وصف مظاهر النظام التعليمي دون التعمق في تحليل جذوره وأصوله ودون التصدي لتفسير كنيته أو نقده والتعرف علي مشكلاته.

2- المرحلة التحليلية التفسيرية :

وهذه المرحلة احتلت النصف الأول من القرن العشرين وقد شهدت هذه الفترة نشاطاً كبيراً مثل ظهور دائرة المعارف التربوية التي كتبها " بول موترو " في خمسة أجزاء بين عام 1913م ، 1918م ، ودائرة المعارف التي أعدها " فوستر واطسون" في أربعة أجزاء بين عام 1921م ، 1923م والكتاب السنوي للمعهد الدولي في التربية الذي أصدره " كاندل " I.L.Kandel  في الفترة بين 1925 ، و 1944 والكتاب السنوي للتربية الذي بدأه " لورد برس " سنة 1923م.

ويصف " هانز" هذه المطبوعات بقوله " ومهما كانت قيمة الأفكار التي تضمنتها هذه المطبوعات عن النظم الأجنبية فإن الهدف الرئيسي منها كان ذا طابع نفعي عملي لإصلاح التعليم وتحت تأثير هؤلاء انتقلت دراسة النظم النعليمية المقارنة من مرحلة جمع المعلومات الوصفية إلي المرحلة التحليلية التفسيرية للعوامل المختلفة التي تؤثر في نظم التعليم .

3- مرحلة المنهجية العلمية :

تتميز هذه المرحلة بدراسة دراسة النظم التعليمية المقارنة علي أساس منهجي علمي واستخدام الأسلوب العلمي ومناهجه في الدراسات المقارنة ويعتبر " أرثر موهلمان" رائد هذه المرحلة وتتبعه كل من " جورج بريداي " في أمريكا ، "وبراين هولمزٍ" و " يادمون كنج " في إنجلترا.

ثانياً : المفاهيم المرتبطة بدراسة النظم التعليمية:

يتميز المجتمع الانسانى المعاصر بمؤسساته المتعددة التى تتولى شئونه المختلفة وتقوم بإشباع حاجات أفراده وتحقق أهدافه وطموحاته الحالية والمستقبلية. وبقدر فاعلية تلك المؤسسات ونجاحها فى تحقيق أهدافها يكون تقدم المجتمع ورفاهيته. والمؤسسات الاجتماعية عبارة عن نظام مستمد من مجموعة من الأنشطة المتناسقة التي تستخدم في توجيه وتنمية مجموعة من الموارد البشرية والمادية والفكرية من أجل حل المشكلات التى تعترض إشباع الرغبات الإنسانية وذلك بالتفاعل مع النظم الأخرى المحيطة .

وتنشأ المؤسسة فى المجتمع لتحقيق أهداف محددة ، ولذلك فإنها تمارس مجموعة من الأنشطة التى ترتبط بهذه الأهداف باستغلال الإمكانات المادية والبشرية المتاحة لها. ولما كانت المؤسسة جزءاً من بيئة متكاملة تضم العديد من المنظمات الأخرى ، لذلك فإنها بطبيعة الحال تؤثر وتتأثر بها ، حيث تتوقف فعالية وكفاءة الأنشطة التى تقوم بها المؤسسة على نوعية ومستوى الإمكانات التي توفرها البيئة ، كما أن نتاج عمل المؤسسة يتجه إلى البيئة ، ويتوقف على قبوله أو رفضه نجاح المؤسسة أو فشلها ، ولهذا تلتزم المؤسسة بالقواعد التى تضعها تلك المؤسسات ، إلى جانب التزامها بعدد من الضوابط التى تضعها لتنظيم سلوك أعضائها ، وتحقيق التجانس بين الأفراد والجماعات داخلها .

والمؤسسات التعليمية كالمدارس والجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحث العلمى مؤسسات متخصصة فى المجتمع تعمل على الحفاظ على التراث الثقافى ، إلى جانب دورها فى عمليات التعليم والتثقيف والتدريب ، وإعداد القوى البشرية اللازمة لخطط التنمية ، وإكساب الأنماط السلوكية التى تقود نهضة المجتمع وتقدمه ، وتمثل المؤسسات التعليمية نظاماً اجتماعياً متكاملاً يضم عناصر متفاعلة ومتعاونة من أجل تحقيق أهدافها المنشودة .

1-   مفهوم النظام :  

يختلف المهتمون بأسلوب تحليل النظم فى تعريفهم للنظام باختلاف تحديدهم للسمات المحددة والمميزة له ، يرى بكلى Buckly أن النظام كل مركب من العناصر أو المكونات المرتبطة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، بشبكه من العلاقات السببية بحيث يرتبط كل مكون بعدد من المكونات الأخرى بطريقة ثابتة ولفترة محددة من الزمن ، وقد تكون هذه المكونات بسيطة وثابتة أو معقدة ومتغيرة .

ويرى سلز Sills أن النظام هو المفهوم الذى يعود إلى العلاقات المتبادلة بين مكونات النظام والعمليات فيه من جهة ، وبين النظام ككل والبيئة المحيطة به من جهة أخرى .

ومما سبق يمكن القول أن تعبير نظام يشير إلى أى مركب من عدد من الأجزاء المترابطة والمتفاعلة التى يختص كل جزء منها بوظيفة معينة مع وجود درجة من التعاون والتكامل بين تلك الأجزاء المختلفة فى أدائها لوظائفها ولذلك فإن كفاءة النظام وقدرته على البقاء يتوقفان على مدى الترابط والتفاعل بين أجزائه من ناحية ، ودرجة نجاح كل جزء فى ممارسة وظيفته من ناحية أخرى .

2-   خصائص النظام :

 فى ضوء المفاهيم السابقة للنظام يمكننا أن نحدد للنظام مجموعة من الخصائص أو السمات الرئيسة على النحو التالى :

  • للنظام حدود تميزه عن البيئة المحيطة به ، وهى التى تحتوى عناصر النظام والعلاقات المتداخلة بينها .
  • للنظام بيئة تحيط به وتوجد خارج حدوده ، وتشمل كل ما يؤثر فى النظام وكل ما يتأثر به . فالنظام يرتبط بعلاقات متبادلة مع البيئة المحيطة به ويتأثر بالظروف والأوضاع السائدة فيها ، ويلتزم فى نفس الوقت بكثير مما تفرضه من قيود ومتطلبات .
  • تتميز العناصر التى يتكون منها النظام بعضها عن البعض الآخر بالوظائف التى يقوم بها كل عنصر على الرغم من وجود علاقات تبادلية بينها .
  • لما كانت عناصر النظام مترابطة ومتكاملة فإنه لا يجوز دراسة كل عنصر بمعزل عن العناصر الأخرى.
  • نظراً للعلاقات التبادلية بين عناصر النظام فإنه لا يمكننا إدخال أى تعديل على عنصر ما دون تأثير على بقية العناصر .
  • ليست العلاقات المتبادلة بين عناصر النظام عشوائية ، وإنما تخضع لقوانين يمكن أن نستقرأها ونحددها فى ضوء تكوين النظام الداخلى .
  • يتصف النظام بالمرونة والقابلية للمراجعة والتطوير .

3-   التربية كنظام :

تعتبر التربية ضرورة من ضرورات الحياة ، تحفظ بها الإنسانية بقائها وتستخدمها كوسيلة لتحقيق تطورها ، وهى بذلك نظام اجتماعي يمارس أنشطة متنوعة باستخدام موارد بشرية ومادية مختلفة ، وصولاً إلى تحقيق  أهداف تمثل حاجات اجتماعية ذات قيمة ، وتمارس التربية نشاطها فى إطار بيئة خاصة تتشكل من كل المنظمات الأخرى سواء المعاونة أو المنافسة ، وبذلك ترتبط عناصر التربية بعلاقات تبادلية وتخضع للمؤثرات التى تفرضها المنظمات الأخرى فى المجتمع .

ويمارس النظام التربوى عدة وظائف خاصة به تميزه عن غيره من النظم الأخرى فى المجتمع لتسهيل تحويل المتعلم من مدخل غير قادر على الأداء إلى مخرج قادر على الأداء بعد تعليمه وتدريبه .

ويتضمن النظام التربوى عدة مكونات تتجدد فى ضوء أهدافه ووظائفه ، ولعل أهمها المتعلم والمعلم ، كما أن النظام التربوى يتألف من مجموعة من الأنظمة الفرعية ، التى تضم المصادر البشرية والمادية ذات العلاقة ، بتحقيق الأهداف التربوية المتفق عليها مثل : الأسرة ، جماعات الأصدقاء أو الأقران ، المدرسة ، دور العبادة، المعارض ، المتاحف ، وسائل الإعلام بأنواعها وأنماطها المختلفة ... الخ .

وتمثل التربية – فى نفس الوقت – نظاماً فرعياً يتضمن نظام أكبر هو النظام الاجتماعى ، وهى تمثل نظاماً مفتوحاً لأنها وثيقة الصلة بالمجتمع الذى تخدمه والبيئة التى تعيش فيها .    

فالنظام التربوى يتأثر بالبيئة المحيطة به ويؤثر فيها ، ويحرص على تحقيق التوازن بين مكوناته من ناحية وبينه وبين البيئة من ناحية أخرى .

وبالرغم من أن النظام التربوى نظاماً مفتوحاً إلا أن انفتاحه منضبط ، فهو محكوم بفلسفة المجتمع ، ومظاهر الحياة العديدة به ، والتراث الثقافى الذى خلفته أجياله المختلفة ، وبالنظم الاقتصادية التى تسوده ، ومع ذلك فالنظام التربوى مطالب دائماً بالتفاعل المستمر والتوازن مع البيئة المحيطة به .

4- التعليم كنظام :

نعم ، فكما سبق الحديث عن التربية باعتبارها نظام متكامل يتكون من عدد كبير من الأنظمة ،  أو الأجزاء ، أو العناصر الفرعية ، التى تعمل معاً فى تكامل وانسجام لتحقيق أهدافها. حيث يلاحظ أن التعليم أو المدرسة هى أحد الأجزاء أو العناصر أو المنظومات الفرعية للنظام التربوى ، بذلك يمكن القول بأن التعليم نظام مستقل له كل مميزات وخصائص النظم الأخرى .

فالتعليم كل متكامل يتكون من عدد كبير من العناصر والأجزاء مثل الإدارة، والتمويل ، ومراحل التعليم ، والتلاميذ ، والمعلمين ، والأبنية التعليمية، والتقويم ، والأهداف ،والسياسات التعليمية ... الخ ، حيث يلاحظ أن لكل جزء أو عنصر أو منظومة من منظومات التعليم لها وظيفتها المحددة التى تميزها عن غيرها من العناصر الأخرى ، ولكنها جميعاً تعمل معاً فى تكامل وانسجام لتحقيق أهداف واضحة ومحددة هى أهداف التعليم. وبذلك يمكن القول بأن التعليم نظام مثله فى ذلك مثل التربية ، وبقية الأنظمة الأخرى ، وتنطبق عليه مواصفات أو خصائص النظام .

وخلاصة القول ،فإن مكونات النظام التعليمى فى مجتمع تشمل عدة منظومات فرعية من أهمها :

  • منظومة الإدارة والتمويل .
  • منظومة المعلم إعداده وتدريبه أثناء الخدمة .
  • منظومة التلميذ وانتقائه والتحاقه بالمراحل التعليمة .
  • منظومة المناهج وتطويرها.
  • الأنشطة التى تتم والعمليات .
  • منظومة القوانين التى تحكم التعليم .
  • منظومة السلم التعليمى والمراحل التعليمية .
  • منظومة هيئة المبانى التعليمية .

5-النظام التعليمى ومكوناته . 

يشير تعبير نظام System إلى أى مركب من عدد من الأجزاء المترابطة والمتفاعلة التى يختص كل جزء منها بوظيفة معينة مع وجود درجة من التعاون والتكامل بين تلك الأجزاء المختلفة فى أدائها لوظائفها ، وتتوقف كفاءة النظام وقدرته على البقاء والاستمرار على مدى الترابط والتفاعل بين أجزاءه من ناحية ، ودرجة نجاح كل جزء فى ممارسة وظيفته من ناحية أخرى ، كما أن عدم فاعلية أحد أجزاء النظام لا يقتصر أثره على كفاءة ذلك الجزء فحسب ، بل يمتد ليشمل كفاءة النظام ككل.

ويتصف النظام التعليمى بالسمات الأساسية التى تميزه عن غيره من النظم ، فهو يمارس أنشطة متنوعة باستخدام موارد بشرية ومادية فى إطار بيئة خاصة يربطه بها عديد من العلاقات التبادلية ، ويسعى إلى تحقيق أهداف ارتضاها وحددها المجتمع له ، ويضم المؤسسات التعليمية التى أقامها المجتمع .

وبذلك يمكن القول بأن النظام التعليمى نظام اجتماعي مفتوح يتأثر بالبيئة المحيطة به ويؤثر فيها ، كما أنه يتكون من عدد كبير من الأجزاء أو المنظمات الفرعية المترابطة والمتماسكة ، والتى يختص كل جزء منها بوظيفة محددة ، ومن هذه الأجزاء أو المنظومات : الإدارة التعليمية ، التمويل ، المراحل التعليمية ، السلم التعليمى ، المعلمون ، التلاميذ ، المناهج الدراسية .... الخ كما سبق إيضاحه.

6-  السلم التعليمى ومكوناته : 

يمثل السلم التعليمى أحد المكونات أو المنظومات الفرعية للنظام التعليمى ، وهو عبارة عن مراحل تعليمية متدرجة يؤدى بعضها بالضرورة إلى البعض الأخر، أي تربطها علاقات واضحة ومحددة ،  " وحيث أن الأفراد يختلفون فى قدراتهم واستعداداتهم ، فإنه من المنطقي أن نتوقع اختلافاً فى نوعية التعليم المناسب لهم ، وفى المدة التى يمكن أن يقضوها فيه ، أى أن النظام التعليمى يستجيب للإمكانات والمواهب البشرية المختلفة ، وهو يحمل عدد تفرعات تختلف فى طولها وفى محتواها.

وقد ارتبط بناء السلم التعليمى مع مراحل النمو المختلفة التى يمر بها التلاميذ فتقابل كل درجة من مكونات السلم التعليمى مرحلة عمرية معينة من مراحل النمو المختلفة التى يمر بها التلاميذ ، وذلك حتى يمكن لكل مرحلة من مراحل التعليم أن تقوم بدورها فى تلبية احتياجات ومتطلبات النمو المختلفة للتلميذ فى المرحلة العمرية المناظرة لها .

وهذا التصور النفسي لبنية السلم التعليمى على درجة كبيرة من الأهمية لأن طبيعة واحتياجات كل مرحلة من مراحل النمو التى يمر بها التلاميذ تختلف فى خصائصها عن المرحلة العمرية السابقة أو التالية لها ، وكذلك تتباين أهداف المراحل التعليمية المكونة للسلم التعليمي، ذلك لأن طبيعة واحتياجات وخصائص مراحل النمو المختلفة أحد المصادر الأساسية لاشتقاق أهداف التعلم.

ويتكون السلم التعليمى – فى أى مجتمع من المجتمعات العالمية – من ثلاث مستويات أو مراحل تعليمية رئيسة متدرجة من حيث المستوى التعليمى ومرتبطة ببعضها بشبكة من العلاقات السببية ، يمكن إبرازها على النحو التالي:

1 المرحلة الأولى  ( الابتدائية ) :

يقصد بالتعليم الابتدائي ذلك النوع من التعليم النظامي الذي يأخذ مكانة بصفة عامة فى أول السلم التعليمى ، والذي يلتحق به الصغار من طفولتهم المتوسطة ويستمرون به إلى بداية سن المراهقة بقصد تحصيل بعض المعارف والمهارات الأساسية واللازمة لهم .

وتأخذ المرحلة الأولى (الأولية) اسمها من حيث موقعها فى بداية السلم التعليمى ، وعندها يبدأ معظم التلاميذ رحلتهم التعليمية داخل السلم التعليمى ، ولذلك يطلق عيها فى غالبية دول العالم "المرحلة الابتدائية ".

 المرحلة الثانية  ( الثانوية ) :

 تقابل المرحلة الثانية (الثانوية) من السلم التعليمى المرحلة العمرية التالية لمرحلة الطفولة ، وهى مرحلة المراهقة ، وتسمى من حيث ترتيب موقعها فى السلم التعليمى بالمرحلة الوسطى أو الثانوية ، وتشمل كل أنواع التعليم الواقعة بين نهاية التعليم الابتدائي وبداية التعليم العالى .

وقد حددت المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم – اليونسكو UNESCO – المقصود بالتعليم الثانوى بأنه المرحلة الثانية أو الوسطى من السلم التعليمى والتى تشمل كل أنواع التعليم التى تلي مباشرة التعليم الابتدائي وتنتهي عند بداية التعليم العالى، ويشغل فترة زمنية قدرها ست أو سبع سنوات .

المرحلة الثالثة  (العليا) :        

تقابل المرحلة الثالثة من السلم التعليمى المرحلة العمرية التالية لمرحلة المراهقة لدى الطلاب ، وتشمل كل أنواع التعليم التى تبدأ عند نهاية المرحلة الثانوية، وتأخذ أسمها من خلال موقعها على قمة السلم التعليمى والتى عند نهايتها ينهى معظم الطلاب تعليمهم ، فيطلق عليها المرحلة العليا من السلم التعليمى ، أو التعليم العالى ، وتتم فى الجامعات والمعاهد العليا بأنواعها المختلفة .

7-غموض مفهوم وتنظيم مكونات السلم التعليمى :

يعانى الكثيرون من العاملين فى الحقل التربوى فى كثير من دول العالم بصفة عامة، والدول النامية والمتخلفة على وجه الخصوص من عدم وضوح وتنظيم مكونات السلم التعليمى ، ولذلك يقعون فى كثير من الأخطاء التربوية المترتبة على ذلك ، وعادة ما يكون الغموض فى تحديد بداية ونهاية كل مرحلة من مراحل السلم التعليمى ، وتقسيماتها الفرعية والمسميات التى يطلق عليها ... الخ .

ومن أمثلة ذلك : غموض مفهوم التعليم الثانوى فى الدول العربية ، حيث تنصرف الأذهان إلى السنوات الثلاث الأخيرة من المرحلة الثانية عند سماع كلمة تعليم ثانوى ، وكذلك تعدد المسميات التى تطلق على أقسامه ، حيث يطلق على القسم الأول منه فى مصر الحلقة الإعدادية من التعليم الأساسى ، والتعليم المتوسط فى السعودية والتعليم الإعدادي فى سوريا والبحرين والإمارات ، والتعليم الثانوى فى العراق ... الخ . أما القسم الثانى من التعليم الثانوى فيطلق عليه تعليم ثانوى فى معظم الدول العربية ، عدا العراق حيث يطلق عليه التعليم الإعدادى .

أما فى الدول الأوروبية فالمشكلة تظهر بصورة أكثر وضوحاً ، حيث لا يقتصر الأمر على اختلاف تنظيم مكونات السلم التعليمى من دولة إلى أخرى – كما هو الحال فى الدول العربية – بل يصل الأمر إلى اختلاف تنظيم مكونات السلم التعليمى داخل البلد الواحد .

ثالثاً : أهمية دراسة النظم التعليمية :

ترجع أهمية دارسة النظم التعليمية المقارنة إلى الدور التى تقوم به في تطوير نظم التعليم، وحل مشكلاته، وتحديثه. وقد تعود هذه الأهمية إلى دور هذا العلم في تأصيل العلاقة بين التعليم كمنظومة فرعية والمجتمع كمنظومة أم، والنظر إلى التعليم كقضية مجتمعية يتفاعل مع المنظومات الأخرى،  ويؤثر فيها ويتأثر بها.

وترجع أهميتها أيضاً إلى أنها تساعد دارسيها علي فهم مشكلات التعليم في بلادهم والتعمق في تحليل جوانبها وأبعادها المختلفة وتزويدهم بالحلول المختلفة التي اتبعتها الدول الأخرى في مواجهة مشكلات مماثلة ، وفي نفس الوقت تنمي فيهم الحساسية والوعي معاً بالالتزام و الحرص والحيطة في نقل واستعارة هذه الحلول علي علاتها بدون  ملاءمتها للبيئة الثقافية المنقولة إليها.

كما تعود أهمية دارسة النظم التعليمية المقارنة إلي الأهداف الكثيرة التي تحققها في مجال التربية أو في مجالات الحياة الأخرى علي السواء. ويمكن تلخيص أهم الأهداف التي تحققها دارسة النظم التعليمية المقارنة والتي تقف وراء أهميتها في ثلاثة، أولها هدف المتعة العقلية، وثانيها الهدف العلمي الأكاديمي، وثالثها الهدف النفعي الإصلاحي.

وحقيقة الأمر أن دارسة النظم التعليمية المقارنة ضرورية لعدة أسباب:

1- لقيمتها الثقافية: فهي تنبئنا بما أجرته الدول المختلفة من تجارب في ميدان التعليم كما تعرفنا علي أحدث ما لديها من الأنماط التربوية.

2- لقيمتها التاريخية : التي تمكننا من تتبع خطوات التطور في الكيان التربوي وتحليل الأسباب التي أدت إليه والمؤثرات التي تعرض لها.

3- لقيمتها النفعية و الإصلاحية: من خلال الدراسة التحليلية للنظم التعليمية فى البلاد الأجنبية يمكننا تقويم نظم التعليم القومية للتعرف على مواطن القوة والضعف بها ثم تطويرها فى ضوء الخبرات الأجنبية، وبذلك يمكن تنفيذ الإصلاحات التربوية التي تتطلبها بلادنا، مع مراعاة أن دراسة الكيانات التربوية فى الدول الأخرى مزدوجة النفع ، فهي من جهة تمدنا بنماذج ندرسها ومن جهة أخرى تحذرنا من الوقوع فى أخطاء غيرنا وتزودنا بالاستفادة من أخطائهم .

4- لتفاهم دولي أفضل : إذ أن النظام التربوي لدولة ما  يعرفنا المشكلات التي واجهتها والطرق التي اتبعتها لحل هذه المشكلات ، الأمر الذي يؤدي إلي زيادة فهمنا للشعوب وهذا الفهم ضروري وخاصة بعد ما أصبح العالم بمثابة قرية واحدة.

     وخلاصة القول يمكن تحديد أهمية دراسة النظم التعليمية فيما يلى :

  • مواكبة التطور العلمى الحادث فى البلاد المتقدمة .
  • الاستفادة من خبرات وتجارب الدول المتقدمة فى مجال النظريات التربوية وتطبيقاتها السائدة هناك بما يناسب دولتنا .
  • تساعد دراسة النظم التعليمية فى تقارب الشعوب وتماسكها .
  • دراسة النظم تشخيص وتقويم نظم التعليم القومية وتطويرها فى ضوء الخبرات الأجنبية بما يناسب الظروف المحلية .
  • التعرف على أوجه التشابه والاختلاف بين النظم التعليمية القومية والنظم التعليمية الأجنبية .
  • الإطلاع على أخبار الآخرين .
  • التعرف على عادات وتقاليد و حضارات الشعوب .
  • جانب ثقافي .
  • أهمية نفعية إصلاحية .

رابعاًً : أهداف دراسة النظم التعليمية :

 في البداية المبكرة كان الاهتمام  بدارسة النظم التعليمية المقارنة يتمثل فى غرض محدد وهو اقتباس أشكال وأنشطة تعليمية ناجحة من الخارج لإدماجها في النظام القومي.

و لدارسة النظم التعليمية المقارنة أهداف متعددة نعرض أهمها فيما يلي :

1-  الهدف العلمي الأكاديمي :

إن لدارسة النظم التعليمية المقارنة قيمتها العلمية من حيث العلم قيمة في ذاته فلا يستوي الذي يعلمون والذي لا يعلمون وفضل الله الذين أتوا العلم درجات ، وهذا يعني أن دارسة النظم التعليمية المقارنة كميدان من الدراسة العلمية الأكاديمية له أهمية في ذاته بصرف النظر عن أهميته العلمية أو التطبيقية شأنها في ذلك شأن كثير من العلوم الأخرى.

كما أن دارسة النظم التعليمية المقارنة مثل أي دراسات مقارنة أخرى هي في الحقيقة نشاط عقلي فالأفراد يدرسون النظم التربوية الأجنبية لأنهم يريدون أن يعرفوا شيئاً عن جيرانهم. والمعرفة من أجل المعرفة هو الأساس الذي يحتاجه علم دراسة النظم النعليمية المقارنة وذلك من أجل أن نقف علي قدم المساواة مع المجالات الأكاديمية الأخرى. لذا تسهم المعرفة في مجال العلوم الاجتماعية بالإضافة إلي مجال دراسة النظم النعليمية المقارنة في تقديم خدمات جليلة للتطوير وكذلك للمعرفة وتطبيقاتها.

2- الهدف الحضاري :

تتيح دراسة النظم النعليمية المقارنة فرصة التعرف علي ثقافات الشعوب وحضارتها في أبعادها المختلفة ، فعن طريق دارسة النظم التعليمية المقارنة يمكننا أن نعرف الكثير عن عادات الشعوب وطبائعها ونظمها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، ومن ثم تساعد دارسة النظم التعليمية المقارنة علي التقارب بين الشعوب وتفاهمها بما تتيحه من التعرف علي ثقافات الشعوب المختلفة وأنظمتها التعليمية ، وكذلك بما توفره من لقاءات بين مختلف القيادات التربوية لكل الشعوب سواء في المحافل الدولية أو المؤتمرات والندوات العلمية المختلفة وهي بهذا تساعد شعوب العالم علي معرفة موقعها من الكرة الأرضية التي تنتمي إليها.

3-  الهدف السياسي :

لدارسة النظم التعليمية المقارنة هدف سياسي يتمثل في الكشف عن علاقة الفرد بالدولة وتركيبها السياسي وما يرتبط بذلك من النظريات والأهداف السياسية للدولة ونواياها تجاه الدول الأخرى  سواء كانت هذه مستترة الأهداف أو معبراً عنها بصراحة. وأوضح مثال علي ذلك ما حدث في ألمانيا علي يد " هتلر " عندما أدخل نظام التدريب الإجباري في المدارس الذي كشف عن نوايا هتلر  العدوانية نحو الدول الأوروبية.

4-  الهدف النفعي الإصلاحي :

إن بروز الاهتمام بالتعليم بصورة متزايدة وظهور المشكلات التعليمية المختلفة وما ترتب علي ذلك من ظهور الحاجة إلي الاستفادة من خبرات الآخرين في رسم سياسة تعليمية رشيدة. وقد ساعد علي تأكيد هذه النفعية تزايد الأهمية الحيوية للتعليم وضخامة حجمه وتعدد مشكلاته ، وما ترتب علي ذلك من ظهور الحاجة الملحة إلي الدراسات المقارنة للاستفادة من خبرات الدول الأخرى في رسم السياسة التعليمية واختيار أفضل الاحتمالات. واتخاذ القرار حتى تأتى هذه السياسة التعليمية أو الخطة التعليمية على أساس ثابت سليم.

5- هدف يتعلق بالسلام العالمي :

فدارسة النظم التعليمية المقارنة يمكن أن تلعب دوراً بارزاً في تحقيق السلام والتفاهم الدوليين وذلك لأنها تهتم بفهم الآخر وتعتمد في تحقيق ذلك علي تبادل الزيارات وعقد المؤتمرات في البلاد المختلفة وعلي التعاون في حل المشكلات التعليمية مما لابد أن يؤدي إلي زرع الإحساس بالأخوة الإنسانية ، خاصة وأننا صرنا نعيش الآن و منذ الحرب العالمية الثانية في عالم يعتبره " راميريز "Ramirez و "بولي بينيت "Boli Bennett  وحدة واحدة صار السلام والتعاون فيها هما البديل الوحيد للحياة بسبب أسلحة الدمار الشامل.

6- هدف شخصي :

 إن دارسة النظم التعليمية المقارنة تزود الدارس لها والباحث فيها بالموضوعية وسعة الأفق وبعد النظر وعدم الانخداع بالمظاهر والشكليات ومنطقية الوصول إلي الأهداف التي يرغب في الوصول إليها والقدرة علي الموازنة بين إمكانياته وأهداف والقدرة.

وبالتالي تساعده علي التخطيط العلمي السليم للوصول إلي تلك الأهداف وعدم التطلع إلي ما لدي الآخرين مع القدرة علي فهم النفس وفهم إمكانياتها واستغلال هذه الإمكانيات في العمل والسعي للوصول إلي مستوى حياة أحسن.