تشهد المجتمعات الحديثة على اختلاف أنواعها تزايداً مضطرداً في عدد وحجم المنظمات التي توفر الخدمات الضرورية للمجتمع، وتعتمد هذه المنظمات على متخصصين يفترض فيهم القيام بعملهم بطرق تتسم بالفاعلية، ولأسباب شتى تظهر معوقات تحول دون قيام العاملين بدورهم علي الوحه الأكمل، الأمر الذي يسهم في إحساسهم بالعجز عند تقديم العمل المطلوب منهم وبالمستوى الذي يتوقعه منهم الآخرون، ومتى ما حدث ذلك فان العلاقة التي تربط العاملين بالمنظمة تأخذ بعداً سلبياً له آثاره السيئة على الفرد والمنظمة والعملية الإنتاجية أو الخدمية ككل.

لذا تحتاج منظمات اليوم إلي تضافر جهود كافة العاملين بها، بل والسعي نحو مزيد من العمل والعطاء بما يفوق أداء الواجبات والمسئوليات الرسمية للوظيفة، المتمثلة في الحد الأدنى للأداء، فالمنظمات الحديثة تعمل علي خلق روح المبادرة والابتكار تاركة للعاملين حرية التصرف، وهي نوع من السلوكيات التي تؤثر في كفاءة وفعالية منظمات الأعمال التي يقوم بها الأفراد بناءً علي اختيارهم وبمحض إرادتهم لأنها لا ترد ضمن الوصف الوظيفي للدور الذي يؤديه الفرد داخل منظمته، ولا شك بأن الفرد بما يتبناه من اتجاهات وقيم وبما يحوزه من دوافع وبما يمارسه من سلوكيات له دور مهم في رفع كفاءة وفعالية المنظمة التي يعمل بها.

لذا يتزايد الاهتمام في الوقت الحاضر بموضوع الأداء وبمدى فاعلية وكفاءة المنظمات في تأدية وظائفها، وتحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها، سواء كانت هذه المنظمات خدمية أو تجارية أو إنتاجية، ومن هنا جاء التركيز على هذه المنظمات بصورة تضمن لها الوصول إلى أهدافها من خلال رفع مستوى الأداء لتضمن لها الاستمرارية  والنمو والتطور.

وما يشهده العالم  هذه الأيام من تنافس واهتمام بموضوع الأداء كل ذلك يتطلب من المنظمات التركيز على العنصر البشري لتحقيق أهدافها من خلال فاعلية استخدام الموارد واستغلال الفرص المتاحة والطاقات المتوفرة، كل هذه الدوافع تتطلب رفع مستوى الأداء البشري والأداء المؤسسي للمنظمات من أجل تقديم الخدمات بسرعة وجودة عالية.

لذلك تسعى المنظمات لتحقيق أهدافها من خلال اختيار أفراد قادرين علي أداء العمل بدقة، وتتجه عملية التخطيط لتحسين أداء المنظمات إلي التركيز علي رفع مستوى الأداء الوظيفي للعاملين بها، فنجاح المنظمة يتوقف علي قدرتها علي التأقلم بشكل سريع مع متغيرات البيئة، مما يتطلب إحداث تغيير تنظيمي ملائم في الهيكل التنظيمي وأداء العاملين بها، وفي الأهداف والسياسات المتبعة فيها.

لذا يأتي الأداء الوظيفي في مقدمة اهتمامات أي منظمة لتحقيق الأهداف المرجوة، فتحسين الأداء وتطويره لا يأتي إلا بعملية تقييم الأداء الوظيفي للعاملين، فهي تساعد القيادات العليا في المنظمة في معرفة وتحديد نقاط القوة والضعف في أداء العاملين، وتحفيزهم لاستثمار نقاط القوة للارتقاء بأدائهم، ومعالجة نقاط الضعف من خلال سعي القيادات العليا إلي عمل التدريبات اللازمة لتقوية نقاط الضعف لديهم.

والكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ يضم ستة فصول هي:

الفصل الأول: تقييم الأداء وإدارته في المنظمات، ويقصد به مقارنة الأداء الفعلي للعامل بالأداء المستهدف بقصد التعرف علي أوجه القصور، وتوفير الفرد المؤهل للقيام بالعمل، وإعداده وتدريبه على طرق الأداء الصحيحة، وتوفير المعلومات الكاملة عن خطة الأداء وأهدافه والمعدلات المحددة ومستويات الجودة ومعايير تقييم النتائج.

الفصل الثاني: تطوير الأداء الوظيفي في المنظمات، ويقصد به التغيير المخطط بقصد تحسين فعالية الأداء الوظيفي للعاملين من خلال زيادة فعالية القيادات الإدارية، ورفع إمكانياتهم لمواجهة المشكلات التي تواجه العاملين عن طريق وضع خطة طويلة الأجل لتحسين أداء العاملين في طريقة حلهم للمشكلات، ومن ثم التجديد والتغيير لممارساتهم الحالية، بالاعتماد علي جهد تعاوني بين تلك القيادات وكافة الأفراد العاملين في المنظمة، والأخذ في الحسبان البيئة والمناخ التنظيمي التي تعمل في ضوئهما المنظمة، مع الأخذ في الحسبان أيضاً التطبيق العلمي للعلوم السلوكية والاستفادة من التجارب والخبرات العالمية في هذا المجال. 

الفصل الثالث: تطوير الأداء لدى القيادات المدرسية، وهو نهج استراتيجي متكامل لتحقيق النجاح المستمر للمدرسة من خلال تحسين أداء مدير المدرسة ووكيل المدرسة، والمعلمين وكافة العاملين بها وتطوير قدراتهم لتحقيق الميزة التنافسية.

الفصل الرابع: التحسين المستمر للأداء في منهجية جيمبا كايزن Gemba - Kaizen، ويقصد بمنهجية جيمبا كايزن  إدارة المشكلة من المكان حتى يمكن إدارة الزمان بالدقة والسرعة الملائمين للخلاص من جذور تلك المشكلة والعمل على حظر تكرارها في المستقبل، وعليه فهو أسلوب مستدام يستمد قيمته من أرض الواقع. تستخدم في جيمبا كايزن منهجية التحسين المستمر التدريجي من أسفل إلى أعلى ومن أعلى إلي أسفل وتصبح مصدرًا لتحقيق التحسينات المنطقية ومنخفضة التكلفة.

 الفصل الخامس: نموذج ماكينزي Model Mckinsey7'S  وهو أداة لتحليل التصميم التنظيمي للمنظمة من خلال النظر إلي سبعة عناصر داخلية رئيسة، هي: الاستراتيجية، والهيكل، والنظم، والقيم المشتركة، والأسلوب (نمط الإدارة)، والموظفين والمهارات، من أجل تحديد ما إذا كانت تتماشى هذه السبعة العناصر بشكل فعال وتسمح للمنظمة بتحقيق أهدافها.

الفصل السادس: بطاقة القياس المتوازن للأداء، وهي نظام إداري يترجم الرؤية والرسالة إلى أداة فعالة ترتبط وتتصل بالاستراتيجية، كما تعتبر أداة فعالة لمتابعة الأداء في مقابل الأهداف المنجزة، حيث ترتبط الأهداف الاستراتيجية بقياسات العملية الأدائية، كما تساعد بطاقة الأداء على تطبيق الخطط وضبط ومراقبة النمو المؤسسي بطريقة سهلة تجمع فيها كافة الأهداف الاستراتيجية.

ونأمل أن يسد هذا الكتاب ركناً من المكتبة العربية والمكتبة المصرية، فيما يتعلق بتطوير الأداء في المؤسسات التعليمية، وفى النهاية ندعو الله سبحانه وتعالى أن ينفع به جيل القراء من الطلاب بكليات التربية- معلمى المستقبل- والدارسين والباحثين فى مجال الإدارة التعليمية.