المـــــــــــــــادة: نظرية المحاسبة                 الفرقــــــــــــــة: الأولى دبلوم المراجعة

مقدمة:

يشكل البنيان النظري لأي علم من العلوم الإطار الفلسفي الذي يستمد منه هذا العلم مجموعة من الفروض والمفاهيم والمبادئ التي تصاغ في ضوئها المعايير التي تحكم الممارسات المهنية للعاملين في حقل هذا العلم.

وفي عصر تتداخل فيه فروع المعرفة وتتواصل فيه أيضاً أهدافها نجد أن المحاسبة كانت هي الأكثر اعتماداً على غيرها من العلوم الاجتماعية والطبيعية على حد سواء وذلك في بناء نظريتها الخاصة بها، ومع أن البعض يري أن مثل هذا الاعتماد يمثل جانباً مهماً من جوانب قصور المحاسبة إلا أن البعض الآخر يرى أن ذلك ميزة مهمة تزيد من مرونتها وقابليتها للتطور المستمر، فمن دون هذا الانفتاح على فروع المعرفة الأخرى لما استطاعت المحاسبة تطوير الركيزتين الأساسيتين لنجاحها وهما عملية القياس وعملية التوصيل والتي تمتد جذورهما النظرية في الأساس إلى علوم أخرى مثل: الاقتصاد والرياضيات والعلوم السلوكية،

لكن ما يؤخذ على المحاسبة أنها – وعلى خلاف أقرانها من العلوم الاجتماعية الأخرى – تأخرت في استكمال الإطار النظري لممارساتها المهنية، فمنذ قيام باتشيليو بوضع اللبنة الأولى في بنيانها النظري والمتمثلة في نظام القيد المزدوج ركز المحاسبون جل اهتمامهم عبر ما يتجاوز أربعة قرون إلى تطوير الأساليب والقواعد الإجرائية البحتة التي تلزم لتطبيق هذا النظام مكرسين بذلك الدور التقليدي للمحاسبة باعتبارها مجرد نظام لمسك الدفاتر .

وقد سارت الأمور على هذا المنوال إلى بداية العقد الثالث من القرن العشرين حيث وضع باتون حجر الأساس في بناء النظرية المحاسبية الحديثة، فعالج لأول مرة وبقدر كبير من العمق النظري المفاهيم والفروض والمبادئ المحاسبية المتعارف عليها، ثم سار على دربه فيما بعد كثير من الباحثين أمثال ليتلتون ومونتيز وزيمرمان، إذ أدرك هؤلاء الرواد أن الإمعان في التركيز المفرط على الجوانب الإجرائية على حساب الجوانب النظرية للمحاسبة فيه تهميش لدورها الذي تؤديه في عالم الأعمال.

ومع بداية النصف الثاني من القرن العشرين شهدت نظرية المحاسبة اهتماماً متزايداً سواء من قبل المجامع المهنية أو من الباحثين أمثال: بيرمان وهورنجرن وإيجيري وأندرسون وهندريكسن وغيرهم ممن شهدوا بداية التحول الوظيفي للمحاسبة من نظام لمسك الدفاتر إلى نظام متكامل للمعلومات.

ومع دخول القرن الحادي والعشرين والتحول من الاقتصاد المادي إلى ما يعرف بالاقتصاد القائم على المعرفة Knowledge – Based Economy زادت الضغوط على مهنة المحاسبة لتطوير فلسفتها ووظائفها بما يتماشي مع هذا التحول، حيث بات الاهتمام موجهاً وبشكل أكبر من ذي قبل نحو العناصر المعرفية غير الملموسة على حساب العناصر المادية الملموسة.

ويضم هذا الكتاب مجموعة من الأبواب والفصول حيث يتناول الباب الأول نظرية المحاسبة من حيث مستويات بناء النظرية في العلوم الاجتماعية بشكل عام وفي المحاسبة بشكل خاص بالإضافة إلى مناهج ومداخل التنظير المحاسبي، كما يتناول الباب الثاني معايير المحاسبة من حيث التأصيل النظري ومجالات التطبيق، أما الباب الثالث والأخير فقد تطرق إلى ضرورة تطوير نظرية المحاسبة في ظل الاقتصاد القائم على المعرفة.

في الختام، يحذوني أمل بأن يكون الجهد المبذول في عرض موضوعات هذا الكتاب قد قدم ولو جزءاً يسيراً مما ينفع المهتمين بالمحاسبة وبارتقاء شأنها وعلى وجه الخصوص طلاب مرحلة الدراسات العليا.