المسئولية المدنية للمعلم

  إعداد

دكتور / جمال على  الدهشان

كلية التربية - جامعة المنوفية

 2001

 

 

المحتويات

- مقدمة عن أهمية وضرورة دراسة  المسئولية المدنية للمعلم

- معنى المسئولية والمسئولية  المدنية

- أركان المسئولية

- المسئولية المدنية للمعلم : حالات مسئولية المعلم واثباتها.

- صور خطأ المعلم ومحل وعبأ إثباتها .

- طرق دفع مسئولية المعلم .

- أثر انعقاد مسئولية المعلم .

- المراجع .

 

 

 

 

 

مقدمة عن أهمية وضرورة دراسة المسئولية المدنية للمعلم :

يحتل موضوع المسئولية المدنية جانباً مهماً وأساسياً من موضوعات القانون بوجه عام والقانون المدنى بوجه خاص ، إذ هى محور القانون فى كافة نواحيه، وهى شق الرحى الذى يدور عليه صراع الخصوم فى أغلب ما يطرح من منازعات بدور القضاء وساحات المحاكم، ثم أنها تنفرد بالتطور والتجديد اللذين يلاحقانها على مختلف العصور، استجابة للمقتضيات الاجتماعية والاقتصادية ، وبما يجد عليها تبعاً لذلك من آراء ونظريات متعددة .

كما يعد موضوع المسئولية المدنية للمعلم شأنه شأن سائر المسئوليات المدنية لمختلف الوظائف والمهن من الموضوعات الجديرة بالبحث والدراسة لأسباب متعددة من بينها : ـ

1 ـ المعلم يتعرض فى عمله لمخاطر عديدة لا تقل جسامة عن المخاطر التى يتعرض لها غيره كالطبيب والمهندس المعمارى والمقاول ، وعلى الرغم من أن هناك دراسات عديدة ومستفيضة كُرست حول مسئوليتهم المدنية ـ استناداً إلى ما يتعرضون له فى عملهم من مخاطر- فإن مسئولية المعلم المدنية لم تحظ بنفس الدرجة من العناية والدراسة خاصة فى الفقه العربى.

2 ـ أن الظروف الحالية التى تشهدها مؤسساتنا التعليمية (تعدد الفترات ـ ارتفاع كثافة الفصول ـ سوء المرافق التعليمية) والأهداف الطموحة التى يسعى المجتمع إلى تحقيقها ، تلقى على المعلمين أعباء كثيرة ـ حيث يتولون تعليم ورقابة أعداد ضخمة من الأطفال والصبيان فى سن حيوية ونشاط ـ تتعلق بالمحافظة على النظام المدرسى ، وتحقيق الأهداف المرغوبة، هذه الأعباء تتطلب ضرورة دراسة جوانب مسئولية المعلم ، ومحاولة البحث عن أفضل الوسائل التى تحكمها ، والبحث عن أفضل الحلول الممكنة لها.

3 ـ إن ما تشهده المؤسسات التعليمية من حوادث مدرسية عديدة سواء ما تعلق منها باعتداء التلاميذ بعضهم على بعض، أو اعتداء التلاميذ على مدرسيهم، أو التطرف فى استخدام المعلمين للعقاب البدنى مع التلاميذ ، وهو ما كان مادة إعلامية للصحف اليومية فى الآونة الأخيرة ، حيث قامت بنشر العديد من هذه الحوادث باعتبارها ظاهرة تستحق التوقف عندها بالدراسة من قبل خبراء التربية والاجتماع وعلم النفس ورجال القانون ، كما تتطلب توفير قدر أكبر من الحماية للمعلمين من خلال إصدار بعض التشريعات الجديدة لحماية المعلم فى مصر ، ومساعدته على أداء عمله بصورة أفضل، كان تحل مسئولية الدولة محل مسئولية المعلم كما هو الحال فى بعض الدولة مثل فرنسا والكويت ولبنان.

4 ـ إنه مما يزيد من أهمية دراسة المسئولية المدنية للمعلم ، أن القانون المصرى لم يخص المعلمين ـ بالرغم من كونهم يشكلون قطاعاً كبيراً وهاماً فى المجتمع ـ بنظام خاص فيما يتعلق بمسئوليتهم المهنية والمدنية، أى أنه لم يميزهم عن غيرهم ممن يكلفون بالرقابة كالوالدين وأصحاب الحرف.

 

 

معنى المسئولية بوجه عام والمسئولية المدنية بوجه خاص :

المسئولية بوجه عام هى حالة الشخص الذى ارتكب أمراً يستوجب المؤاخذة عليه، فإذا كان هذا الأمر مخالفاً قواعد الأخلاق فقط ، وصفت مسئولية مرتكبه بأنها مسئولية أدبية، واقتصر على إيجاب مؤاخذته مؤاخذة أدبية ، لا تعدو استهجان المجتمع ذلك المسلك المخالف للأخلاق ، فالمسئولية الأدبية تكون أساساً حين يقترف المرء إثماً يسأل عنه أمام الله ويحاسب عليه الضمير ، سواءً كان ذلك بعمل أم بالامتناع أو ترك عمل ، والمعيار هنا ينحصر فى حسن النية أو سوئها ، والأمر فى هذا شخصى بحت.

وإذا كان الأمر مخالفا لقواعد الأخلاق، وكان القانون ـ أيضا ـ يوجب المؤاخذة عليه، فإن مسئولية مرتكبه لا تقف عند حد المسئولية الأدبية ، بل تكون فوق ذلك مسئولية قانونية تستوجب جزاء قانونياً.

فالمسئولية ـ إذن ـ نوعان أدبية وتتعلق بالحالة التى يوجد فيها الشخص الذى يخالف قاعدة من قواعد الأخلاق ،وقانونية وتتعلق بالحالة التى يوجد فيها الشخص الذى ارتكب فعلاً سبب به ضررا للغير ، فا ستوجب هو مؤاخذة القانون إياه على ذلك ، فهى الحالة التى يوجد فيها من يخل بقاعدة من قواعد القانون.

والواقع أن مدى أو نطاق المسئولية الأدبية أوسع بكثير من مدى أو نطاق المسئولية القانونية ذلك أن دائرة الأخلاق أوسع بكثير من دائرة القانون، لأنها تشمل سلوك الإنسان نحو خالقه ، ونحوه نفسه ، ونحو غيره ، أما دائرة القانون فتقتصر على سلوك الإنسان نحو غيره، وفى هذه الدائرة الضيقة يكتفى القانون بتنظيم نشاط الإنسان الخارجى، ولا يحفل بالنوايا الباطنة مادامت لم تتخذ لها مظهراً خارجياً.

والمسئولية القانونية نوعان جنائية ومدنية ، النوع الأول يتعلق بالحالة التى يكون مرتكب الفعل الضار مسئولاً قبل الدولة باعتبارها مشخصة للمجتمع ، ويكون جزاؤه عقوبة توقع عليه باسم المجتمع زجراً له ، وردعاً لغيره ، وتتولى النيابة العامة إقامة الدعوى عليه أمام المحاكم الجنائية ، وتقوم الدولة بتنفيذ العقوبة فيه بما لها من عمال تابعين لسلطتها التنفيذية.

ولقد حددت القوانين والشرائع الحديثة الأفعال التى تستتبع مسئولية جنائية، كما حددت العقوبة التى يستوجبها كل من هذه الأفعال،حيث أصبح من المبادئ الأساسية فى دساتير الدولة المتمدنة "أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص".

أما النوع الثانى : المسئولية المدنية ـ فيتعلق بالحالة التى يكون فيها الفرد قد أخل بالتزام مقرر فى ذمته ، وترتب على هذا الإخلال ضرر للغير ، فيصبح مسئولاً قبل المضرور، وملتزم بتعويضه عما أصابه من ضرر ، ويصبح للمضرور وحده حق المطالبة ، ويعتبر هذا الحق حقاً مدنياً خالصاً له، فالمسئولية المدنية تقوم حين يخل الفرد بما التزم به قبل الغير قانوناً أو اتفاقاً ، والجزاء فيها تعويض الضرر الناشئ عن هذا الإخلال .

ولأن المسئولية المدنية لا يقصد بها الزجر بل تعويض الضرر، فهى لا تعنى بحالة المسئول النفسية ، وإنما تعنى بما وقع من ضرر ، وبتعيين من يتحمل نتائجه المالية ـ المصاب به أو فاعله ـ وبتقدير التعويض بقدر الضرر بقطع النظر عن المسئولية الأدبية ومداها، فالمسئول مدنياً يمكن إلزامه بالتعويض ، ولو لم يمكن نسبة أى خطأ أدبى إليه ، كما فى مسئولية المتبوع عن فعل تابعه.

وإذا كانت المسئولية المدنية هى بوجه عام الالتزام بتعويض الضرر المترتب على الإخلال بالتزام أصلى سابق  واذا كانت الالتزامات ينشأ بعضها عن عقد (كالالتزام بتسليم المباع) وينشأ بعضها الآخر من القانون (فالقانون يلقى على كل فرد فى المجتمع التزاما بألا يضر بالغير ، فإن أضر كان مخلاً بهذا الالتزام) ، فإن رجال القانون المدنى يميزون بين نوعين من المسئولية المدنية يتعلق النوع الأول بالمسئولية التى تنشأ عن الإخلال بالتزام عقدى (كمسئولية البائع عن عدم تسليم المبيع فى الزمان والمكان المتفق عليهما) ويطلق عليه المسئولية العقدية ، ويتعلق النوع الثانى بالمسئولية التى تترتب على الإخلال بالتزام قانونى (كمسئولية السائق عن إضاءة الأنوار ليلاً ، أو مجاوزة قدر معين من السرعة) ويطلق على هذا النوع من المسئولية المدنية مسئولية تقصيرية.

فالمسئولية العقدية هى تلك المسئولية التى تنشأ عن الإخلال بما التزم به المتعاقد ، أما المسئولية التقصيرية فهى تلك المسئولية التى تترتب على ما يحدثه الفرد من ضرر للغير بخطئه.

ويوضح الشكل التالى أنواع المسئولية وتصنيفاتها

المســئولية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

               قــــانونيــة

 

 

 

 

أدبية أو معنوية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

   

 

 

 

 

 

 

جنائيــة

 

 

  مــدنية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

     عقدية

 

 

تقصيرية

 

 

                                                                                                   

q أركان المسئولية بوجه عام :

للمسئولية أركان ثلاثة لا تقوم بدونها أو بدون واحدة منها ـ كقاعدة عامةـ وإذا توافرت هذه الأركان فإن المسئولية تقوم ويترتب على قيامها آثار معينة أهمها جبر الضرر الذى ترتب، هذه الأركان الثلاثة هى : ـ

1 ـ  الخطــــأ : وهو ركن المسئولية الأول ، وفى نفس الوقت هو أساسها ، فالقاعدة هى بناء المسئولية على أساس الخطأ ، وهذا هو المغزى الذى قصدت إليه المادة 163 من التقنين المدنى الحالى حين قررت أن "كل خطأ سبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض .

والواقع أنه إذا كان من اليسير التأكيد على أن الخطأ ركن فى المسئولية فإنه من العسير إعطاء تعريف له يعلو على النقد ، فتعريف الخطأ يختلف باختلاف وجهة نظر كل فقيه ، ولعل من أشهر تعريفات الخطأ تعريف بلانيول والذى يرى "أن الخطأ إخلال بالتزام سابق" ولعل هذا التعريف صحيح تماماً بالنسبة للالتزام ببلوغ غاية ، ولكنه يحتاج إلى إيضاح فى حالة الالتزام ببذل مجهود إذ يثور التساؤل عن ماهية الإخلال به.

أما التعريف الذى يجذب نظر غالبية الفقهاء فيذهب إلى أن الخطأ هو انحراف عن السلوك الواجب مع إدراك هذا الانحراف ، هذا السلوك الواجب سلوك تصورى ، هو سلوك الرجل العادى وهذا الرجل واحد من الجمهور ، من أواسط الناس ، فهو ليس أشدهم حرصاً، ولا أكثرهم إهمالاً .

وللخطأ وفق هذا التعريف ركنين لا يقوم بدون اجتماعهما: فهو انحراف وهو إدراك لهذا الانحراف فالانحراف يعرف بأنه الركن المادى للخطأ ، وكثيراً ما يطلق عليه "التعدى" ، أما الإدراك وهو الركن المعنوى للخطأ فهو يشير إلى أن الخطأ لا يعتبر قد صدر من شخص إلا إذا اسند إليه إسناداً قانونياً أى إلا إذا أتى الشخص الفعل المادى وهو مدرك لما يأتيه ، ذلك أن الخطأ يستوجب المؤاخذة والمؤاخذة تستوجب الإدراك.

للخطأ أوصاف شتى ، فيقال خطأ عمدى وخطأ بإهمال ، وخطأ جسيم وخطأ يسير ، وخطأ تافه ، خطأ واجب الإثبات وخطأ مفترض.

2 ـ الضــــــــرر :  وهو الركن الثانى للمسئولية بحيث إذا انتقى لما قامت ، إذ حينئذ لن يكون لقيامها هدف تحققه ، إذ أن هدفها هو إزالة الضرر، كما وإن الدعوى نفسها تكون غير مقبولة إذ لا دعوى بغير مصلحة.

والضرر بالمعنى العام هو الأذى الذى يصيب الشخص من جراء المساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة له حتى ولو لم يكون القانون يكفل تحقيقها، والمقصود بهذا الأذى أن يصبح الحق أو المصلحة أسوأ مما كان عليه قبل وقوع الخطأ.

والضرر على نوعين : مادى ويتمثل فى الخسائر المالية التى تتأتى نتيجة المساس بحق سواء كان الحق حقاً مالياً أو غير مالى ، ومعنوى (أدبى) وهو ما يصيب الإنسان فى مصلحة غير مالية (الشعور ، العاطفة ، الكرامة ، الشرف ، الارتياح النفسي، الظهور فى شكل غير لائق).

والضرر ثلاثة : ضرر وقع ، وضرر مؤكد الوقوع ، وضرر محتمل الوقوع ، وليست هناك مشكلة بالنسبة للنوع الأول من الضرر ، ولكن المشكلة فى الضرر الثانى والثالث والذى لم يقع أصلاً .

3 ـ علاقة السببية بين الخطأ والضرر : وهذه العلاقة تمثل الركن الثالث للمسئولية ، لا تقوم بدونها تماماً ، كما لا تقوم حيث انتفى الخطأ أو الضرر ، فالمسئولية تهدف إلى التعويض عن الضرر الذى أحدثه المسئول بخطئه، ومن ثم فما لم يكن خطأ المسئول هو الذى أحدث الضرر فلن يكون لهذا الأخير شأن به ، ومن هنا لزم أن يثبت مايسمى بعلاقة السببية بين خطأ المدعى عليه والضرر الذى يراد جبره ، فلو أن المدعى عليه أخطأ ولكن خطأه لم يتسبب فى الضرر ، أو لو أن الضرر لم ينشأ عن خطئه فلا مسئولية ، إذ لا يعقل أن يطلب من شخص دفع تعويض عن أضرار سببها الآخرون.

ويرى فقهاء القانون أنه إذا كانت فكرة السببية فكرة منطقية وبداهية ، فإن تحديدها أو القول بتوافرها أمر بالغ التعقيد ، والذى يدعو إلى هذا التعقيد أن الضرر ينشأ عادة عن أكثر من سبب ، وهنا ينبغى أن نحدد أى الأسباب أدى إليه ، ومن ناحية ثانية فقد تتعاقب الأضرار وهنا ينبغى أن نحدد ما الأضرار التى نتجت عن الخطأ ، وما الأضرار التى لم تنتج عنه وذلك حتى يتوقف التعويض عند حد معين ، فكلاً من تعدد الأسباب وتعاقب الأضرار يؤدى إلى تعقيد فكرة السببية ، بل أن هذه الفكرة لا تتضح إلا من خلالهما.

q المسئولية المدنية للمعلم :

تنبع المسئولية المدنية للمعلم من كونه شخص يتولى تعليم تلاميذ ، هم غالباً من الأطفال أو الصبيان ، فيكونون دائماً بحاجة إلى الملاحظة والإشراف والتوجيه ولهذا فإن من الطبيعى أن يلتزم برقابتهم ، خلال فترة أدائه لمهمته التعليمية ، وإذا ما أحدث هؤلاء التلاميذ ، أو حدث لهم ، ضرر منهم أو من الغير أو من المعلم نفسه ، فتثور حينئذ مسئولية المعلم باعتباره متولياً الرقابة عليهم.

 

للبقبة انظر المرفق