الكتابات على التحف الخزفية والفخارية فى العصر الفاطمى والمملوكى

 " دراسة تطبيقية على بعض النماذج المحفوظة بمتحف الفن الإسلامى ومتحف الخزف بالقاهرة"

 

إعداد : محمود أحمد محمود أحمد

تمهيدى ماجستير

إشراف : د/ عوض عوض محمد الإمام

2007م

---------------------------

الكتابة- الخط العربي "المعنى والنشأة":

يذكر صاحب "المطالع المضرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية" أن الخط العربي عرف في "الشافية" و"جمع الجوامع" بأنه عبارة عن تصوير اللفظ برسم حروف هجائية بتقدير الابتداء به, والوقوف عليه, كما عرفت الكتابة بأنها: "نقوش مخصوصة دالة على الكلام دلالة اللسان على ما في الجنان الدال على ما في خارج الأعيان". وقد ذكر ابن خلدون في الجزء الأول من تاريخه في الفصل الخاص بالخط والكتابة بأنه: "رسم أشكال حرفية تدل على الكلمات المسموعة الدالة على ما في النفس, فهو ثاني رتبة من الدلالة اللغوية, وهو صناعة شريفة؛ إذ الكتابة من خواص الإنسان, الذي يتميز بها عن الحيوان, وأيضًا في تُطلع على ما في الضمائر, وتتأدى بها الأغراض إلى البلد البعيد, فتُقضى بها الحاجات" ([1]).

والكِتابة والكِتاب والكَتْبُ مصدر (كَتَبَ), ومعناه "الجمع", ومن هنا سمي الكِتابُ كتابًا؛ لجمعه الحروف والكلمات, وسميت الكتيبة كتيبةً؛ لجمعها الجيش, والخط والكتابة معناهما واحد, تقول: خط الكتاب يخُطُّه, والخط الاصطلاحي- وهو هندسة الحروف- عرفه القلقشندي بقوله: "الخط ما تتعرف منه صور الحروف المفردة, وأوضاعها, وكيفية ترتيبها خطًا", وحروف الكتابة ثمانية وعشرون حرفًا, فإذا اعتبرنا أن الألف تكون همزةً أو ألفًا يابسة في مثل "أكل", وألفًا لينةً أو ألف مد في مثل "واعد", بلغت الحروف واحدًا وثلاثين حرفًا, وترتيبها الهجائي – على نحو ما هي عليه الآن- حدث في عهد عبدالملك بن مروان على يد نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر العدواني, وهو ترتيب طبيعي؛ لأنه مبني على تقارب أشكال الحروف([2]). وهناك آيتان في القرآن الكريم جمعتا هذه الحروف, أما الأولى ففي قوله تعالى: } ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَـوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْـهِمُ الْقَـتْلُ إِلَـى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ { ([3]), والثانية في قوله تعالى: } مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً {([4]).

هذا, وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن العرب قد أخذوا طريقتهم في الكتابة قبل الإسلام عن بني عمومتهم من الأنباط, الذين كانوا يجاورون عرب الحجاز في تبوك ومدائن صالح وشمال بلاد الحجاز, وقد اتضح ذلك من خلال النقوش النبطية المكتشفة, وهي قريبة الشبه بأقدم النقوش العربية المعروفة, وبذلك تكون النظريات التي ذكرت أن أصل الخط مشتق من الخط المسند الحميري قد بطلت هي وغيرها من النظريات([5]), التي تنسب أصل الخط العربي إلى أصول متعددة. وقد اتخذ الخط العربي الذي تم اشتقاقه من الخط النبطي, عدة أسماء, سميت في البداية بأسماء المدن التي وردت منها, مثل: الخط الحيري, والأنباري, وذلك لأنه أتى مع تجارة العراق عن طريق دومة الجندل, ومع بداية الإسلام والاستقرار في المدينة المنورة ومكة, عرف الخط باسميهما "الخط المدني" و"الخط المكي",ولما انتقل مركز النشاط السياسي إلى العراق, انتقلت معه الخطوط المكية والمدنية, وهناك عرفا في أول الأمر بأسماء المدن العربية التي جاءا منها, ثمَّ ما لبثا أن عرفا باسم "الخط الحجازي", ثمَّ تطور هذا الخط على أيدي أهالي العراق, وعرف منه "الخط الكوفي" و"الخط البصري" ([6]). ثمَّ اختلفت التسميات بتعدد الأقلام, فسميت الخطوط بمقاديرها؛ مثل "الثلث", و"النصف", و"الثلثين" .... إلخ.

هذا, ولقد كان للإسلام أثر عظيم على اللغة العربية بشكل عام, وعلى نظامها الكتابي بشكل خاص, وكان من مظاهر هذا الأثر تلك المجالات الواسعة, التي دخلتها الكتابة العربية في الاستعمال الواسع الذي نقلها من كونها مجرد كتابة محصورة في معاملات تجارية إلى كتابة عالمية([7]). ويرجع السبب في اهتمام المسلمين بالخط في المقام الأول إلى كونه الأداة المستخدمة في حفظ القرآن الكريم وكتابته, لذلك اهتم المسلمون بتجويد الخط وتحسينه, وتطويره عبر العصور الإسلامية, ومن هنا اكتسب نوعًا من القدسية والعظمة, ولذلك استخدمت الكتابة في عمليات التدوين, والمكاتبات, والمعاملات بين الجماعات المختلفة, والتسجيل على العمائر المختلفة من دينية ومدنية وحربية, وكذلك في التسجيل على التحف التطبيقية المختلفة من تحف خزفية ومسكوكات وغيرها([8]).

هكذا يتضح لنا الأهمية التي تمثلها الكتابة بالنسبة للبشر؛ فكان تقدم الأمم يقاس بمعرفة الكتابة, وفي سبيل التوصل إلى الكتابة مر الإنسان بمراحل متعددة, تمكَّن بعدها من الوصول إلى الأشكال النهائية المعروفة لنا حاليًا من الكتابات؛ حيث قضى الإنسان قرونًا عديدةً لا يعرف الكتابة؛ لما كان فيه من بساطة العيش, وقلة احتياجه إلى تدوين الحوادث, ثمَّ بدأت الجماعات الموجودة في التعبير عن أفكارها وتدوين أخبارها, عن طريق الرسم, وذلك بالتعبير عن اسم الشيء برسمه, مثل: إنسان برسم إنسان, وطير برسم طير ... وهكذا. ثمَّ ارتقى الموضوع بعد ذلك باستخدام الرمز للتعبير عن أسماء الأشياء([9]). حتى ظهرت الحروف الحالية, التي من خلالها تكونت الكلمات التي يعبر بها الإنسان عن أسماء الأشياء المختلفة.

 

هذا, وبالنسبة لدراسة الكتابات والخطوط العربية, فيمكن دراستها من حيث المضمون والشكل. أما المضمون فيتم من خلال قراءة الكتابات, ومعرفة محتوياتها, والغرض من كتابتها عن طريق معرفة النصوص المسجلة. وأما دراسة الكتابات من حيث الشكل فيمكن الاستفادة منها في إلقاء مزيد من الضوء على نشأة الكتابة العربية, ومعرفة أصولها, ومراحل تطورها, كما ساعد في الوصول إلى معرفة أقرب أشكال الكتابات القديمة إليها, والتوصل إلى معرفة الصلة بين هذه الكتابات والكتابة العربية, وتساعد أيضًا دراسة الكتابات العربية من حيث الشكل على التعرف على أنواع الكتابات العربية, وأساليبها الفنية المختلفة, ومراحل تطورها, والصلة التي تربط بين هذه الأنواع, وبداية ظهور كل منها. وتعتبر الكتابات الأثرية من المصادر الأصيلة التي يصعب الطعن فيها؛ لأنها معاصرة للأحداث والحقائق التاريخية التي تسجلها, كما أنها تسد بعض النقص الذي يرد أحيانًا في المصادر التاريخية, وفي الغالب كانت الكتابات ترمز إلى وظيفة التحفة التي تسجل عليها, فضلاً عن تسجيل بعض المضامين الأخرى؛ مثل الدعاء, أو التوقيع ... إلخ. وكان حجم التحفة وهيئتها ومادتها الخام تؤثر على شكل الخط وحجمه([10]).

 

([1]) زكي صالح: الخط العربي, الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1983م, ص11.

([2]) فوزي سالم عفيفي: نشأة وتطور الكتابة الخطية العربية ودورها الثقافي والاجتماعي, الكويت: وكالة المطبوعات, 1980م, ص386.

([3]) سورة آل عمران, الآية (154).

([4]) سورة الفتح, الآية (29).

([5]) د. يحيى وهيب الجبوري: الخط والكتابة في الحضارة العربية, دار الغرب الإسلامي, بيروت- لبنان, ط1, 1994م, ص 117.

([6]) المرجع السابق نفسه, ص 118.

([7]) فرج حسين فرج: النقوش الكتابية الفاطمية على الآثار المعمارية في مصر (358- 567 ﻫ/969- 1171م) "دراسة أثرية فنية", رسالة ماجستير غير منشورة, قسم الآثار الإسلامية, كلية الآداب, جامعة جنوب الوادي, 1423 ﻫ/2002م, ص 45.

([8]) د. مايسة محمود داود: الكتابات العربية على الآثار الإسلامية منذ القرن الأول حتى أواخر القرن الثاني عشر للهجرة (7- 18م), مكتبة النهضة المصرية, القاهرة, ط1, يناير 1991م, ص 67.

([9]) فرج حسين فرج: المرجع السابق, ص 32.

([10]) علاء الدين عبدالعال عبد الحميد: شواهد القبور الإسلامية في العصرين الأيوبي والمملوكي في مصر (567- 923 ﻫ/ 1171- 1517م) "دراسة أثرية فنية", رسالة ماجستير غير منشورة, قسم الآثار الإسلامية, كلية الآداب, جامعة جنوب الوادي, 1424 /2004م, ص ص 35, 36.