يعتبر الخط الكوفي من أقدم الخطوط العربية التي ظهرت في العصر الإسلامي منذ بدايته، كما أنه أكثرها جمالاً وزخرفة، ولقد استمد هذا الخط اسمه من مدينة الكوفة بالعراق، والتي أنشئت فيما بين (17-19هـ / 638-640م) على يد "سعد بن أبي وقاص"، حيث جود الخط العربي فيها، ومن ثم غلب على تسميته"الخط الكوفي"نسبة إليها، ثم أطلق مصطلح "الخط الكوفي" فيما بعد على النوع الجاف أو اليابس أو المزوى من هذا الخط.

ويلاحظ أن هذا النوع من الخط العربي قد حظي بعناية كبيرة منذ بداية ظهوره أكثر من الخط اللين؛ ولذلك فقد اتخذ طابعاً رسمياً، وصارت له صورة جلية، مما جعله ينفرد بالكتابات الأثرية ذات الطابع الرسمي، ونقوش العملة والصنج، وكتابات شواهد وتراكيب القبور الإسلامية، وكتابات المصاحف طوال القرون الخمسة الأولى للهجرة بل وبعد ذلك بفترات طويلة تصل إلى نهاية العصر العثماني.

ومما هو جدير بالملاحظة أن الخط الكوفي بأشكاله المختلفة لم يتوقف استعماله مرة واحدة، بل ظل يستعمل إلى جانب خط الثلث على الآثار المعمارية والتحف التطبيقية لمدة طويلة تصل إلى نهاية العصر العثماني، إلا أنه استخدم في كتابة الآيات القرآنية والعبارات الدعائية، ونص عبارة التهليل (التوحيد) بصور زخرفية، بالإضافة إلى استخدامه في كتابة بعض النقوش الكتابية الإنشائية والتسجيلية، وهو ما ستوضحه الدراسة في الفصول القادمة إن شاء الله .

ولقد لعب الخط الكوفي منذ بداية ظهوره دوراً لم يلعبه أي نوع آخر من الخطوط العربية الأخرى في فن الزخرفة الإسلامية، حيث بدأ ككل الظواهر الفنية المعروفة بسيطاً، ثم درج في سلم الارتقاء والتطور إلى أن بلغ القمة حسناً وجمالاً، وكان هذا بفضل ما بذل من جهود في سبيل تجويده .

ولقد نال الخط الكوفي هذه المكانة الزخرفية والفنية بفضل تكوينه الهندسي، حيث أنه يتكون من قوائم ترتكز عمودية أو شبه عمودية على قاعدة تمتد أفقياً على مستوى سطر الكتابة (مستوى السطر أو مستوى استواء الكتابة)، مما جعل الكتابة تبدو كشريط زخرفي له جماله الخاص.

ولقد تنبه الفنانون المسلمون إلى ما في هذا النوع من الخط من قابلية شديدة للزخرفة؛ فاهتموا بتنميتها وتطويرها وتنوعها، بحيث أدخلوا على حروفه كثيرًا من الزيادات الزخرفية، التي تخفف من تكوينه الهندسي، مما جعله يعتبر من أهم الوحدات الزخرفية في الفن الإسلامي، وأصبح له مكانته المميزة في الفنون الإسلامية عامة .

ومما زاد من قيمة هذا الخط استخدامه في كتابة القرآن الكريم، وكان لذلك الفضل الأول في إعزاز شأنه، وفي تأمل المسلمين له باهتمام فيه كثير من الإحساس الديني، وتذوقهم له بمتعة روحية، وقد أدى هذا الإحساس إلى المزيد من العناية به وتجميله وتحسينه، والتطور به تطوراً فنياً زخرفياً إلى جانب وظيفته الأولى التسجيلية .

ولقد استطاعت موهبة الفنان المسلم أن تبتدع أشكالاً زخرفية مختلفة من هذا الخط، وذلك تلبية لمتطلبات الموهبة الفنية المبدعة، ومسايرة لسنة التطور، وحباً في تنوع الزخرفة الإسلامية، ولقد مرت هذه الأشكال الزخرفية بمراحل مختلفة، أثرت عليها عديد من المؤثرات، منها عامل الزمن والتطور التدريجي بمرور الوقت، إلى جانب التطور في تشكيل اللواحق الزخرفية .