كانت التربية وما تزال طريق الأمم إلى المستقبل، والنظام التربوي يعد أحد أهم الأنظمة الاجتماعية المهمة، لما له من أهمية كبرى في حياة المجتمعات وسر نهضتها، فهو لا يستطيع أن يؤدي رسالته ويحقق أهدافه إلا بوجود قيادة تربوية فاعلة قادرة على تجاوز المعوقات والتحديات، ونظرا لما نشهده من انفجار معرفي واتصالات متطورة وتقنيات حديثة، فقد صار لزاماً على المنظمات التعليمية مواكبة التغيرات الجديدة، وضرورة توافر بيئة قيادية تفرضها التغيرات التي تعيشها المؤسسات المعاصرة.

ومن الأزمات التي تمر بها المنظمات والمؤسسات والحركات بشكل عام هي أزمة القيادة وأعراض هذه الأزمة وآثارها منعكسة على كل المستويات. والمقصود هنا بأزمة القيادة أزمة الأداء القيادي أو الدور القيادي الذي يلعبه من يتسلم الموقع أو الدور . لذا فالعنصر القيادي هو ضالة المنظمات والمؤسسات، فالقائد يفعل بأثره ما لا تفعله مجموعات كبيرة من الناس.

ويؤكد الفكر الإداري المعاصر على أن المنظمة التي تملك قيادة مبدعة تكون أكثر تطوراً من غيرها، ولعل ذلك يرجع إلى الفكر المتجدد الذي تتبعه قيادة تلك المنظمة، علاوة على ما تتخذه من قرارات حكيمة ومتوافقة مع طبيعتها وبيئتها والعاملين فيها.

ودور القيادة في إدارة الأداء وتقويمه وتطويره يعتبر مجالاً خصباً للدراسة والتحليل، ففي الحقب التاريخية الماضية كان لهذا الدور أثر كبير في تطوير العمليات والممارسات الإدارية على أرض الواقع. وتعتبر القيادة من أهم أدوات التوجيه فاعلية، فهي الوسيلة الأساسية التي عن طريقها يستطيع المدير بث روح التالف بين العاملين في المنظمة. والقيادة ذات طبيعة مركبة، فهي تتضمن العديد من الجوانب مثل الدافعية، والرؤية المستقبلية، والاتصال، واتخاذ القرارات.

لذا تعد القيادة الإدارية قضية محورية لأية منظمة في جميع مستوياتها التنظيمية، حيث أضحت مهارات التعامل مع الآخرين جزءا لا يتجزأ من المهارات المطلوبة للقيادة الفاعلة، في حين كان ينظر إلى القادة في الماضي على أنهم أداة للضبط والسيطرة والرقابة المحكمة فحسب، إلا أنه في منظمات اليوم أصبح الدور التحفيزي والملهم للقادة مرتكزا محوريا في دورهم القيادي، وقد فرض هذا الدور المتطور للقادة على المنظمات المعاصرة التركيز على تطوير هذه المهارات لدى القادة الحاليين والتأكد من وجود هذه المهارات لدى المرشحين للمواقع القيادية لمواكبة متطلبات العصر، ومن هذا المنطلق اتجهت بحوث القيادة الإدارية إلى البحث عن الخصائص والسلوكيات المطلوبة عند القادة بما يتلاءم مع أدوارهم المتجددة حتى يستطيعوا أن يتقمصوا أدوارهم القيادية في منظمات اليوم بنجاح.

إن القائد لا يواجه التحديات بمفرده فنجد أن مع القائد مجموعة أو منظمة تعمل على مواجهة كل تحد وتدقيق كل هدف وليست وظيفة القائد حل كل مشكلة لوحده بل إلهام من يقودهم لكي يحلوا المشاكل، فإلى جانب الصفات الشخصية مثل الرؤيا والتفكير الإيجابي يتعين على القائد المبدع أن يخطو بحذر لكي يحقق التواصل مع فريقه بأفضل الطرق الممكنة، وعلى العكس فإن التفكير والحديث السلبي سوف يقلل من قوة الإبداع.

وحيث أن جوهر عملية القيادة يتمثل في التأثير الذي يمارسه فرد ما على سلوك أفراد آخرين ودفعهم للعمل بفعالية، فإنه لا يمكن أن تتم الأعمال على أحسن وجه بمجرد إصدار التعليمات والأوامر إلى المرؤوسين وإنما من الضروري رفع حالتهم المعنوية وتنمية التعاون بينهم، لذا يتوقف تحقيق الأهداف في أي منظمة أو مؤسسة على كفاءة القيادة ومدى قدرتها على توجيه الجهود الجماعية.

إن الإدارة التربوية في جوهرها هي عملية قيادة بالمقام الأول، وقدرة على التأثير في البشر الآخرين وحفزهم لإنجاز أهداف المنظمة التعليمية وأولياتها والسعي الدائم لتطويرها، فالقيادة هي عملية تعلم تعاونية مشتركة تسهم في دفع المنظمة التعليمية إلى الأمام، ومراعاة أن العصر الحالي، عصر ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات يتطلب هندسة العلاقات إضافة إلى هندسة العمليات. وهذا ما يفرض تحديا رئيسا يتمثل بتطوير القيادة التربوية ضمن إطار فكري حديث، يراعي قابلية القيادة للتعلم والتطوير وإعادة الصياغة بما ينسجم مع متطلبات العصر ومستجداته وتقنياته، ذلك انطلاقا من أن القيادة هي عملية صناعة يمكن إعادة اختراعها والتفكير فيها وتشكيلها، مما يمكنها من إدارة منظمات المستقبل بكفاية وفاعلية.

تمثل القيادة التربوية أهمية كبرى في نجاح المنظمة التعليمية، بيد أن القيادة نفسها عملية نسبية ذلك أن الفرد قد يكون قائدا في موقف وتابعا في موقف آخر، ومن هنا يرتبط مفهوم القيادة بمفهوم الدور والمسئولية ارتباطا وثيقا وترتبط القيادة أيضا بنمط الشخصية فعليه يتوقف مدى قيام الفرد بدور القيادة وإلى جانب نمط الشخصية هناك مهارات إدارية لازمة لرجل الإدارة التعليمية للنجاح في عمله ويرتبط بكل ذلك أيضا طريقة اختيار القادة التربويون وتدريبهم.

وتعد القيادة المنظمة التعليمية الأداة الفاعلـة والأساسية في تنظيم وتنسيق جهود العاملين في المنظمة؛ وبالتالي تمثل أداة ضرورية للتنظيمات الإدارية، وتجعلها أكثر ديناميكية لتحقيق أهدافها، فضلاً عن كونها المعيار الذي يتخذ فـي ضـوئه مدى نجـاح هـذه التنظيمات في تحقيق أهدافها. ويعد النمط القيادي - الذي يختاره القائد التربوي - العامل الرئيسي في نجـاح المؤسـسات أو فشلها لما للمدير التربوي من دور حاسم في التأثير على سلوك أعضاء هيئة التدريس، وفي إيجاد المناخ العلمي الفعال الذي يمثل استثماراً فاعلاً في التحصيل العلمي للطلاب.

ونظرا للأهمية الكبرى التي تلعبها المنظمة التعليمية كمنظمة تربوية في المجتمع، فإنها تحتاج إلى من يديرها ويتابع أعمالها، ويوجه العاملين فيها ويشرف عليهم، وينسق جهودهم، ويعمل على تحسين أدائهم من أجل تحقيق الأهداف المرسومة لهذه المنظمة. والكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ يضم ستة فصول هي:

الفصل الأول: القيادة: المفهوم ... النظريات

الفصل الثاني: القيادة الأخلاقية

الفصل الثالث: القيادة الاستراتيجية

الفصل الرابع: القيادة التحويلية

 الفصل الخامس: القيادة التشاركية

الفصل السادس: القيادة الخادمة

الفصل السابع: القيادة الريادية

الفصل الثامن: القيادة الموزعة

ونأمل أن يسد هذا الكتاب ركناً من المكتبة العربية والمكتبة المصرية، فيما يتعلق بتطوير الأداء في المؤسسات التعليمية، وفى النهاية ندعو الله سبحانه وتعالى أن ينفع به جيل القراء من الطلاب بكليات التربية- معلمي المستقبل- والدارسين والباحثين في مجال الإدارة التعليمية.