إدارة التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية وإمكانية الإفادة منها فى تطوير

إدارة التعليم فى مصر

 

 

 

 

دكتور/ نبيل سعد خليل

أستاذ التربية المقارنة والإدارة التعليمية المساعد

كلية التربية بسوهاج – جامعة جنوب الوادى

 

مقدمة:

تحتل جمهورية كوريا الجنوبية موقعاً متميزاً بين الدول التى قطعت شوطاً كبيراً فى مجال التقدم العلمى والتكنولوجى وارتفاع معدلات النمو فى مجالات الإنتاج، ومن حيث المستوى المرتفع لنظامها التعليمى والإدارى.

فبالنسبة لتفوقها التكنولوجى، فأمره أصبح معروفاً وواضحاً، "حيث شهدت كوريا الجنوبية اهتماماً ونمواً متزايداً بالعلم والتكنولوجيا، وإنها تمتلك تجربة مفيدة فى هذا المجال، حيث أنها لم تقف عند حد التلقى وكفى، بل إنها غربلت هذا الوافد التكنولوجى فى ضوء حاجاتها، لتأخذ منه ما يتناسب معها، بل أنها كذلك طورته وأضافت عليه، بحيث أصبح لها صوتاً عالياً فى هذا المجال، وقد دعمت هذا التوجه بالعديد من الخطوات والسياسات والمزيد من التمويل ليثبت كل هذا فى مجموعه أن هذا المجتمع لديه قدرة على التعامل مع العلم والتكنولوجيا من ناحية، وأن لديه قدرات كامنة فى شخصيته القومية كانت فاعلاً أساسياً من وراء هذه القدرة وهذا النجاح من ناحية أخرى" (16: 148).

وبالنسبة لارتفاع معدلات النمو فى مجالات الإنتاج فتشير الإحصائيات إلى أن الجهود الحكومية والشعبية لتحقيق تلك السياسات العامة، قد أسفرت عن إنجازات قيمة مع بداية التسعينات "ففى عام 1990م نما الناتج القومى الإجمالى بنسبة 9.3% ليتحقق إجمالى قدره 242.2 بليون دولار بزيادة قدرها 8.4% عن العام السابق، كما بلغت الصادرات فى عام 1991م ما قيمته 71.87 بليون دولار بزيادة قدرها 10.5% عن صادرات عام 1990م. كما بلغت الواردات 71.52مليون دولار بزيادة قدرها 16.7% عن واردات عام 1990م وذلك بسبب تزايد الطلب على السلع الاستهلاكية. كما إزداد نصيب الفرد من الناتج الإجمالى ليصل الى 6498 دولار فى عام 1991م مقابل 5659 فى عام 1990م" (7: 22).

كما أن الإنتاج الكورى يتميز بارتفاع جودته، وأصبح شعار "صنع فى كوريا" شعاراً عالمياً يعنى الجودة المرتفعة، ويشكل عامة جذب للأسواق فى مختلف بلدان العالم، وذلك من خلال "الاستمرار فى تطوير كل من الصناعات الثقيلة والخفيفة وذلك بتقديم أحدث الأساليب التكنولوجية والابتكارات العلمية لزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الكورية" (7: 21). وأصبحت الأسواق الأوربية وأسواق جنوب شرق أسيا والأسواق الأمريكية فى كل من كندا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية الشريك التجارى الأول لكوريا الجنوبية (7: 64).

وتعد الولايات المتحدة الأمريكية المستورد الأول للسلع الكورية لعدة سنوات، فقد بلغ نسبة ما تستورده 35.3% من جملة الصادرات الكورية عام 1988م، ثم يأتى بعدها فى المرتبة الثانية اليابان بنسبة 19.8% من جملة الصادرات الكورية. كما صدرت كوريا العديد من سلعها الى كندا وهونج كونج واستراليا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، ويعد الشرق الأوسط سوقاً كبيراً لترويج السلع الكورية (26: 369).

وتحرص الإدارة الكورية فى المؤسسات الإنتاجية على السمعة والشهرة التى اكتسبها المنتج الكورى (سلعة/ خدمة/ فكرة)، وتنميتها بالصورة التى تجعل المستهلك الأجنبى يطلبه لنفسه بصرف النظر عن خاصة هذا المنتج، فالإنتاج الذى يتم تقديمه فى إطار الصورة الذهنية الإيجابية يعطى دلالة عن كفاءة المنتجات وفاعليتها فى إحداث الإشباع الناجم عن استخدامها واستهلاكها. ولعل هذا كامن فى مدى السمعة التى اكتسبتها العلامات التجارية الكورية فى الأسواق (17: 83).

وتستخدم المساعدات الحكومية الدولية فى سبيل اختراق الأسواق وعقد الصفقات الصعبة وإزالة العقبات أمام منتجات المشروعات فى الأسواق المغلقة وشبه المغلقة. فقد قامت الحكومة الكورية ممثلة فى شركة هيونداى للسيارات بتقديم منحة مجانية من سيارات الركوب إلى الشرطة المصرية من أجل فتح الأسواق المصرية التى كانت شبه مغلقة أمام هذه السيارات نظراً لتفضيل المستهلك المصرى للسيارات الإيطالية واليابانية والألمانية والفرنسية… وبعد أن قامت الشرطة باستخدام هذه السيارات تصاعد الطلب على السيارات الكورية إلى درجة إقامة مصنع لتجميع السيارات فى مصر (17: 105-106).

ومن هنا يتضح أن الشركات الكورية تستعين ببرامج المساعدات الحكومية من أجل دعم وتعزيز قدراتها على اختراق الأسواق الدولية والصمود أمام المنافسة الدولية.

أما بالنسبة للنظام التعليمى فى جمهورية كوريا الجنوبية فإنه يفوق فى مستواه من الناحية الكمية والكيفية كثيراً من الأنظمة التعليمية فى دول العالم المتقدم ودول العالم الثالث.

مرحلة رياض الأطفال : يعطى النظام التعليمى فى جمهورية كوريا الجنوبية أهمية خاصة لتنشئة الأطفال، كما تولى الدولة اهتماماً كبيراً برعاية الأطفال. فالأطفال دعامة مستقبل البلاد،، وهم البراعم لبناء المجتمع الجديد. لذا اهتمت الدولة بتشييد الكثير من مؤسسات رياض الأطفال لمن هم فى سن الرابعة حتى السادسة، وهى مؤسسات خارج نظام مرحلة التعليم الإلزامى، كما أنها ليست مدارس عامة للجميع، وإنما بحسب ما يتوفر منها، وإلى جانب دور الحضانة المنتشرة فى أنحاء البلاد (14: 217)، (13: 216).

التعليم الابتدائى :  وهو تعليم إجبارى مجانى تقدمه الدولة لمدة ست سنوات من سن السادسة وحتى سن الثانية عشرة، وتبلغ نسبة الالتحاق بهذا التعليم 99.8% (13: 217). وتنص المادة رقم (94) من قانون التعليم الكورى على أن التعليم الابتدائى يهدف إلى (26: 449):

  • -تحسين قدرة التلميذ على فهم واستخدام اللغة القومية استخداماً صحيحاً قراءة وكتابة وفهماً وتحدثاً.
  • -تنمية الأخلاق والإحساس بالمسئولية والقدرة على إدراك العلاقات بين الأفراد والمجتمع والدولة.
  • -تنمية قدرة التلميذ على الملاحظة العقلانية والتعامل مع الظواهر الطبيعية التى تحدث فى الحياة اليومية.
  • -تنمية قدرة التلميذ على اكتساب مهارات الاعتماد على النفس فى الحياة اليومية وذلك بإمداده بالمهارات الأساسية ذات الاستخدام العملى فى المهن المستقبلية والأنشطة اليومية.
  • -تمكين قدرة التلميذ على فهم وإدراك العلاقات الكمية الضرورية للحياة اليومية.
  • -تنمية قدرة التلميذ على تذوق الموسيقى والفنون الجميلة والأدب.
  • -التأكد من أن التلميذ يطور عاداته الصحية اليومية.

ويشتمل منهج الدراسة على التربية الأخلاقية، واللغة الكورية، والدراسات الاجتماعية، والحساب، والعلوم الطبيعية، والتربية البدنية، والموسيقى، والفنون الجميلة، والحرف الصناعية (26: 449).

التعليم الثانوى: يقسم التعليم الثانوى إلى المدرسة الثانوية المتوسطة والمدرسة الثانوية العليا، ومدة الدراسة لكل منها ثلاث سنوات.

المدرسة الثانوية المتوسطة: والتعليم بالمدرسة المتوسطة إجبارى مجانى تقدمه الدولة لمدة ثلاث سنوات من سن الثانية عشرة وحتى سن الخامسة عشرة وبهذا تكون مدة الإلزام فى كوريا الجنوبية تسع سنوات (18: 373).

ويتمثل الهدف من التعليم فى المدرسة المتوسطة فى كوريا الجنوبية طبقاً للمادة رقم (101) من قانون التعليم الكورى فى مواصلة التأكيد على ما حققته المدرسة الابتدائية، ولتحقيق هذا الهدف العام يتم التأكيد على الأهداف التالية (26: 450):

  • -تدعيم أهداف التعليم الابتدائى، بما يتضمنه من المعلومات والمهارات والاتجاهات اللازمة لإكساب التلاميذ المواطنة الصحيحة ولكى يصبح عضواً مسئولاً فى مجتمع ديمقراطى.
  • -تدريس التلاميذ المعارف والمهارات الأساسية لجميع المهن، وتغرس فيهم احترام العمل والسلوك المنضبط، وتنمية القدرة على أن يختار كل منهم المهنة أو الوظيفة المناسبة وفقاً لاستعدادات الفرد.
  • -تنمية قدرة التلاميذ على التفكير الناقد وصنع القرار المسئول.
  • -الاهتمام بالصحة الجسمية والعقلية لدى التلاميذ.

ويدرس التلاميذ فى التعليم المتوسط بكوريا الجنوبية ثلاث عشرة مادة دراسية بالإضافة إلى مواد اختيارية والنشاطات المنهجية، وهذه المواد الدراسية هى كالتالى (13: 218): التربية الأخلاقية، واللغة الكورية، وتاريخ كوريا، والدراسات الاجتماعية، والرياضيات، والعلوم، والتربية البدنية، والموسيقى، والفنون الجميلة، واللغة الصينية الكلاسيكية، واللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى المواد الاختيارية المهنية والعامة.

المدرسة الثانوية العليا:  يعد التعليم فى المدرسة الثانوية العليا فى كوريا الجنوبية بمثابة التكوين الأكاديمى أو الشكل العلمى لمقررات دراسية من أجل التنمية البشرية، فقد تحول التعليم الثانوى فى كوريا الجنوبية من تعليم فنون العمل إلى التدريب الفنى والمهنى، حيث يلتحق به نحو خمسة ملايين طالب على الرغم من أنه غير مجانى وغير إلزامى (12: 246). ويتكون التعليم الثانوى من ثلاث سنوات بعد التعليم المتوسط ويلتحق به الطلاب من سن الخامسة عشرة وحتى سن الثامنة عشرة وهو تعليم متخصص.

وتتنوع المدارس الثانوية العليا فى كوريا الجنوبية،وبصفة عامة فهى تنقسم إلى نوعين: المدارس الثانوية الأكاديمية، والمدارس الثانوية المهنية، بالإضافة إلى ذلك هناك المدارس الشاملة، والمدارس البحرية، والمدارس الحرفية (26: 450).

وتهدف المدارس الثانوية العليا إلى (26: 451):

  • -إكساب الطلاب مواصفات المواطنة الصحيحة.
  • -تنمية الوعى والمسئولية لدى الطلاب تجاه المجتمع والدولة.
  • -مساعدة الطلاب على الاختيار الدقيق لدراسة المستقبل أو مهنة المستقبل.
  • -اكتشاف المواهب لدى الطلاب لتنمية قدراتهم الإبداعية ومهاراتهم الفنية.
  • -تنمية اهتمامات الطلاب لزيادة إدراكهم فيما يتعلق بالصناعة والتجارة.
  • -تنمية قدرة الطلاب على الإدارة الاقتصادية والتخطيط الصناعى.
  • -إعداد الأيدى الماهرة ذات القدرات المتميزة.
  • -إكساب الطلاب المعلومات والمهارات الأساسية لممارسة العمل.

كما أن مؤسسات التعليم العالى والجامعى تتميز بالكفاءة العالية من الناحية الكمية، حيث تحتل كوريا الجنوبية المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا فى نسبة عدد طلاب التعليم العالى (18: 374)، كما أن التعليم العالى فى كوريا الجنوبية قد حظى باهتمام بالغ من الحكومة الكورية، وذلك من خلال ارتباط سياسة التعليم العالى بالتخطيط والتنمية البشرية، وكذلك سن بعض التشريعات التعليمية التى تحقق للتعليم العالى ارتباطه الوثيق بسوق العمل واحتياجات التقدم الصناعى (13: 220).

وبصفة عامة هناك العديد من المؤشرات التى تؤكد على ارتفاع مستوى النظام التعليمى فى كوريا الجنوبية وفى الوقت نفسه ساعدت على ارتفاع هذا المستوى، ومن هذه المؤشرات: الاهتمام الشديد بإعداد المعلم وتدريبه، بالإضافة إلى ارتباط النظام التعليمى بسوق العمل، وللتدليل على ذلك، نعرض نسبة عدم التوظيف فى أسواق العمل بكوريا الجنوبية حيث كانت هذه النسبة 5.2% فى عام 1980م، وأصبحت 3.1% فى عام 1987م، ثم 2.4% فى عام 1990م (13: 224). والاختيار الدقيق للطلاب المتقدمين للالتحاق بمختلف المراحل التعليمية، بالإضافة إلى قيام الحكومة الكورية إلى تخصيص حوالى خمس ميزانيتها للإنفاق على التعليم (16: 207)، وارتفاع مستوى المناهج الدراسية، وتنوعها، واهتمامها بالحياة العملية أكثر من اهتمامها بالأمور النظرية، فضلاً عن ارتفاع مستوى النظام الإدارى المتبع فى التعليم الكورى.

والنظام الإدارى المتبع فى إدارة التعليم الكورى يعد من النظم الإدارية الراقية فى العالم، حيث يعتبر من أهم الأسباب الكامنة وراء تفوق كوريا الجنوبية فى كثير من المجالات.

وكوريا تمتلك نظاماً إدارياً يتميز عن غيره من الأنظمة فى كثير من المجتمعات بالعديد من المميزات من أهمها: أن النظام الإدارى هو وليد الشخصية القومية، كما أن الشخصية القومية هى وليدة عدة عوامل أهمها اللغة والدين والموقع الجغرافى والأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحضرية وهذه العوامل تؤثر على نظام الإدارة وذلك بتقديمها لقيم وتعليمات تحكم العلاقات داخل النظام (7: 137)، وجعله نظاماً إدارياً متميزاً يفوق غيره من الأنظمة الإدارية فى المجتمعات المتقدمة، كما جعل منه أداة فعالة للتفوق الكورى للارتفاع المثير للإنتاجية الكورية.

تعتبر كوريا الجنوبية من الدول التى تأخرت نسبياً فى عملية التحول الديمقراطى، فقد بدأت التحول رسمياً فى صيف 1987م عندما استجابت الحكومة السلطوية لمطالب الشعب، ومنذ ذلك التاريخ شهدت كوريا ستة انتخابات تنافسية سواء على المستوى المحلى أو على مستوى الدولة ككل، كما اتخذت أيضا العديد من الإصلاحات بهدف إضفاء الطابع الديمقراطى على المؤسسات السياسية والقيم الثقافية ذات الطابع السلطوى، وقد استطاعت كوريا فى فترة زمنية قصيرة نسبياً أن تصبح من الدول الرائدة فى مجال التحول الديمقراطى ومن الدول التى حققت نجاحاً ملموساً فى هذا الصدد (4: 239-240).

إن هذه المظاهر المتعددة للتفوق والنجاح تدعونا إلى التعرف على هذه الخبرة الكورية فى مجال التعليم فى جوانبها المختلفة لدراستها ومن هنا يجئ موضوع الدراسة الحالية متعلقاً بالجانب الإدارى فى الخبرة الكورية فى التعليم.

مشكلة الدراسة:

تعانى إدارة التعليم فى مصر من مشكلات عديدة سواء كان ذلك على المستوى القومى المركزى أو على المستوى المحلى الإجرائى أو هى جميعاً، ويتضح ذلك فى النقاط التالية (1: 408-409):

  • -عدم وجود فلسفة واضحة ومحددة للتعليم.
  • -وضع أهداف يستحيل تحقيقها.
  • -عدم استقرار فى سياسات التعليم.
  • -وضع سياسات لا تلقى اتفاقاً ويرتبط غالبها بواضعها بحيث تكون سياسات أفراد لا سياسات مؤسسات.
  • -جمود تنظيم الإدارة التعليمية مما ينجم عنه خلل فى عمليات الاتصال وضعف التنسيق (أو انعدامه) بن الأجهزة التعليمية وغير ذلك.
  • -دكتاتورية القرار التعليمى حيث لا توجد تشاركيه فى مناقشة الأمور التعليمية وصنع القرارات وانفراد المستوى الإدارى الأعلى بصنع القرار واتخاذه.

كما أن المناخ الإدارى السائد داخل المؤسسات التربوية لا يشجع على الابتكار، ويثبط الأفكار الجديدة الإبتكارية، ويتضح ذلك فى النقاط التالية (15: 425):

  • -المدارس فى حالة ازدحام شديد بالطلاب، ويعانى من هذا المعلمون والإدارة التعليمية.
  • -سلوكيات العاملين خليط متنافر من الجديد والقديم الإيجابى والسلبى، المسئول وغير المسئول.
  • -جمود الإجراءات وتقادم طرق العمل.
  • -صناعة القرار- فى أحسن صورها- مسألة فردية اجتهادية قد تصيب وقد تخطئ.
  • -علاقات العمل يسودها التنافس على موارد محدودة مع غيبية الفرص المواتية للعمل الجماعى المسئول.
  • -المناخ المدرسى يكرس التمسك بالمألوف ويثبط الأفكار الجديدة الابتكارية.
  • -التيارات الإدارية التعليمية حريصة أشد الحرص على أمنها الوظيفى بالبعد عن مخاطر التجريب، وهى فى جملتها مسيطرة ومتسلطة.

ومما لاشك فيه فإن مثل هذه المشكلات والسلبيات مازالت تثقل كاهل العمل الإدارى التربوى فى مصر وتؤثر بدرجة كبيرة على منتج المؤسسات التعليمية فى الوقت الذى تمارس فيه الإدارة التعليمية فى كثير من الدول المتقدمة أنماطاً إدارية عصرية حديثة مثل: الإدارة بالأهداف، الإدارة بالتفويض، الإدارة بالمشاركة، وإدارة الجودة، تستهدف جميعاً تجويد منتج هذه المؤسسات.

ومن هذا المنطلق تحاول الدراسة الحالية التعرف على عناصر ثقافة الفكر الإدارى فى جمهورية كوريا الجنوبية بصفة عامة، والفكر التربوى بصفة خاصة وتفسيرها فى ضوء العوامل الثقافية المسئولة عن وجودها، حتى يمكن استخلاص بعض المبادئ العامة التى يمكن أن نسترشد بها فى تقويم وتطوير نظامنا الحالى للإدارة التعليمية.

وتحاول الدراسة الإجابة عن التساؤلات التالية:

  • 1-ما الأسس التى يقوم عليها النظام الإدارى فى جمهورية كوريا الجنوبية؟
  • 2-ما أهم العوامل المؤثرة على النظام الإدارى فى جمهورية كوريا الجنوبية وكانت سبباً فى نجاحه وتفوقه على غيره من النظم فى المجتمعات الأخرى؟
  • 3-ما الملامح الأساسية لإدارة التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية؟
  • 4-ماذا يمكن أن نستفيده من النظام المتبع فى إدارة التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية فى تطوير إدارة التعليم فى مصر؟

أهمية الدراسة:

تظهر أهمية الدراسة من خلال التساؤلات التى تطرحها الدراسة حيث تتطلب التعرف على الأسس التى يقوم عليها النظام الإدارى فى جمهورية كوريا الجنوبية، والأسباب الكامنة وراء نجاحه وتفوقه، والتعرف على الملامح الأساسية لإدارة التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية واستخلاص أهم التوصيات التى يمكن أن تفيد فى إدارة التعليم المصرى.

كما تعود أهمية الدراسة إلى أهمية الموضوع بصفة عامة، والإدارة التعليمية بصفة خاصة. فالإدارة عملية ضرورية للاستثمار الأمثل للموارد البشرية والطبيعية وأداة لتوجيه التغيرات الاجتماعية والثقافية، وتشكل ترجمة حقيقية للأفكار والنظريات أو الفلسفات التى تسود مجتمعاً ما.

يلمس الدارس لنظام الإدارة التعليمية فى مصر أن هناك اتجاهاً نحو تخفيف حدة المركزية التى اتسم بها هذا النظام والتخلص من بعض مساوئها، وعلى الرغم من ذلك فإن الدارس يلمس فى نفس الوقت أن نظامنا الإدارى التعليمى لازال فى جوهره نمطاً مركزياً من حيث: التخطيط واتخاذ القرارات، وأن التغيرات التى طرأت على التعليم فى مصر - خلال الربع الأخير من القرن العشرين- تقتضى ضرورة إعادة النظر فى هذا النمط.

لما كانت جمهورية كوريا الجنوبية من الدول الرائدة فى مجال التعليم وتتشابه فى ظروفها مع الأحوال التى عاشتها مصر، لذلك تتناول الدراسة الحالية إدارة التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية ومدى إمكانية الإفادة منها فى تطوير إدارة التعليم فى مصر.

وتعتبر إدارة التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية من الأنماط الإدارية ذات الصلة الوثيقة بالنظام الإدارى العام فى المجتمع الكورى، ومن ثم جاء هذا النمط متجانساً مع النظام الإدارى فى هذا المجتمع. الأمر الذى أضفى عليه العديد من المميزات والخصائص التى تفتقدها إدارة التعليم فى كثير من المجتمعات، وخاصة المجتمعات النامية، ولهذا فإنه من الأهمية بمكان الوقوف على النمط الإدارى فى التعليم الكورى، والتعرف على الجوانب الإيجابية لهذا النمط التى قد يستفيد منها المسئولين عن إدارة التعليم فى مصر فى تطوير الإدارة التعليمية فى نظامنا التعليمى المصرى.

أهداف الدراسة:  تهدف الدراسة إلى:

  • -التعرف على الأسس التى يقوم عليها النظام الإدارى فى جمهورية كوريا الجنوبية.
  • -التعرف على أهم العوامل المؤثرة على النظام الإدارى فى جمهورية كوريا الجنوبية، وكانت سبباً فى نجاحه وتفوقه على غيره من النظم الإدارية فى المجتمعات الأخرى.
  • -التعرف على الملامح الأساسية لإدارة التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية.
  • -ليس الهدف من الدراسة الحالية نقل جزء من إدارة التعليم فى كوريا الجنوبية إلى نظامنا الإدارى التربوى، فالنظام الذى ينجح فى بلد ما لا يمكن تأكيد نجاحه خارج بيئته الطبيعية، غير أن النقل قد يكون ممكناً من بلد إلى آخر إذا أمكن تعديل النظام المنقول- أو جزء منه- بما يتلاءم مع الثقافة المنقول إليها، وحتى عندما يكون النقل أمراً مستحيلاً فمن ثمار الدراسة المقارنة أنها تجعلنا نتجه إلى فهم افضل وأعمق لنظامنا وإدراك إيجابياته وسلبياته وتقديم المقترحات لتطويره.
  • -مساعدة المسئولين والقائمين على أمر الإدارات التعليمية فى مصر على وضع تصور لما يمكن أن تكون عليه طبيعة العلاقة بين سلطات الإدارة التعليمية القومية والمحلية فى ضوء الواقع الجديد للمجتمع المصرى وفلسفته فى الحكم وتجربته الديمقراطية، وفى ضوء بعض جوانب الإفادة من الدراسة الحالية.

منهج وخطة الدراسة:

تزخر أدبيات التربية المقارنة بعدة معالجات منهجية تنظر إلى النظام التعليمى وسياساته على أنه جزء من نظام ثقافى كامل، لذا يكون المنهج المقارن أنسب المناهج لمعالجة موضوع الدراسة الحالية وذلك من خلال المدخلين التاليين:

  • -المدخل الوصفى التفسيرى: بهدف وصف عناصر ثقافة الفكر الإدارى فى جمهورية كوريا الجنوبية بصفة عامة، والفكر التربوى بصفة خاصة وتفسيرها فى ضوء القوى والعوامل الثقافية المسئولة عن وجودها.
  • -مدخل "دراسة الحالة": كأسلوب لدراسة التجربة الكورية فى إدارة التعليم، واعتمد الباحث فى هذا المدخل على البيانات والإحصائيات والكتابات المختلفة حول هذه التجربة.

واتبع الباحث فى دراسته الخطوات التالية.

  • -طرح الأسس التى يقوم عليها النظام الإدارى فى جمهورية كوريا الجنوبية والتى تعمل من خلاله إدارة التعليم.
  • -بيان أهم العوامل المؤثرة على النظام الإدارى فى جمهورية كوريا الجنوبية والتى ساعدته على النجاح.
  • -طرح بعض الملامح الأساسية لإدارة التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية.
  • -دراسة بعض جوانب الإفادة من إدارة التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية.

على هذا الأساس نتناول الإجابة عن أسئلة مشكلة الدراسة فى المحاور التالية:

أولاً: الأسس التى يقوم عليها النظام الإدارى فى جمهورية كوريا الجنوبية:

يقوم النظام الإدارى فى جمهورية كوريا الجنوبية على العديد من الأسس المستمدة من تراثه التربوى الذى ورثه من خلال الإصلاحات التى قام بها الملك "تيجو" أول ملوك الأسرة الجديدة (7: 12)، ومن التأثيرات الصينية واليابانية، ومن التغييرات والتعديلات التى أدخلت على النظام الإدارى- بعد قيام كوريا الجنوبية بفتح أبوابها على العالم الخارجى- فى الوقت الحاضر ليواكب التطورات الحادثة فى المجتمع الكورى.

وبإيجاز يمكن طرح هذه الأسس على الوجه التالى:

(1) لقد عاشت كوريا الجنوبية أصعب الظروف الاقتصادية خلال الخمسينات ولم يخطر ببال أبناء الشعب أو الاقتصاديين أو رجال الصناعة أن كوريا ستكون واحدة من أكبر خمس عشرة دولة تجارية فى العالم خلال عقود قليلة وذلك لصعوبة العوامل المؤدية إلى النمو. ولكن فى ضوء الجهود الحكومية القوية والآخذة بالتخطيط الاقتصادى من أجل التنمية وشحذ همم أبناء الشعب من أجل العمل الجاد استطاعت كوريا الجنوبية أن تحقق الاستراتيجيات والسياسات والأهداف التى حددتها لتحقق ما يسميه الاقتصاديون بالمعجزة الكورية، وأن تحظى بإعجاب وتقدير العالم لما حققته من إنجازات ضخمة فى شتى المجالات (7: 14-15).

لذا انتهجت كوريا النهج اليابانىالقائم على استيراد المواد الأولية والطاقة والاعتماد على التصنيع المستمر والمتجدد والمتابع للتطور التكنولوجى، وانتقلت خلال ثلاثة عقود من الصناعات الخفيفة إلى الصناعات الثقيلة ثم أخيراً إلى الصناعات الإلكترونية الحديثة (3: 7، 8).

(2) لقد حققت كوريا الجنوبية نجاحاً ملحوظاً على صعيد التنمية البشرية، واعتبرت العنصر البشرى الركيزة الأساسية لاستراتيجية الإدارة الكورية. وهذا يرجع إلى أن كوريا تعانى ندرة فى مواردها الطبيعية فى الوقت الذى تعانى فيه من الكثرة السكانية، ومن ثم لم تجد مناصاً من الاستغلال الأمثل لموردها الأساسى والوحيد والذى يتوافر لديها بكثرة وهو العنصر البشرى وبالتالى "اعتبرت رأس المال البشرى عنصراً منتجاً مثله فى ذلك مثل رأس المال المادى فى ظل إدارة اقتصادية سليمة، فإن استثماراتها فى الموارد البشرية أدرت عائداً مجزياً" (10: 83).

(3) تبنى سياسة الاختيار الدقيق للعاملين فى مختلف المؤسسات والقطاعات والمصالح الحكومية وغير الحكومية ضماناً لانتقاء أفضل العناصر التى يمكنها أداء العمل بدرجة عالية من الكفاءة، وبأقصى حد ممكن، وقادرة على التغلب على المشكلات التى تواجه المؤسسة.

فمثلاً نجد كوريا الجنوبية تعمل على تفعيل الذات والإدارة، وذلك من خلال:

  • -التخصيص القائم على المهارة والخبرة ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، وتقسيم العمل الذى يختصر الوقت الزمنى ويساعد على الإنتاج الكبير بالجودة المرتفعة، ومن خلال تفاعل كل من التخصص وتقسيم العمل تقوم الشركات الكورية بتحقيق الديناميكية الإيجابية (17: 107).
  • -زيادة كفاءة الكوادر البشرية والقوى العاملة فى المشروعات المختلفة وإحداث التغيير المعرفى والمهارى المطلوب فى كمية ونوعية العمالة مع الاحتفاظ بوظيفة لكل عامل مدى الحياة (17: 112).
  • -كما أن نظام الترقية فى الإدارة الكورية والتى تعتمد على نظام الأقدمية مثل الإدارة اليابانية أخذ الآن فى إدراج معايير الآداء متأثراً فى ذلك بالإدارة الأمريكية، فأصبحت الشركات تستخدم نظام الأقدمية ونظام الأداء بنسب متفاوتة بغرض الترقية (7: 146).

(4) مشاركة العاملين فى المؤسسات والهيئات والمصالح فىعملية الإدارة والتخطيط عن طريق توسيع صلاحية اتخاذ القرار من قبل المؤسسات والهيئات الحكومية فى مجال الإدارة.

فمن أهم ملامح نظام الإدارة الكورية: اتخاذ القرارات جماعياً، التوظيف مدى الحياة، وللعامل حق ترك الخدمة إذا رغب فى ذلك، الإخلاص، الفردية، القيادة الأبوية، العلاقات القوية بين الحكومة والشركات الكورية، سيطرة القيم الكونفوشيوسية على العمل، التأكيد على التناغم الإنسانى والتعاونى (8: 57).

وتمثل الطاعة والاحترام محور نجاح منظومة العمل الإدارى فى كوريا الجنوبية، فالإدارة هناك طبقية ارتقائية يطيع فيها الصغير الكبير ويقدم له كامل الاحترام والتبجيل، وفى الوقت ذاته فإن الكبير يتعامل بالمودة مع الصغير.. وتشكل ثلاثية الطاعة والاحترام والمودة منظومة فاعلة ومتفاعلة تدعم وتساند وتزيد قدرة الشركات على تحقيق أهدافها لأنها ببساطة تؤدى إلى تعميق مشاركة العاملين فى الإدارة (17: 114).

ويرجع ذلك إلى إدراك كوريا بأن هذا الأسلوب يدفع إلى الحماس فى العمل والإخلاص فيه، ويشيع روح الحماس والالتزام والمسئولية ويخفف من حدة مركزية الإدارة وضغط العمل.

(5) التدريب المستمر لكافة العاملين والمستخدمين ولكافة المستويات خاصة تلك المستويات العليا فى مجال الإدارة، وذلك انطلاقاً من أن التجديد العلمى المستمر لقوى الشعب العاملة يهدف إلى تحقيق مزيد من التقدم العلمى والتكنولوجى، وتزويد الشعب العامل بالمعلومات العلمية.

لذا تعتبر الشركات الكورية قواها العاملة من أهم وأغلى الأصول لديها كما هو الحال بالنسبة للشركات اليابانية، ومن هنا تعمل الشركات الكورية على تنمية قدرات العاملين بها وصولاً إلى مستويات الأداء المستهدفة، وتنمية قدرات الابتكار لدى العاملين سواء الفنيين أو الإداريين (7: 101).

ولذلك فإن برامج التدريب تعد بمثابة مراحل متتالية كل منها يضيف للآخر ويعمقه ويزيد عليه على النحو التالى (17: 75-76):

  • -تدريب تعريفى تكييفى: للعاملين المستجدين الذين تم اختيارهم من أوائل خريجى الكليات والمعاهد والمدارس يتم من خلاله تحديد الواجبات والحقوق والالتزامات الخاصة بكل منهم مع تعريفهم بالعمل وأهدافه.
  • -تدريب إلحاقى: يتم بموجبه إكساب العاملين مهارة وخبرة ومعارف الوظيفة التى سيلتحقون بها، ويتكون من:
  • -معارف ومحاضرات ولقاءات تدريبية.
  • -ممارسة للعمل تحت إشراف المدرب أو رئيس العمل أو موظف أقدم.
  • -تدريب ارتقائى: يعمل على:
  • -زيادة القدرة علىالقيام بالأعمال المختلفة وإكساب الفرد معارف جديدة تضاف إلى جملة معارفه.
  • -رفع مستوى المهارة بتدريب الفرد على أساليب أفضل لأداء العمل وزيادة الإنجاز.
  • -تدريب تطويرى: يعمل على تطوير الفرد من خلال:
  • -تطوير السلوك الوظيفى للفرد ليصبح مثالياً معبراً عن هيكل القيم والمثل العليا التىيرفع العمل شعارها ويتخذها رمزاً له،ومن ثم يصبح سلوك الموظف معبراً عن العمل وعن قيمه وعن سلوكه.
  • -تطوير أداء الفرد ليصبح متوافقاً مع التطور الذى حدث فى تكنولوجيا الإنتاج والتطورات فى الآلات والمعدات والتجهيزات وفى أساليب ونظم العمل وطرقه الحديثة وفى معايير ونظم قياس الأداء المبتكرة والحافزة والمحرضة على الإنتاج والتطوير والإبداع.
  • -تطوير طموحات وأحلام وأفكار كافة العاملين لقبول التغيير الإستراتيجى وكذا تغير السياسات والتوجهات السياسية للعمل.

وهذا يوضح اهتمام كوريا على حصول العمال والموظفين على التدريب والمنح التدريبية والأدوات التدريبية بشروط ميسرة وبدون تحفظات،وبأسلوب سهل مبسط مما يمثل دعماً فعالاً واسعاً للارتقاء بالكوادر البشرية والعاملين فى الشركات والمصالح الكورية.

(6) تهتم الإدارة الكورية بمسألة تقويم الأداء، حيث ترتبط مكافأة المديرين والعاملين بأدائهم، وكان نجاح كوريا فى تقويم الأداء أكبر من نجاح البلدان الأخرى، ولكى تزيد من مُساءلة المديرين أمام المستفيدين بخدمات البنية الأساسية تنشر فى الصحف أسماء الشركات العامة مرتبة حسب أدائها، ويحصل المديرون- إلى جانب السمعة والمكانة- على مكافآت مالية، وتحسب المنحة السنوية للعاملين تبعاً لترتيب شركاتهم بين الشركات الأخرى،كذلك يرتبط به احتمال ترقيتهم الوظيفية (5: 59).

ولا يهدف ذلك التقييم إلى الإفادة فى احتساب العلاوات السنوية أو الترقية أو الحوافز فحسب، وإنما يهدف فى المقام الأول إلى معرفة آداء الأفراد من خلال القدرات الإدارية والمهارات الفنية، وكذلك معرفة نواحى الضعف لدى العاملين حتى تتمكن إدارة التنمية من معالجة نواحى القصور لدى أولئك العاملين. وبالتالى يمكن اعتبار تقييم أداء الأفراد جزء من النظام المتكامل لإدارة الموارد البشرية والذى يهدف إلى تنمية وتطوير القدرات للعاملين (7: 107).

(7) تعتمد علاقات أفراد الأسرة بعضهم ببعض على دور الأب، حيث أن الأب هو صاحب السلطة الوحيدة فى الأسرة، وتنطبق مثل هذه العلاقة على الشركات الكورية، فصاحب الشركة أو مالكها يعتبر بمثابة الأب، وعلى المرءوس طاعته واحترامه والوثوق به،وعلى المالك أو الرئيس الوفاء بمطالب هؤلاء المرءوسين (6: 89).

وقد توصلت إحدى الدراسات إلى أن "الولاء الذى يظهره اليابانيون والكوريون تجاه رؤسائهم وشركاتهم هو ولاء قومى كان وراء ساعات العمل الطويلة التى يقضيها العاملون بالإدارات والمصانع التى جعلت العامل اليابانى والكورى يفوق نظيره الأمريكى (9: 149).

(8) لقد قام فى كوريا نظام تعليم الكوادر من خلال التحاقهم ببرامج دراسية –فى وقت الفراغ- يومية تسير جنباً إلى جنب مع التعليم النظامى وذلك من أجل رفع مستويات الكوادر فى كوريا. وتدرس جميع الكوادر السياسية والحزبية من الحزب والجيش لأكثر من ساعتين يومياً بعد العمل، ويحضرون اجتماعاً يستمعون فيه إلى محاضرة كل أربعاء، كما يدرسون بطريقة جماعية لمدة نصف يوم السبت.

هذا بالإضافة إلى أن الكوادر تتلقى تعليماً تجديدياً فى المدارس لمدة شهر كل عام، ولكى يرتفع المستوى التقنى للعمال بانتظام فإنهم يتلقون دراسة تكنولوجية مرة كل أسبوع فى المصانع والمؤسسات والمزارع التعاونية،وهناك مديرون خاصون بورش المدارس وقادة لمجموعات العمل بالمدارس (14: 223).

(9) الاهتمام الشديد بالحوافز للعاملين والرعاية الاجتماعية لهم والاستجابة لحاجاتهم، فالإدارة الكورية وإن اهتمت بأداء العاملين والموظفين فى مؤسساتهم إلا أنها تهتم أيضا بحياتهم الشخصية والأسرية، على أساس أن هذه الجوانب تؤثر تأثيراً كبيراً فى أدائهم وأعمالهم.

فالموظف الذى يعانى من مشكلات تتصل بحياته الخاصة تنعكس على عمله وتؤثر فى مدى انتظامه فى العمل، ومن ثم فإن العمل على حل هذه المشكلات يساعد على التركيز فى عمله ويعمل على تحسين علاقاته بالآخرين.

لذلك تحرص الإدارة الكورية على حل المشاكل الشخصية والأسرية للعاملين والموظفين، بالإضافة إلى التعاطف المنصف لكل من لديه شكوى أو مشكلة أو معاناة، حيث تبدأ الإدارة بإبداء: الاهتمام الكامل بمن لديه شكوى، والإصغاء والإنصاف والاستماع الكامل للشكوى، والتعاطف والتأييد والتراحم والدعم لمن لديه معاناة من شكوى، والإنصاف والمؤازرة العادلة وحل المشكلة ورفع المعاناة (17: 181).

(10)الجدولة الزمنية لكل الأعمال والمهام والأنشطة، بحيث يكون لكل عمل توقيت قياسى للانتهاء منه، وفقاً لجداول معيارية محددة للوقت وللزمن الذى يستغرقه أداء العمل وتنفيذه.. ومن ثم يتم إجراء عمليات: التخطيط، والتنظيم، والتنفيذ، والتوجيه، والمتابعة بشكل سليم، والتدخل الفورى السريع عند حدوث أى مشكلة ومعالجتها (17: 181).

(11)اتباع سياسة التوظيف مدى الحياة، بمعنى أن الإدارة الكورية تحرص على توفير فرص عمل دائمة ومستقرة للعامل فى مؤسساتها، طالما أن المؤسسة وافقت على تعيينه بها، ومن ثم يعيش العامل فى المؤسسة عيشة آمنة مستقرة، تعمل على رفع معنوياته وتزيد من إنتاجه.

ووفقاً للقيم التقليدية الكورية، يبقى العامل بالشركة حتى بلوغه سن التقاعد ومع ذلك للعامل الحق فى ترك الخدمة والالتحاق بشركة أخرى إذا رغب فى ذلك بعيداً عن تلك القيود الإدارية والرؤى الاجتماعية التى تواجه العامل اليابانى (7: 101).

هذا فيما يتصل بالأسس التى يقوم عليها النظام الإدارى فى المجتمع الكورى وكما هو واضح منها فإنها تتضمن العديد من الأسباب التى تقف وراء نجاح هذا النظام، لما تحمله من مبادئ وأساليب وقيم إيجابية تكفل له الفاعلية والعمل بكفاءة عالية. وإن كان هذا لا يحول دون إشارة موجزة لأهم الظروف التى يعمل من خلالها هذا النظام وتعمل على زيادة فاعليته وكفاءته.

ثانياً: بعض العوامل المؤثرة على النظام الإدارى فى جمهورية كوريا الجنوبية:

تطرح الدراسات والبحوث العديد من الظروف المرتبطة بتفوق النظام الإدارى فى المجتمع الكورى أو الأسباب المفسرة لهذا التفوق.

من هذه الظروف أو الأسباب ما تتميز به جمهورية كوريا الجنوبية من الناحية الثقافية والاجتماعية وما يسودها من قيم ومبادئ تحكم سلوك الأفراد والجماعات وما تتصف به من صفات الحزم والصرامة،والجدية والتفانى فى العمل والإخلاص فيه، وغيرها من الصفات والسمات الثقافية والاجتماعية التى تضفى عليها خاصيتها الفردية المتميزة ولها تأثيرها الواضح فى ممارسات الأفراد والجماعات وفى النظم وأساليب العمل المختلفة.

وجدير بالذكر: أن الصفات والخصائص التى تتسم بها جمهورية كوريا الجنوبية ليست وليدة اليوم، وإنما تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ الكورى.

فالكوريون من الشعوب القديمة ذات الثقافة العريقة، فقد كثرت الكتابات التاريخية عن كوريا منذ عصورها الأولى، وما بقى من تلك الكتابات يؤدى إلى عدم وضوح الرؤية الكلية للأحداث، وعموما تعد كوريا من الأمم صاحبة التاريخ الطويل فى عمق الإنسانية، وإن اختلفت الآراء حول عمر هذه الحضارة، فمن تلك الآراء أن تكوين كوريا يعود إلى أربعة آلاف سنة، كذلك تذهب تقديرات أخرى إلى أن عمر هذه الأمة يصل إلى ستة آلاف سنة (28: 105).

ومعروف تاريخياً أن كوريا عاشت منعزلة على نفسها فترات تاريخية طويلة بسبب الظروف الطبيعية والجغرافية التى يختص بها المجتمع الكورى وأضفت عليه الطابع القومى، بالإضافة إلى شعور الشعب الكورى بعمق تاريخه وأصالته وامتداده فى أعماق الحضارة الإنسانية، مما يمثل دافعاً له للعمل والنجاح وإثبات الذات ومحاولته الحفاظ على استقلاليته.

وفى حوالى عام 1100 ق.م بدأ اتصال الكوريين بالحضارة الصينية، حيث تحكى كتب التاريخ أن كيجا Kija الأخ الأكبر لآخر حاكم للصين من عائلة شانج Shang كان عالماً محباً للعلم، وأنه ذهب إلى كوريا مع خمسة آلاف من أتباعه لتعليم الكوريين الفنون الصينية والآداب والطب وطريقة الكتابة الصينية التى تعتمد على آلاف المقاطع والأشكال اللغوية. وقد سادت هذه الطريقة فى الصين واليابان وكوريا لعدة قرون (18: 358).

وقد ظل اتصال الصين مع كوريا لمئات السنين، ومن خلال هذا الاتصال نقل الصينيون إليها الكونفوشيوسية والبوذية. وقد وجدت هاتان الفلسفتان مكاناً لهما فى المجتمع. ففى الوقت الذى قدمت فيه الكونفوشيوسية المبادئ الأساسية للأخلاقيات الاجتماعية والتعليم والحكومة، قدمت البوذية الاحتياجات الروحية للناس.

كما تأثرت كوريا بالتعاليم الكونفوشيوسية والفلسفة البوذية، وأصبحت هذه التعاليم مسيطرة على العلاقات السائدة بين الأفراد والجماعات لسلوكياتهم وطبقاتهم. بل أصبحت الفلسفة الكونفوشيوسية على وجه الخصوص من أهم مكونات المناهج الدراسية،ومحتوى التربية الكورية (29: 19).

والكونفوشيوسية هى فى الواقع دستور للنواميس الأخلاقية أكثر منها ديانة، حيث وضعت الكونفوشيوسية أخلاقياتها على أساس طبيعة الإنسان والمجتمع. وترى الكونفوشيوسية أن الشخص المتحلى بالأخلاق الكريمة يجب أن يكون عضواً عاملاً فى المجتمع (19: 51). فالتعاليم الكونفوشيوسية تؤكد على التربية الخلقية، وعلى قيم الولاء لمختلف التنظيمات الاجتماعية. كما تؤكد على الإخلاص فى العمل والتفانى فيه. إلى آخر هذه القيم التى تضمنتها تعاليم الكونفوشيوسية وتحرص على تأكيدها وكان لها تأثيرها الواضح فى الثقافة الكورية، وأن التعاليم الأخلاقية المستمدة من الثقافة الكونفوشيوسية تتيح للأبناء نوعاً من الراحة النفسية (20: 26).

وقد توصل أحد الباحثين إلى أن كوريا تبدو أحياناً أكثر كونفوشيوسية وذات تقاليد صينية أكثر من الصين نفسها. فالميراث الكونفوشيوسى يعد عاملاً هاماً فى التنمية الاقتصادية فى كوريا الجنوبية (22: 490-491).

أما الفلسفة البوذية فتشدد على أهمية التعليم وترى أن العقل هو مصدر كل شئ، وأن الإدارة الحكيمة عليها أن تضع نظاماً لتوجيه عقول الناس وتشغيلها حتى تصل إلى حد التنوير (2: 42). كما تقدم الفلسفة البوذية تحليلاً منطقياً لطبيعة المعاناة وأسبابها، وتقدم العديد من الوسائل لقهر المعاناة أو التغلب عليها، والبوذية باعتبارها طريقة للحكمة تم تعليمها وممارستها من أجل تحسين نوعية الحياة من خلال إزالة منابع المعاناة، وهى فى تفاصيلها ظاهرة معقدة تتضمن تغييرات تاريخية عظيمة ومتعددة، غير أنها فى جوهرها هى تعاليم بسيطة (11: 187-188).

كما تأثرت كوريا بالثقافة اليابانية نتيجة تلاحم وتفاعل القيم السائدة فى البلدين حيث تأثر الشعب الكورى بالنشاط والحيوية والتخطيط الموجود عند اليابانيين، كما تعلم الكثير من المهارات والخبرات الفنية والإدارية، إلى جانب القيم الإيجابية كالقدرة على العمل فى فريق واحد، والاهتمام بضبط الاستهلاك،وزيادة الادخار والمنافسة التجارية وقيام الشركات الهندسية الكبرى وعمليات التصنيع الواسعة حالياً (20: 13).

وعلى الرغم من التأثيرات الصينية واليابانية على كوريا، إلا أن كوريا لم تفرط فى ثقافتها، بل حافظت عليها، وعملت على تطويرها لتلائم التغيرات الجديدة الحادثة فى المجتمع. وجدير بالذكر أن هذه الثقافة وإن تضمنت العديد من العناصر المؤثرة فى الحياة الكورية، فإن هناك عنصراً يصعب إغفاله لدوره وتأثيره فى العمليات التنظيمية والإدارية فى المجتمع الكورى، هذا العنصر هو البناء الاجتماعى والعلاقات السائدة داخل هذا البناء.

فالبناء الاجتماعى فى المجتمع الكورى يعتمد فى الأساس على العائلة أو الأسرة حيث تشكل الوحدة الأساسية فى هذا البناء، وذلك على خلاف كثير من المجتمعات والتى تتخذ من الفرد الوحدة الأساسية لبنائها الاجتماعى، لكن فى المجتمع الكورى لا يعرف الفرد بذاته، وإنما بعائلته باعتبارها الوحدة الأساسية للبناء الاجتماعى.

ويهمنا فى هذا المجال الإشارة إلى تركيب العائلة الكورية والعلاقات السائدة بينها، لما لهذه العناصر من تأثير فى التنشئة الاجتماعية وتأثيرها فى الأعمال التنظيمية والإدارية.

فالعائلة الكورية لها كيانها الاجتماعى المتميز، وهى ممتدة تتكون من الأصول الأبوية ومن امتداد الآباء الأسلاف، سواء كانوا علىقيد الحياة أو كانوا موتى، فهم فىكل الأحوال جزء من العائلة. "لذا نجد أن المحبة والمودة والعواطف بين أفراد العائلة قوية لا يمكن إستئصالها، والعلاقة بين أفراد العائلة علاقة مشاركة وهم يبقون على علاقة الدم" (26: 149).

وبالنسبة للعلاقات السائدة داخل العائلة الكورية فهى علاقات المودة والحب ومراعاة مشاعر أفرادها صغاراً وكباراً، كما أن العائلة الكورية تتيح لجميع أفرادها المشاركة الاجتماعية وتشجعهم منذ الصغر على "احترام الوالدين والأكبر سناً والالتزام الأسرى" (16: 80)، لذا لا يستطيع أى فرد أن يضع نفسه فى موقف مضاد أو مخالف لرأى كبير العائلة، فطاعة الأكبر سناً كانت تعتبر الشىء الطبيعى والثقة المحبوبة، وكبير العائلة يتسم بالعدل فى معاملاته مع أفراد العائلة (26: 147)، كما يسود العائلة الكورية روح الاحترام المتبادل والشعور بالأمان مما أضفى عليها طابع الوحدة والتماسك.

وتسود روح التضحية والتعاون العائلى فى حضارة كوريا الجنوبية كنمط أساسى للقيم والمعتقدات المتوارثة. والتى لا يمكن التخلى عنها أو نفى تأثيرها المباشر على حركة المجتمع. فالأب يمثل الرمز والقيمة والمعنى لكل فعل أخلاقى، والابن الأكبر هو الامتداد الطبيعى للأب، وعليه أن يحافظ على كل موارد الأسرة وإمكانياتها فى العمل والتعليم، كما أن الطاعة سمة أساسية داخل العائلات فى المجتمع الكورى (13: 202).

وكل ما سبق يعطى للأب الرغبة والحافز الدائم للتضحية وتحمل كافة الأعباء الاقتصادية لتعليم أبناؤه وبخاصة الأبن الأكبر. وفى المقابل يتعلم الأطفال أن الامتنان الواجب عليهم نحو آبائهم وكذلك مسئولياتهم نحوهم، هو العمل بجد واجتهاد فى تعليم أنفسهم، خاصة إذا لم يكن لديهم قدرات أكاديمية تأهلهم للتعليم العام (13: 202).

ولاشك أن هذه العلاقات لها تأثيرها وأهميتها فى عمليات التنشئة الاجتماعية، وفى وضع معايير معينة للحكم على الأفراد المتميزين الذين يمكن أن يكون لهم نفوذهم ومكانتهم الاجتماعية المتميزة. من هذه المعايير أن يكون لدى الفرد الولاء لعائلته أو المؤسسة التى يعمل فيها، وأن يكون على علاقة طيبة بالآخرين وقدوة لهم، ناجحاً فى عمله، إلى جانب أن "الفرد ليس كائناً منعزلاً ولكنه عضو فى عائلة صغيرة وكبيرة وقبيلة وعشيرة وحى وجماعة وشعب ودولة ولا يمكنه تجاهل مصالح الآخرين، ويسعى باستمرار إلى مراعاة التوازن بين مصالحه ومصالح عائلته ومجتمعه" (20: 24-25).

وهذا يشير إلى أن كثيراً من القيم الضرورية للقيادة وإدارة الأعمال يتم تشكيلها لدى الأفراد منذ الصغر، وداخل عائلته التى ينتمى إليها وتظل مع الفرد طوال دراسته ودخوله دنيا العمل، رئيساً أو مرؤوساً.

لهذه الأسباب ولغيرها يرجع كثير من الدارسين تميز وتفرد الإدارة الكورية وتفوقها إلى الخصائص الكامنة فى الشخصية والثقافة الكورية.

وإلى جانب هذه الأسباب والظروف فإن هناك من الدراسات والبحوث التى تضيف أسباباً لتفوق النظام الإدارى فى كوريا الجنوبية وتتمثل فى قدرة هذا النظام على تجميع الأسس والمبادئ التى سبق بيانها فى المحور السابق فى نظام متكامل اصبح يعطى للإدارة الكورية لوناً متميزاً ويساعدها على تحقيق ما تصبو إليه من نجاح، فكفاءة الإدارة الكورية لا ترجع إلى أنها تستخدم تكنولوجيا متقدمة أو لأن لديها مفاهيم إدارية غير متوافرة لدى الآخرين وإنما ترجع هذه الكفاءة إلى قدرة النظام الإدارى على التعامل مع هذه المبادئ من خلال اختيار المزيج فيها ودمجها معاً فى نظام متكامل.

فالأخذ بسياسة التوظيف الدائم اقتضت الأخذ بسياسة جيدة للاختيار تضمن انتقاء العناصر التى بمقدورها التكيف مع سياسة التوظيف الدائم، كما اقتضت الأخذ بسياسة الإلمام بالعام بدلاً من التخصص الدقيق، كما فرضت الأخذ بسياسة التدريب المستمر لكافة المستويات.

كما أن الأخذ بسياسة الأقدمية فى الترقية عملت على الحد من التنافس والقلق، فالأقدم لا يخشى منافسة الأحدث له فى الترقية، طالما أنها بالأقدمية ومن ثم لا يبخل عليه بالنصيحة كما إن الأخذ بهذه السياسة يفرض ضرورة العمل من خلال الإحساس بالمسئولية المشتركة نحو تحقيق الأهداف كما تقضى سياسة الأقدمية الأخذ بنظام البطء فى التقويم والأداء لضمان إصدار حكم موضوعى شامل.

وهكذا تتكامل العناصر وتتفاعل مع بعضها وتعمل فى تناسق وانسجام يعطى للنظام الإدارى الكورى صفته المميزة التى تضمن له الفاعلية والنجاح وتجعله جديراً بالدراسة للإفادة منه.

وما يهمنا الإشارة إليه فى هذا المجال هو أنه من خلال هذه الظروف التى يعمل من خلالها النظام الإدارى فى كوريا الجنوبية، ومن خلال الأسس والركائز التى يقوم عليها- تعمل الإدارة التعليمية فى جمهورية كوريا الجنوبية وتستمد من الإدارة العامة والظروف التى تعمل من خلالها ملامحها الأساسية ومقومات نجاحها وهذا يفرض علينا طرح المحور الثالث الخاص بالملامح الأساسية للإدارة التعليمية فى جمهورية كوريا الجنوبية.

ثالثا: الملامح الأساسية لإدارة التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية:

الإدارة بصفة عامة ترجمة للأفكار أو النظريات أو الفلسفات إلى واقع، كما أنها أداة توجيه التغيرات الاجتماعية والتيارات الثقافية نحو الخير أو الشر، بالإضافة إلى أنها عامل أساسى فى تسهيل التغيير واستقراره.

والإدارة التعليمية فرع من الإدارة العامة، وتتوقف قدرة التعليم على إدارته، ذلك أن إدارة التعليم هى أداة السيطرة على العملية التعليمية وتنظيمها أو توجيهها وتقويمها. والغاية من جعل السلطة فى أيدى القائمين على الإدارات هى الوصول إلى تحقيق مستوى معين من الإنتاج فى العمل، فإجراء التخطيط للعمل التعليمى ووضع البرامج وبنية هياكل التعليم هدفها للإنتاج، فعن طريق إدارة التعليم بما تشمله من عمليات تربوية متعددة الاتجاهات متشعبة الجوانب يتم استثمار الأعداد الهائلة من الأجيال والتى تثرى بدورها مجالات الحياة بعلمها ومعرفتها وخبراتها وفكرها المتجدد.

وتعد كوريا الجنوبية دولة ذات نظام سياسى رئاسى، وتنتمى للنمط المركزى فى إدارة التعليم، وهى حقيقة تمثل توجهاً مجتمعياً عاماً، غير أنه مع نهايات الثمانينات ونظراً للتقدم الصناعى الهائل فى كوريا الجنوبية، والتنمية الاقتصادية والبشرية التى أحدثت طفرة كبيرة فى تحقيق رفاهية الشعب، تقلص دور وزارة التعليم -إلى حد كبير- وبصفة خاصة فى المؤسسات التعليمية (المدارس والمعاهد التعليمية)- ففى مطلع عام 1988م توقف الإشراف التربوى للوزارة فى المدارس وأصبحت لا تتدخل إلا حينما تطلب المدرسة مشورة خاصة لمواجهة مشكلة ما من مشرفى أو موجهى الوزارة (13: 213).

ولكى نتعرف على نمط الإدارة التعليمية فى جمهورية كوريا الجنوبية، نعرض فيما يلى المستويات الثلاثة التالية:

المستوى الأول : وزارة التعليم:

تتولى وزارة التعليم مسئولية التعليم بجميع مستوياته بالتعاون مع مجالس التعليم الإقليمية، وهى مسئولة أمام مجلس الوزراء عن تنفيذ السياسة التعليمية التى أقرتها الحكومة،وهى بمثابة جهاز مركزى إدارى، ويتم تعيين وزير التعليم من قبل رئيس الجمهورية.

فالدستور يعطى سلطات واسعة للغاية لرئيس الجمهورية، فهو الذى يستطيع تعيين وعزل الموظفين العموميين فى رتبهم ودرجاتهم المختلفة،وكذلك العمد وحكام الأقاليم ورجال الطبقة العليا من الجهاز البيروقراطى دون اشتراط موافقة السلطة التشريعية إلا فى حالة رئيس الوزراء،وقد اختلط هذا النمط مع الممارسة السياسية مع التقاليد الكورية الخاصة بالثقافة السياسية التى يسيطر عليها الطابع السلطوى لكى تؤثر على تحقيق النظام للديمقراطية الكاملة (4: 242-243).

ويعد وزير التعليم المسئول الأول عن التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية باعتباره عضواً فى مجلس الرئاسة بالدولة، وبذلك فهو أحد المشاركين فى صناعة قرارات الحكومة على أعلىمستوى. وباعتباره وزيراً للتعليم فله حق اتخاذ القرارات التى تضمن تنفيذ سياسة الحكومة الكورية فى مجال التعليم، كما أن له حق صياغة السياسة التعليمية المجتمعية، وكذلك الرقابة والإشراف على تنفيذ هذه السياسة (13: 241).

وهو فى سبيل ذلك له حق إصدار اللوائح والقوانين والمراسيم الوزارية والتى تجعله يراقب أعمال وإجراءات كافة مستويات الإدارات التعليمية المختلفة، والإشراف على بعض الأمور الإدارية، كما يمنح الموافقات والتراخيص للقيام بالتدريس،وله حق تفويض بعض اختصاصاته فى بعض إدارات التعليم على المستوى القومى (13: 241).

وتقوم وزارة التعليم بالوظائف التالية(21: 536)، (22: 767):

  • -توجيه التخطيط والتنسيق الشامل للبرامج التعليمية.
  • -تشريع السياسات التعليمية واتخاذ الإجراءات التى تكفل تنفيذها.
  • -الإشراف على المديرين المحليين وتوجيههم وتوفير المعونات المادية.
  • -إصدار الموافقات والتراخيص بإنشاء المدارس الخاصة ومؤسسات التعليم العالى.
  • -تطوير المناهج وتحديد المقررات والكتب المدرسية وساعات الدراسة.
  • -إدارة مؤسسات التعليم العالى والإشراف عليها بصورة مباشرة.
  • -الإشراف على جميع المعاهد التعليمية وجميع المدارس الابتدائية والثانوية من خلال مجالس ومكاتب التعليم الإقليمية والمحلية.
  • -تعيين المعلمين والموظفين فى الوظائف الإدارية العليا.

ويوجد بالوزارة هيئات معاونة تخضع للإشراف المباشر من قبل وزير التعليم، وهى (26: 446):

  • *المعهد القومى للبحث التربوى والتدريب.
  • *المعهد القومى للتقويم التربوى.
  • *المكتبة القومية المركزية.
  • *اللجنة القومية لتنسيق التاريخ.
  • *الأكاديمية القومية للعلوم.
  • *الأكاديمية القومية للآداب.

وهناك ثلاثة مجالس استشارية لمساعدة وزارة التعليم فى صياغة وبلورة السياسات التعليمية وهى (27: 40-42):

1- المجلس الاستشارى للسياسة التعليمية:

وقد تم إنشاء المجلس الاستشارى للسياسة التعليمية فى مايو 1988م، استجابة للمشكلات المتنامية فى مجال التعليم، وذلك بهدف تقديم المساعدة وإسداء النصح لوزير التعليم فيما يتعلق بصياغة السياسات والتدابير لحل المشكلات المختلفة، وينقسم هذا المجلس إلى ست لجان فرعية تتكون من ستين عضواً يمثلون خبرات كبيرة فى مجال المعارف المختلفة.

2- اللجنة الرئاسية للسياسة التعليمية:

وقد تم تكوين اللجنة الرئاسية للسياسة التعليمية فى عام 1989م، وذلك بهدف تقديم المشورة للرئيس الكورى فيما يتعلق بالتوجهات الأساسية لإصلاح التعليم والخطط التنموية وأساليب تنفيذها، الأمر الذى يتطلب منها إقامة علاقات التعاون مع الوزارات الأخرى المعنية، ويشترط ألا يقل عدد أفراد اللجنة عن 15 شخصية ولا يزيد عن 20 شخصية من الشخصيات الهامة فى مختلف المهن، بالإضافة إلى خمسة أفراد من المتخصصين الإداريين.

3- مجلس التعليم العالى:

وقد تم تشكيل مجلس التعليم العالى فى عام 1991م، بهدف تقديم المشورة والنصح لوزير التعليم بشأن التدابير المتصلة بالتعليم العالى، حيث قد بدأ التعليم العالى يولى مزيداً من الاهتمام صوب بعض القضايا الهامة مثل الاستقلال الجامعى، والنهوض بالتعليم والبحث العلمى فى الجوانب الكيفية.

كما يوجد بالوزارة مكاتب للتخطيط والإشراف، وتطوير المناهج، وتطوير السياسة التعليمية، وكذلك مكاتب للتعليم الابتدائى والثانوى والعالى،وإعداد المعلمين، والتربية الدولية، والمناهج والكتب الدراسية، والكليات المتوسطة، والتعليم الصناعى، والتربية الاجتماعية والرياضية والصحية، والإمدادات التعليمية (23: 767-768).

وفى ضوء ما سبق يتضح أن جميع المؤسسات التعليمية فى جمهورية كوريا الجنوبية تخضع لسيطرة ورقابة الحكومة المركزية ممثلة فى وزارة التعليم كسلطة إدارية مركزية تمارس نطاقاً واسعاً من السيطرة على السياسات التعليمية والوظائف الإدارية والرقابية، وتهتم الرقابة الإدارية من قبل وزارة التعليم بشكل عام بكفاءة المعلمين،ومعايير المناهج والكتب،واختبارات القبول، ومعايير المكونات المساعدة للعملية التعليمية،ويخضع التعليم العالى أيضاً لسيطرة وزارة التعليم وإن كان يتمتع نسبياً بحماية أكبر (24: 4).

وترجع مركزية الإدارة التعليمية فى جمهورية كوريا الجنوبية إلى أن نسق القيم الديمقراطية لدى المجتمع الكورى مازالت غير مكتملة نسبياً، ويرجع ذلك إلى الثقافة السياسية التقليدية ذات الطابع السلطوى والتى تفاقمت وتفاعلت مع فترة طويلة من الحكم العسكرى عرفتها كوريا.

المستوى الثانى: المستوى الإقليمى:

يدار التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية فى هذا المستوى من خلال تنظيم أساسى يسمى مجلس التعليم، يوجد فى كل إقليم وفى بعض المدن الكبرى مثل سول Seoul وبوسان Busan ويتكون كل مجلس للتعليم من سبعة أعضاء هم حاكم الإقليم، ومراقب التعليم وخمسة أعضاء يعينون من قبل وزارة التعليم رسمياً، أما حاكم الإقليم، ومراقب التعليم فيظل كل منهما محتفظاً بوظيفته الخارجية. ويشترط بصفة عامة أن يكون كل الأعضاء يتمتعون بسمعة طيبة وحاصلون على تأهيل تربوى، أو يعملون فى مجال التدريس لمدة عامين على الأقل. وعضوية هذا المجلس لمدة أربع سنوات،ويجوز التجديد لمدة أخرى فقط (13: 214).

ويرشح مراقب التعليم من قبل السلطات المحلية ، ثم يرفع هذا الاقتراح إلى وزير التعليم لإصدار قرار بتعيينه رسمياً بعد موافقة رئيس الجمهورية. ومدة تعيينه لا تتجاوز الأربع سنوات، ومن المؤهلات الضرورية التى ينبغى توافرها فى مراقب التعليم: السمعة الطيبة فى بيئته المحلية، وأن تكون لديه معرفة متخصصة بمجال التربية بصفة عامة، ومعظم مراقبى التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية لهم خدمة أو عمل وخبرة طويلة فى مجال التعليم، فبعضهم يمكن أن يكون أستاذاً جامعياً سابقاً، أو ممن يعملون فى مجال الخدمة العامة (13: 214).

ويقوم مجلس التعليم بالمهام التالية (25: 20-21):

  • -الإشراف على رؤساء مكاتب التعليم المحلية.
  • -إنشاء وإدارة المدارس الابتدائية والثانوية.
  • -الإشراف على المدارس الثانوية الخاصة.
  • -إنشاء وإلغاء المدارس الابتدائية.
  • -الإشراف على شئون الأفراد الخاصة بالمعلمين والهيئة الإدارية.
  • -تنظيم وإدارة الحسابات الخاصة والمصروفات.

المستوى الثالث: المكتب المحلى للتعليم:

تقوم مكاتب التعليم المحلية بالمقاطعات المختلفة بالإشراف المباشر على المدارس الابتدائية والثانوية الواقعة فى دائرة اختصاصها، وذلك بتوجيه من المجلس الإقليمى للتعليم والذى يعد بمثابة السلطة الأعلى.

ويعين مجلس التعليم لكل إقليم رئيساً للمكتب المحلى، ويصدق عليه وزير التعليم،ويعين من قبل رئيس جمهورية كوريا الجنوبية.

ويقوم المكتب المحلى للتعليم بالمهام التالية (26: 446):

  • -القيام بجميع الشئون الإدارية المتعلقة بالتعليم.
  • -صيانة المبانى والمرافق التعليمية.
  • -سن التشريعات التربوية.
  • -الإشراف على جميع المدارس الابتدائية والثانوية الأكاديمية والفنية ورياض الأطفال فى المدينة أو المنطقة.

أما عن إدارة المدرسة فتشير الدلائل إلى تقلص دور الإشراف التربوىأو الرقابة على التعليم فى المدارس الكورية من قبل السلطات التعليمية الأعلى مع نهايات الثمانينات، ويعنى ذلك أن إدارة المدرسة الكورية يترك لها الحرية الكاملة فى إدارة شئون التعليم بها، والإشراف على حسن سير العملية التعليمية،ولا تتدخل سلطات التعليم الأعلى إلا بإذن من هذه الإدارة ولأخذ المشورة أو النصح التربوى فقط (13: 215).

ويعتبر مدير المدرسة المشرف والموجه التربوى الرئيسى فى المدرسة الكورية، فهو المسئول الرئيسى إدارياً وفنياً عن شئون المدرسة وسير العملية التعليمية فيها. ويقتصر دور الوزارة الإشرافى على القيام بالإشراف التربوى فى حالة طلب المدرسة ذلك، وغالباً ما تقوم المدرسة طواعية بطلب مشرف أو موجه مختص لمادة دراسية معينة، عندما تظهر لديها مشكلة ما تحتاج إلى مشورة خاصة من مشرفى وموجهى الوزارة (013: 206).

هذه هى المستويات الثلاثة لإدارة التعليم فى كوريا الجنوبية.

وواضح من تعددها: أن التعليم الكورى يتمتع بالنمط المركزى فى الإدارة، ويتمشى هذا النمط مع نمط الإدارة العامة السائدة فى المجتمع الكورى، حيث يكون على رأس هذا الهرم هناك رئيس الجمهورية الذى يتولى مهامه التنفيذية من خلال مجلس الدولة ويساعده رئيس للوزراء يقوم بتعيينه ويتولى الإشراف على عدد من الوزراء من بينهم وزير التعليم، ويتولى وزير الداخلية الإشراف على الحكومات المحلية الإقليمية (18: 374).

وتخضع جميع المؤسسات التعليمية فى كوريا الجنوبية على اختلاف أنواعها ومراحلها ومستوياتها للإشراف المباشر من قبل وزارة التعليم. ويلزم أخذ موافقة الوزارة فى كل ما يتعلق بإنشاء أى نوع من المعاهد التعليمية سواء كانت خاصة أو حكومية أو إلغائها أو تحديد المقررات والمناهج الدراسية بها، وتحديد أعداد التلاميذ والطلاب الملتحقين بها، وتحديد المصروفات الدراسية.

وهذه النـزعة الشديدة فى إدارة التعليم تفرض على وزارة التعليم ضغوطاً شديدة وأعمالاً ضخمة، وقد ظهر فى السنوات الأخيرة اتجاه نحو الميل إلى الإدارة اللامركزية للتخفيف من حدة هذه المركزية الشديدة لاسيما بالنسبة للجامعات وللإدارة التربوية على مستوى المدرسة.

كما أن هناك ظروفاً وعوامل متعددة أدت وتؤدى إلى العمل من خلال هذا الأسلوب، من أهم هذه الظروف والعوامل:

  • -التشريعات التى تحدد بدقة اختصاصات المجالس التعليمية الإقليمية والمكاتب المحلية للتعليم ودرجة الحرية التى تتمتع بها والحدود التى ينبغى عليها ألا تتعداها.
  • -اعتماد المجالس التعليمية الإقليمية والمكاتب المحلية للتعليم على السلطة التقليدية لوزير التعليم، وإعطائه سلطات إصدار التوجيهات والتعليمات للهيئات والمجالس المحلية والتى تصل إليها عن طريق النشرات والدوريات الخاصة بذلك.
  • -اعتماد المجالس التعليمية الإقليمية والمكاتب المحلية للتعليم على الميزانية العامة للدولة، فهى لا تملك فرض ضريبة خاصة، ومن ثم لا تستطيع الاستقلال بنفسها من الناحية المالية.
  • -امتداد سلطات المسئولين عن التعليم إلى الأقاليم الجغرافية وذلك عن طريق المجالس الإقليمية والمكاتب المحلية للتعليم.
  • -إن إشراف الوزير على المحليات لا يتأتى عن طريق الرغبة المباشرة للمدارس وإنما عن طريق السلطات العليا فى الدولة بكل ما لها من نفوذ وهيبة.

فالوزارة على المستوى القومى هى التى تعد المناهج للمدارس العامة والخاصة، وتوافق على جميع الكتب المدرسية وهى التى تجرى الاختبارات التحصيلية للصفوف الدراسية،وتحدد الأساليب والطرق الإدارية، وتضع مشروعات التدريب أثناء الخدمة لتحقيق الأهداف القومية.

كما أن لمجالس التعليم الإقليمية والتابعة للوزارة حق الإشراف على المحليات، ويدخل تحت مسئولية هذه المجالس مسئولية إدارة المدارس العامة والخاصة.

لهذه الظروف وغيرها فإن إدارة التعليم فى كوريا الجنوبية ما تزال تتسم بالأسلوب المركزى وإن كان بدرجة أقل مما كانت عليه فى السنوات القليلة الماضية.

لكن الجدير بالذكر أن إدارة التعليم فى كوريا الجنوبية ليست كتلك المركزية التى تتبناها الدول التى تأخذ بهذا الأسلوب وإنما تتبنى كوريا الجنوبية الأسلوب المركزى الممزوج بعناصر اللامركزية أو بعبارة أخرى،تعمل من خلال نظام فريد يجمع مزايا الأسلوبين المركزى واللامركزى، مما جعل نظاماً فعالاً فى نهضة التعليم الكورى وتقدمه، فماذا يمكن أن نستفيد من هذا النظام فى إدارة التعليم فى جمهورية مصر العربية؟ الإجابة عن هذا السؤال هو موضوع المحور الأخير من الدراسة.

رابعاً: بعض جوانب الإفادة من إدارة التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية:

تعد كوريا الجنوبية من الدول الرائدة التى اهتمت بتطوير وتجديد نظامها التعليمى الذى يرتبط فى الأساس بالإنتاجية الاقتصادية، ولعل ما يساعد الحكومة الكورية على ذلك هو الوسط الثقافى هناك، حيث أن المجتمع الكورى فى عمومه يتمتع بقيم ثقافية وسلوكية حافزة على العمل والتفانى والانضباط فيه، الأمر الذى يسهم فى مجموعه- بالضرورة- فى التطور الاقتصادى وفى إحداث التنمية الشاملة بالمجتمع.

كما  أن الإدارة بصفة عامة والإدارة التعليمية بصفة خاصة فى أى مجتمع عادة ما ترتبط بالإطار الثقافى لمجتمعها، لكون الإدارة ابنة بيئتها وانعكاساً لها من ناحية، وتدعيماً للثقافة المجتمعية من ناحية أخرى.

وقد اسهم النظام التعليمى فى كوريا الجنوبية بشكل كبير فى إحداث التنمية فى المجتمع،وذلك من خلال قيام التعليم بإعداد القوى البشرية المدربة لمواجهة حاجات النمو الاقتصادى، والتأكيد على إقامة مزيد من العلاقات بين التعليم والمؤسسات الإنتاجية، والعمل على غرس القيم الحافزة على العمل فى نفوس التلاميذ والمستقاة من الفلسفة المجتمعية والطابع القومى الكورى مثل: حب العمل والتفانى فيه، والتعاون، والصالح العام فى مقابل المصلحة الفردية، والطاعة والانضباط.

لذا تحاول العديد من المجتمعات النامية تحليل النظام الإدارى فى كوريا الجنوبية فى كافة المجالات والقطاعات للتعرف على أسرار نجاحه وتفوقه،ومحاولة الإفادة منه. فلقد أصبح هذا النظام يثير الانتباه ويجذب إليه العديد من المجتمعات النامية وهى لا تحاول تقليده، وإنما تحاول الإفادة مما يتميز به من خصائص فريدة متميزة، وتضمين هذه الخصائص لنظمها الإدارية حتى يستمر لهم التقدم والتفوق، مع الأخذ فى الاعتبار أن لكل دولة ظروفها وثقافتها التى تحكم النظم والمؤسسات التى تعمل من خلالها.. ومع التسليم بهذه الحقيقة فإنه بالإمكان الإفادة من تجارب الآخرين وتطويعها للظروف المحلية والثقافية والقومية.

وعلى هذا الأساس يمكن القول أن النظام الإدارى فى كوريا الجنوبية بصفة عامة والتعليمى بصفة خاصة يحمل الكثير من جوانب الإفادة من أهمها:

  • 1-العمل على بناء نظام إدارى متكامل العناصر يأخذ بمزايا المركزية واللامركزية، مع توافر المهارة العالية فى تشغيل هذا النظام،وهذا يمكن أن يتحقق من خلال: توافر الأجهزة الإدارية،والقيادات الواعية لتشغيل هذه الأجهزة وتولى إدارتها، وإعادة النظر فى الكثير من الإجراءات والممارسات والمعايير المتبعة فى النظام الإدارى المصرى بصفة عامة.
  • 2-التأكيد على الصلة الوثيقة بين الإدارة التعليمية والتخطيط للتعليم فإذا كانت الإدارة التعليمية تقوم على مبدأ التشاور والمشاركة والمسئولية الجماعية فإن هذا يفرض أيضاً قيام عمليات التخطيط التعليمى على هذه المبادئ والأسس والتكامل بين هذه العمليات وبين إدارة التعليم. وبحيث تشمل عملية المشاركة كل المهتمين بشئون التعليم والمستفيدين منه، من الطلاب، وأولياء الأمور والمعلمين والمديرين والنظار، وغيرهم وبأسلوب يساعد على الدمج بين المركزية واللامركزية فى إدارة التعليم وتخطيطه، وبين النظرية والتطبيق وبصورة تتيح الإفادة من كافة العناصر المشاركة، ومن المحليات فى هذا المجال.
  • 3-الأخذ من أسس الإدارة الكورية سواء فيما يتعلق بعمليات توسيع صلاحية اتخاذ القرار أو المسئولية الجماعية فى مجال إدارة المؤسسات التعليمية بما يكفل الحد من التنافس والصراعات، وبما يتلاءم وظروف المجتمع المصرى.
  • 4-الإفادة من التجربة الكورية فى إصلاح النظام الإدارى للتعليم العام وذلك من خلال عمليات التكامل بين المركزية واللامركزية التى تتمتع بها إدارة المدارس، وبين الإدارة على المستوى القومى والمستوى الإقليمى والمحلى فى النهوض بالتعليم،ونشر الثقافة والعلوم والمساهمة فى توفير الميزانيات الخاصة بالتعليم والإنفاق عليه، فالسلطات المحلية تقوم بإدارة المدارس المحلية وتوفير متطلبات العمل فيها، كما تقع عليها مسئولية تجنيد كل الطاقات والإمكانات لإدارة شئون التعليم، كما أن السلطات الإقليمية تتولى عملية تطوير المناهج بالتعاون مع السلطات الأعلى وتهيئة ورصد المبالغ اللازمة وتوزيعها وتعيين المعلمين.
  • 5-مشاركة الإدارات التعليمية على المستوى الإقليمى والمحلى فى رفع مستوى الوعى التربوى والتعليمى عن طريق عقد الندوات والمؤتمرات داخل المؤسسات التعليمية وخارجها وبذلك تتحول الإدارة التعليمية من مجرد كونها مؤسسات لإدارة شئون التعليم إلى مؤسسات لنشر الوعى التربوى والتعليمى، ومصدر إشعاع ثقافى للبيئات المحلية التى تعمل من خلالها.
  • 6-مشاركة الإدارات التعليمية على المستوى القومى والإقليمى والمحلى فى النهوض بالبحث التربوى والارتكاز عليه فى حل العديد من المشكلات التى تواجهها، ومن ثم العمل على حل هذه المشكلات بأسلوب علمى يعتمد على الواقع بدلاً من الاعتماد على الملاحظات الشخصية أو كتابة التقارير دون القيام بإجراء دراسات متعمقة لهذه المشكلات.

إلى آخر هذه الجوانب التى يمكن استخلاصها من إدارة التعليم فى كوريا الجنوبية، وتكيفها لخصوصيات المجتمع المصرى.

وبهذا يمكن الوصول إلى خاتمة الدراسة التى حاولت- بجهد متواضع- بيان الأسس التى يقوم عليها النظام الإدارى فى كوريا الجنوبية، والظروف التى يعمل من خلالها وساعدت على نجاحه وتفوقه. ومن بيان هذا النظام بأسسه وظروفه حاولت هذه الدراسة بيان الملامح السياسية لإدارة التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية، ثم خلصت من هذا كله ببعض الجوانب والمضامين التى أمكن استخلاصها من نظام إدارة التعليم فى جمهورية كوريا الجنوبية، ويمكن أن تفيد كمؤشرات لإدارة التعليم فى جمهورية مصر العربية.

المراجع:

1-

أحمد إسماعيل حجى. الإدارة التعليمية والإدارة المدرسية. القاهرة: دار الفكر العربى، 1998.

2-

أحمد بهجت. يقظة النمر الآسيوى: رحلتى إلى كوريا. القاهرة: الزهراء للإعلام العربى، 1989م.

3-

إسماعيل صبرى عبد الله. "التعليم الأساسى والقرن الحادى والعشرين". مجلة التربية والتعليم. المجلد الثالث. العدد السابع. القاهرة: المركز القومى للبحوث التربوية والتنمية، يوليو 1993م.

4-

إكرام بدر الدين. "اتجاهات التحول الديمقراطى فى شرق آسيا". آسيا والتحولات العالمية. تحرير محمد السيد سليم. جامعة القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1998م.

5-

البنك الدولى للإنشاء والتعمير. تقرير عن التنمية فى العالم 1994م: البنية الأساسية من أجل التنمية: مؤشرات التنمية الدولي. ترجمة مركز الأهرام للترجمة والنشر. القاهرة: مؤسسة الأهرام، 1994م.

6-

جمال الدين الخازندار. "خصائص الإدارة فى الشركات الكورية الجنوبية". الإدارى. العدد الأربعون. السنة الثانية عشر. مسقط: معهد الإدارة العامة، مارس 1990م.

7-

جمال الدين الخازندار. كوريا المعجزة الاقتصادية: الإدارة والإنجازات. الإسكندرية: قايتباى للطباعة والنشر والتوزيع، 1993م.

8-

جمال الدين الخازندار. "نظام الإدارة الكورية". عالم الاقتصاد. العدد الثالث عشر. السنة الثانية. الرياض: دار الدراسات الاقتصادية، فبراير 1993م.

9-

جمال الدين الخازندار. "تأثير القيم الثقافية على الكفاءة الإدارية فى كوريا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية: دراسة مقارنة". الإدارى. العدد السادس والخمسون. السنة السادسة عشرة. مسقط: معهد الإدارة العامة، مارس 1994م.

10-

جمهورية مصر العربية- معهد التخطيط القومى. تقرير التنمية البشرية 1994. القاهرة: معهد التخطيط القومى، 1994م.

11-

جون كولر. "الفكر الشرقى القديم". ترجمة كامل يوسف حسين، مراجعة إمام عبد الفتاح إمام. عالم المعرفة. العدد (199). الكويت: المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، يوليو 1995م.

12-

سعد الدين إبراهيم وآخرون. مستقبل النظام العالمى وتجارب تطوير التعليم. عمان: منتدى الفكر العربى، 1989م.

13-

شاكر محمد فتحى أحمد وآخرون. التربية المقارنة: الأصول المنهجية والتعليم فى أوربا وشرق آسيا والخليج العربى ومصر. القاهرة: بيت الحكمة للإعلام والنشر، 1996م.

14-

شبل بدران. التربية المقارنة: دراسات فى نظم التعليم. الطبعة الثالثة. الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 2001م.

15-

صلاح الدين جوهر."الإدارة التعليمية فى عالم متغير"، المؤتمر السنوى للجمعية المصرية للتربية المقارنة والإدارة التعليمية: إدارة التعليم فى الوطن العربى فى عالم متغير. الجزء الأول. يناير 1994.

16-

عبد الناصر محمد رشاد. التعليم والتنمية الشاملة: دراسة فىالنموذج الكورى. القاهرة: دار الفكر العربى، 1997م.

17-

محسن أحمد الخضيرى. الإدارة فى دول النمور الآسيوية. الطبعة الثانية. القاهرة: ايتراك للنشر والتوزيع، 1999م.

18-

محمد منير مرسى. التربية المقارنة بين الأصول النظرية والتجارب العالمية. القاهرة: عالم الكتب، 1998م.

19-

هـ. ج. كريل. الفكر الصينى من كنفوشيوس إلى ماوتسى تونج. ترجمة عبد الحميد سليم ومراجعة على آدم. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1971م.

20-

Clark W. Sorensen. “Success and Education in South Korea”. Comparative Education Review. Vol. 38, No. 1. Chicago: The Comparative and International Education Society, February 1994.

21-

Insook Jeong and J. Michael Armer. “State, Class, and Expansion of Education in South Korea: A General Model”. Comparative Education Review. Vol. 38, No. 4, Chicago: The Comparative and International Education Society, November, 1994.

22-

Ji- Sun Chung. “Women’s Unequal to Education in South Korea”. Comparative Education Review. Vol. 38, No. 4, Chicago: The Comparative and International Education Society, November, 1994.

23-

Jin Eun Kim, “South Korea”. In George Thomas Kurian (ed.). World Education Encyclopedia. Vol. 2, New York: Facts on File Publications, 1988.

24-

Kim Jon Jchol. Education and Development-Some Essays and Thoughts on Korean Education. Seoul: Seoul National University Press, 1985.

25-

Korean Overseas Informations Service. Education: Korea Background Series. Seoul: Korean Overseas Informations Service, 1978.

26-

Korean Overseas Informations Service. A Handbook of Korea. Eighth Edition. Korea: Samhwa Printing Company, Ltd., 1990.

27-

National Institute of Educational Research and Training. Education in Korea 1991-1992. Seoul: Ministry of Education, 1992.

28-

National Statistical Office. Korea Statistical Handbook 1991. Seoul: National Statistical Office, 1991.

29-

Spencer J. Palmer. Confucian Rituals In Korea. In Lewis R. Lancaster and J. L. Shastri (Eds.). Religions of Asia Series. No. 3, Seoul: Asian Humanities Press, 1985.