sharafeldin_ahmed

شرف الدين عبد الحميد أمين أحمد

استاذ مساعد - قائم بعمل رئيس قسم الفلسفة (سابقًا)

كلية الآداب

العنوان: قسم الفلسفة- كلية الآداب- جامعة سوهاج

117

إعجاب

الفلسفة اليونانية من طاليس إلى أرسطوطاليس

2018-10-12 03:17:10 |

الفلسفة اليونانية من طاليس إلى أرسطو طاليس مقرر الفرقة الأولى يوناني ولاتيني

مقدمة:

شغل التفكير في الأمور الغيبية  والدين عقول البشر- خاصة الفلاسفة - منذ أقدم العصور وحتى العصر الحاضر، فكثيرًا ما أخضع الفلاسفة الدين لحدود العقل ومعاييره الصارمة، فيقبلون ما يتفق منه مع تلك الحدود، ويطرحون جانبًا ما يتنافى مع مبادئ العقل وأولياته. وقد دفع هؤلاء الفلاسفة من راحتهم وحريتهم وأحيانًا قدموا أرواحهم ذاتها ثمنًا لجرأتهم العقلية هذه وعبر عصور الفلسفة المختلفة، تلك الجرأة التي تقوض أركان التصورات الشعبية والخرافية والأسطورية عن الدين.

وتدهشنا الديانة اليونانية بهذا التنوع الكبير لآلهتها: فالآلهة اليونانية تملأ ما فوق الأرض بحدودها المعروفة للإنسان: شمالا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، وهى توجد أيضًا أسفل الأرض، وفى الماء والهواء والكهوف والأشجار: فكل شيء مليء بالآلهة كما يقول أول الفلاسفة طاليس.

 

وقد عبد اليونانيون كل شيء تقريبًا: الجبال والمغارات والأعداد والأشجار والشمس والقمر والنجوم والماعز والأفاعي والثيران، والآلهة على شكل إنسان أو على شكل حيوان أو تلك التي تتركب من نصف إنسان ونصف حيوان، وهذه الآلهة منها الذكور ومنها الإناث. ولكن التطور التاريخي للديانة اليونانية انتهي باعتماد الشكل البشري والتجسيم للآلهة.

 

وعلى ذلك ما كان من الآلهة على صورة البشر فهو أعظمها شأنًا، والفارق بينها وبين البشر ما هو إلا فارق في الدرجة؛ فهى أقوى من الإنسان, وبإمكانها تحقيق كل ما يعجز الإنسان عن تحقيقه؛ فما هو موجود في البشر على نحو ناقص هو لدى الآلهة على نحو كامل, وكأنها مجرد صورة مكبرة للإنسان في العقل، لذلك قيل: " إنه إذا كانت الأساطير تقول بأن الآلهة قد خلقت البشر فما كان من البشر سوى أن قاموا برد الجميل".

وكان اليوناني يَجِّدُ في العمل على استرضاء هذه الآلهة، فيقدم لها طقوسًا لا حصر لها من الصلوات والتضحيات والعبادات والرموز، ولم يكن هناك عقيدة واحدة ولا شعائر سائدة، بل كان التنوع الهائل يغلب على كل العبادات والطقوس والمعتقدات من عصر إلى عصر, ومن مكان إلى مكان, ومن طبقة إلى طبقة, بل ومن عائلة إلى أخرى.

 

وقد نشأت الحكايات عن الآلهة وأفعالها وهو ما يطلق عليه مصطلح الأسطورة، وقد ظلت العلاقة بين الدين والأسطورة اليونانية تثير حيرة العقول المفكرة وتثير حيرة الفلاسفة؛ فهذه الحكايات الفاضحة والمشينة تظهر الآلهة في غرامياتهم وصراعاتهم وتدنيهم الأخلاقي، لصوصًا وغواة ومخادعين وزناه، فكيف يمكن التوفيق بين هذه الأساطير وبين ما يستلزمه تصور الألوهية  من الكمال في كل شيء والذي ينبغي أن تقوم عليه الديانة. لقد نسب الشعراء، من أمثال هوميروس وهسيودوس، اللذين مجدهما اليونانيون، إلى الآلهة كل نقيصة، وقد أضحت الأساطير عقيدة اليونان وأديانهم وآدابهم وتاريخهم جميعًا.

وإزاء هذا العالم المتعدد الأشكال والمتنوع الاتجاهات، المليء بالأساطير والخرافات، ستقوم الفلسفة بدورها المنوط بها، وسيقوم العقل الحر بتقويض هذا العالم الذي ما يلبث أن ينهار في النهاية تحت تأثير ضربات العقول المفكرة والحرة.