( تأريخ أرسطو للفلاسفة اليونان الأوائل) ([1]).

  لقد أوَّل "أرسطو- وهو من أقدم المصادر المعروفة لتأريخ الفلسفة اليونانية- نصوصَ الفلاسفةِ السابقين على السوفسطائيين، في كتبه: "الميتافيزيقاme/ta ta fusika/ -"، meta ta fysika" وكتاب الطبيعة أو الفيزيقا ta/ fusika -    "  ta fysikaو"الكون والفساد- peri gen/sewj kai fqora=j "، peri gensews fthoras، وغيرها من الكتب، تأويلاً عقلياً خالصًا، بعد أن استبعد منها كل التأويلات الأسطورية والدينية. ويمكن أن نطلق على منهج أرسطو هذا "منهج نزع الأسطورية"(Demythologization).. وأعني به فصلَ أرسطو للرسالة الفلسفية- عن الميثولوجيا والثيولوجيا- من نصوص الفلاسفة اليونان الأوائل. انتهج أرسطو عكس أستاذه أفلاطون؛ حيث كان أرسطو، حتى وهو يعالج السياق الميثولوجي لنصوص الفلاسفة السابقين عليه، يعالجه بشكلٍ مادي؛ بينما كان أفلاطون، حتى وهو يتناول علم الطبيعة، يتناوله بشكل ثيولوجي. بذلك يكون أرسطو، بهذا المنهج في التأويل، هو مؤسس الهمرمنيوطيقا (فنُّ الفهم، ومنهجُ تأويلِ النصوص)، ليس في كتابه "بيري هرمنياس peri e(rmhnei/aj-"، peri hermeneias، فحسب، بل في تأويله للسابقين عليه، الذي اتخذ مظهره شكل التأريخ، في حين أن جوهره يكمن في التأويل. كما أن معرفتنا بقواعد منهجه التأويلي  يمكن أن يقلل من الآثار الناتجة عن إضفاء "معقولية"، ناتجة عن تأويل مذاهب هؤلاء الفلاسفة، بنزع "الأسطورية" عنهم، وقد تكون- هذه الأسطورية- أحد الأسس المهمة في تكوين فلسفاتهم، وفهمها على ماهى عليه، دون تأويلٍ أو تقَوُّلٍ على النصوص.

 ومع ذلك تابع معظمُ الباحثين والشراح ذلك التأويل الأرسطي لهؤلاء الفلاسفة، منذ القرن الرابع قبل الميلاد، وربما حتى الآن (لأن نفوذ أرسطو قد أوشك أن يبلغ ما للكنيسة من سلطان لا يقبل الجدل كما يقول برتراند رسل !).

كانت الثورةُ، منذ فرنسيس بيكون، على أرسطو ثورةً على أرسطو "العالِم الطبيعي"، وينبغي أن تكون هناك ثورةٌ مماثلة على أرسطو "مؤرخ" الفلسفة !

 

([1])  د. شرف الدين عبد الحميد: " منهج نزع الأسطورية: تأويل أرسطو لبعض الفلاسفة السابقين على السوفسطائيين"، مجلة كلية الآداب، جامعة سوهاج، العدد السادس والثلاثون، مارس 2014م ص ص 285-286.