2- مدخل نيقولاس هانز Nicholas Hans التاريخي في دراسة التربية المقارنة([1]):

هو أحد رواد التربية المقارنة المشهورين، ويعتبر تابعاً لكاندل Kandel وأحد العارفين بالتربية السوفيتية التى كتب عنها الشئ الكثير، فقد كان هو نفسه من أصل روسى واشتغل بالتربية والتعليم هناك. وقد اعترف هانز Hans بأنه مدين لكاندل Kandel الذى أكد على أهمية المنهج التاريخى فى التربية المقارنة، على الرغم من أن كاندل Kandel لم يصل فى تحليل العوامل التى توصل إليها بنفس التفصيل الموجود عند هانز Hans، وقد اعترف هانز Hans أيضاً بأنه مدين للمفكر الألمانى فريدريك شنايدر Frederick Schneider الذي تناول دراسة التربية المقارنة على أساس العوامل المؤثرة.

ولقد اعتبر هانز Hans أن الخطوات الرئيسية للتربية المقارنة تتمثل فى دراسة كل نظام قومى للتعليم على حدة فى إطاره التاريخى وارتباطه الوثيق بالطابع القومى والثقافة القومية، وكذلك جمع المعلومات عن النظم التعليمية القائمة فى الدول المختلفة. غير أن هانز Hans اعترض على جمع البيانات الإحصائية على أساس اختلاف معايير جمع هذه البيانات فى الدول المختلفة، واختلاف المصطلحات والتصنيفات وطريقة جمع الإحصائيات من الدول.

وتتركز نظرية هانز Hans حول نقطة هامة هى أن النظم القومية للتعليم تمثل التعبير الخارجى للنمط القومى وشخصية الأمة، شأنها فى ذلك شأن الدساتير القومية، والآداب والفنون، بمعنى أنها تكشف عن شئ مميز للشعب الذى نبتت فيه.

ويقول هانز Hans فى هذا الصدد: «إن النظم القومية للتعليم وكذلك الدساتير القومية والأدب القومى هى تعبيرات خارجية للنمط القومى، وهى فى حد ذاتها تمثل الشعب فى تمايزه عن غيره من الشعوب. وإذا استطعنا أن نفصل وأن نحلل العوامل التى كان لها من الناحية التاريخية دور نشيط فعال فى خلق وتكوين الشعوب المختلفة، فإننا نكون قد قطعنا شوطاً بعيداً نحو المبادئ والأسس التى تقوم عليها النظم القومية للتعليم... ومن ثم لتفسير السبب فى وجود النظم التعليمية بالنحو التى هى عليه، فإنه من الضرورى تحليل العوامل المسئولة من الناحية التاريخية فى خلق أمم مختلفة وإحداث الفروق بين الشعوب ونظمها التعليمية... ومن ثم كان علينا أن نسعى لتحديد الأسس التى ترتكز عليها النظم القومية للتعليم».

وقد حدد هانز Hans العوامل التى تعمل على تكوين الأمة المثالية والتى- كما يراها- يجب أن تكون من قومية واحدة، وهى:

- العوامل الطبيعية: وينضوي تحتها العوامل التالية:

  • العامل الجنسى: إذ إن التراث التاريخى لكل أمة يرجع فى أصله دائماً- كما يقول هانز Hans- إلى الأصل المشترك، ودراسة الاختلافات الجنسية سواء أكانت حقيقية أم خيالية ومدى تأثيرها فى النظم التربوية القومية، أحد الموضوعات الرئيسية للتربية المقارنة.
  • اللغة القومية: التى يتخذها الأفراد وسيلة للتواصل، باعتبارها أن اللغة تنتمى إلى البيئة الاجتماعية. واللغة أيضاً- عند هانز Hans- أقوى عامل فعال فى تشكيل شخصية الأمة. وهى تحدد غالباً انتماء الفرد إلى أمة بعينها، ونظم التعليم حين تستخدم اللغة القومية فى تعليم الأفراد، إنما تستخدم أقوى أداة ممكنة فى تشكيل عقول الجيل الصاعد.
  • البيئة: ويقصد بها البيئة الاجتماعية والبيئة الطبيعية، وهما معاً تشكلان شخصية الفرد وشخصية الأمة على السواء، ويظهر تباين توزيع المهن من دولة إلى أخرى على شخصية الأمة وعلى نظامها التعليمى. ونظم التعليم مطالبة بأن تكيف نفسها تبعاً لمقومات الدولة ولظروفها الطبيعية.

- العوامل الدينية:

والعوامل الدينية توجه المربى فى نشاطه، وتضع أمامه هدفاً محدداً فى ترتيب العقول ومساعدتها على النمو، وعندما تعمل العوامل الدينية والعوامل المادية جنباً إلى جنب فى انسجام فإنهما تنتجان فترة زاهرة من الثقافة القومية. والدين يعتبر أقوى المؤثرات الروحية لأنه يتصل بالإنسان ككل، ويرى هانز Hans أن الإنسانية تنقسم تبعاً للتراث الدينى إلى أربع مجموعات رئيسية هى:

  • المسيحية،وتتركز فى أوربا والبلاد التى استعمرها الأوربيون.
  • الإسلام، ويتركز فى دول الشرق الأوسط، والخليج الهندى.
  • الهندوسية، وتتركز فى الهند.
  • الديانات الشرقية (البوذية والكونفوشية والشنتوية)، وتتركز فى دول الشرق الأقصى.

وهو يرى أن اليهودية تقتصر على جماعة صغيرة متفرقة، ولم يكن لها أثر فى التقاليد الدينية للشعوب الأخرى.

العوامل العلمانية، وينضوى تحتها:

الإنسانية: إذ تتضمن موقفاً بشرياً، وآخر إنسانياً من المشكلات التربوية. والموقف البشرى يعنى ألا يعمل الدين على قمع الطبيعة الإنسانية والمصالح الإنسانية لمناصرة مثل أعلى صوفى، وتفسير متزمت ضيق المعالم. والموقف الإنسانى يعنى أنه يجب ألا نقمع طبيعة الطفل وعقله الآخذ فى النمو بنظام مدرسى قاس وطرائق تعليمية صارمة. فالإنسانية كانت عصياناً ضد ثنائية العصر الوسيط المتعلقة بالروح والجسد، القائلة بأن الجسد إناء للشر لذا يجب إخضاعه لعقاب بدني عنيف وكانت الإنسانية عصياناً ضد احتكار اللاهوت وضد عقيدة الكنيسة في وضعها الأصلي تعني تحرير العقل من شكائم العقيدة، ودراسة نقدية للطبيعة الإنسانية بطريقة الملاحظة للوقائع الفعلية. فالعصور الوسطى وقد تمركزت على المسائل اللاهوتية أهملت العلم والأعمال العظيمة العلمية التي قام بها أرسطو.

 ولو انتقلنا من العصور الوسطى إلى القرن التاسع عشر، يبن لنا نيقولاس هانز Nicholas Hans في كتابه التراث التربوي Educational Tradition أن هذا القرن شهد كثيراً من الثورات، فالثورة في الاتحاد السوفيتي تمثل حلاً نهائياً في القضاء على العوامل الدينية، حيث أقلعت الكنيسة الأرثوذكسية رسمياً عن جميع الإدعاءات الخاصة بالتدخل في سياسة الدولة التربوية. وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تم التوصل إلى توازن ثابت بعمل تقسيم ثابت أحدهما النظام العلماني العام والأخر هو المدارس الطائفية الخاصة.

ويعتبر جون ديوي John Dewey من رواد العلمانية، فهو مثل بارز للتراث الإنساني وهو أمريكي مازالت حياته وفلسفته عاملين مؤثرين سواء في المجتمع الأمريكي أو المجتمعات الأوربية. وقد أعطى جون ديوي John Dewey ثلاثة أسماء لفلسفته هي: البرجماتية Pragmatism ، والإنسانية Humanism ، والتجريبية Experimentation ، ففلسفة جون ديوي John Dewey برجماتية وذلك بسبب إخضاعها الفكر للعمل (نفعية)، وهي إنسانية لحصرها جميع القيم في تيار الخبرة الإنسانية، وهي فلسفة تجريبية لدعوتها إلى سمو المناهج العلمية التجريبية، أما موقف جون ديوي John Dewey من أي دين موحى به فإنه سلبي بحت وفلسفته بكل صراحة نسبية ترفض أي أفكار أو حقائق مطلقة فهو يقول أن سياق ومادة الخبرة تدعمان الحياة وتبقيها، كما توفر إمكانياتها جميع الأهداف والمثل العليا التي تنظم السلوك. والنظرة البرجماتية في الذكاء تعني أن وظيفة العقل هي عرض أهداف جيدة وأكثر تعقداً لتحرير الخبرة من الروتين ومن الهوى، فليس استخدام الفكر بأن ننجز هدفاً أعطي من قبل سواء في ميكانيكية الجسم أو في تلك الآلية الخاصة بالحالة القائمة بالمجتمع، ولكن استخدام الذكاء في الدرس البرجماتي يكون لتحرير العقل وتوسيع مجالات الاختيار فيه .... ويضيف نيقولاس هانز Nicholas Hans بأنه لا منازع في أن فلسفة جون ديوي John Dewey وما أنجزه كمصطلح مدرسي وأستاذ جامعي قد أثر بعمق في التربية المعاصرة ولكن من الشكوى فيه جداً أن تكون نسبية البرجماتية هي الكلمة الأخيرة في النظرية التربوية([2]).

           الاشتراكية: وقد كانت أساساً احتجاجاً على استغلال الأقلية الحاكمة للجماهير من الناحية الاقتصادية فى ظل الرأسمالية فى فجر الثورة الصناعية.. ومع أن الاشتراكية مذهب اقتصادى قبل أى شئ آخر إلا أنها أثرت على التعليم. ويقول نيقولاس هانز Nicholas Hans  أن بيير ليرو Pierre Leroux  قد استخدم لفظ الاشتراكية في الفلسفة الاجتماعية لأول مرة في مجلته المسماة " الكرة الأرضية Globe "  وهي المجلة التي كانت تعبر عن آراء أتباع سانت سيمون  Saint Simon ، ابتداء من عام 1831م إلى ما بعدها، ولكن المفاهيم التي تقوم عليها الفلسفة الاشتراكية أقدم من ذلك، وكما أن الفلسفة الإنسانية ترتد في أصلها إلى أفلاطون كذلك أيضاً يمكن أن يقال في كتاب " الجمهورية " لأفلاطون وكذا " القوانين " تخطيط واضح للاقتصاد الاشتراكي للدولة وتطبيقه على النظام التربوي بها، أما مؤسس الاشتراكية السير توماس مور Sir Thomas More الذي كان متأثراً بأفلاطون بطريقة مباشرة (اليوتوبيا). وعندما أسس كارل ماركس Karl Marx  وفريدريك أنجلز Frederick Angles " الاشتراكية العلمية " كما حدد ذلك المنشور الشيوعي Communist Manifesto  في عام 1847م كان اصطلاح " الاشتراكية " مستعملاً في مؤلفات الاشتراكيين اليوتوبيين.

وكان اتجاه ماركس وأنجلز Marx & Angles عن الدين بوجه عام اتجاهاً عدوانياً، حيث قال أنجلز Angles : "أن الدين ليس إلا انعكاساً متعصباً في المخ الإنساني لتلك القوى الخارجية التي تحكم الوجود اليومي للناس، أعني انعكاساً تأخذ فيه القوى الأرضية بشكل ما فوق الطبيعة". وتعتبر وجهة نظره في الإلحاد هي العقيدة الرسمية لجميع الاشتراكيين الماركسيين.

وفي عام 1897م تحدث لينين Linen عن المبدأ الأساسي للتربية الماركسية قائلاً: "إن الإنسان لا يستطيع أن يتخيل المثل الأعلى للمجتمع في المستقبل دون الربط بين التربية وبين العمل المنتج للجيل الصاعد، فلا تدريس ولا تربية بغير عمل منتج، وليس من عمل منتج دون تدريس، وتربية يمكن أن يرتفع إلى المستوى الذي يتطلبه العلم الحديث والتكنولوجيا"، وأضاف لينين Linen  :"أن مبدأ الفنون والصناعات لا يتطلب تدريس كل شيء بل يتطلب معرفة بمقومات عمليات التصنيع الحديثة بوجه عام ... ومشكلة التربية هي ربط النشاط التعليمي بمشكلات المجتمع الاشتراكي"([3]).

ولم يقدما كل من لينين وستالين Linen & Stalin  وهما من مؤسسا الدولة الاشتراكية في روسيا، فلسفة تربوية متكاملة، ويقول بنكفتش Benkvitsh في كتابه: "التربية الجديدة في الجمهورية السوفيتية" يجب أن تكون السيطرة على التربية في أيدي الشيوعيين، ويجب أن تنشر الأفكار الشيوعية على نطاق واسع خلال الصحافة والأدب، مثل أدب الأطفال، ونظام التربية بالأسرة يجب أن ينظم في اتساق مع الأفكار الشيوعية. أما قانون التربية لسنة 1923م، المادة 23 يتحدث عن:" أن عمل المدرسة قائم على دراسة تفصيلية نظرية وعملية للنشاط العمالي للرجال ومنظمات هذا النشاط، والعمل كله بالمدرسة وتنظيم الحياة المدرسية بأسرها يجب أن يشجع الشعور بالطبقة الكادحة في عقول التلاميذ، وأن تخلق معرفة عن تضامن العمال في صراعها مع الرأسمالية، وبالإعداد كذلك لنشاط إنتاجي وسياسي مفيد. وواضح أن سياسة شاملة كهذه يجب أن تتخطى القيود الضيقة للتربية المدرسية البحتة، ويجب أن تتضمن دعاية سياسية منظمة عن المركز، وأن تشتمل على الأمة بأسرها، وذلك هو السبب في التربية الشيوعية بصدق على النشاط الخارج عن ساعات المدرسة الحقيقية.

وفي عام 1922م أنشأت منظمة الأطفال الشيوعية للرواد الصغار باسم الرفيق لينين Linen كمرحلة إعدادية لاتحاد الصغار الشيوعيين "الكومسومول". وفي عام 1925م نظم الأطفال الصغار في "اتحاد الأكتوبريين الصغار" وبهذا غطى صف الجيل الصاعد بأكمله بمنظمات شيوعية تتولى الرعاية، وحتى الحادية عشر يلتحق الأطفال بالأكتوبريين، ومن العاشرة حتى الخامسة عشر ينتمون إلى الرواد Pioneers، ومن الرابعة عشر إلى الثالثة والعشرين ينتمون إلى الكومسومول، وقبل أن يلتحق البيونير Pioneer الصغير عليه أن يقدم تعهداً في حضرة زملائه وممثلين عن الكومسومول والحزب، والتعهد يتضمن على ما يلي([4]): أنا بيونير الاتحاد السوفيتي في حضرة رفاقي أعد بخشوع بأني:

  • أقف بثبات في صف قضية الطبقة العاملة في صراعها لتحرير العمال والفلاحين بالعالم كله.
  • سوف أنفذ بشرف وثبات وصايا لينين Linen وقوانين وتقاليد البيونيرز Pioneers الصغار.

وفي عام 1947م، عرف كيروف Kirov رئيس الأكاديمية التربوية بموسكو التربية الشيوعية بأنها: "نشاط اجتماعي مخطط وهادف يتحقق على أيدي أشخاص وكلتهم الدولة خصيصاً لذلك وتتضمن محتويات هذا النشاط ما يلي:

  • رعاية الجيل الصاعد والإشراف عليه.
  • تسليحه بمعرفة منظمة وبالمهارات والعادات الضرورية لنشاطه العملي في المستقبل.
  • تدريبه على الانفعالات الضرورية والميول والاهتمامات وعادات السلوك وملامح قوة الإرادة والأخلاق التي تتمشى مع روح ومبادئ الأخلاق الشيوعية.

ويقوم المثل الأعلى الشيوعي على الإخاء العالمي، ومبادئ إخاء جميع الشعوب بغض النظر عن جنسيتهم ومعتقداتهم ولغتهم وشعبهم أو جنسهم.

القومية: باعتبارها تعبيراً طبيعياً عن شخصية الأمة وتستطيع الدراسة المقارنة للقومية سواء أكانت القومية فى شكلها المشروع أم فى شكلها المتطرف وما لها من أثر فى نظم التعليم أن توضح كثيراً من مشكلات التربية.

ويرى هانز Hans أن القومية كعامل اجتماعي تختلف بوضوح عن المجتمع الجنسي أو اللغوي أو الديني، والجنس عامل بيولوجي ولكن نلاحظ أن أعضاء نفس الجنس قد ينتمون إلى مقومات كثيرة أو أن الأعضاء في نفس القومية قد يكونون من أصل جنس مختلف، والمجتمع اللغوي يرتبط أكثر ما يرتبط بطريق مباشر بالقومية، وكقاعدة عامة فإن أعضاء نفس اللغة يكونون أكثر انتماءاً قومياً ولكن الاختلافات في اللغة لا تقف عائقاً في تشكيل الجنسية الواحدة Nationality مثلما هو حادث في الصين والنرويج، فالاختلافات في اللغة ليست عقبة في تشكيل الجنسية الواحدة والمجتمعات الدينية تتخطى الفوارق القومية مع استثناءات قليلة ولا تصبح ملامح قومية إلا بارتباطها بعوامل أخرى، والمجتمعات المدنية تقوم على أرض محدودة وعلى تشريع حكومي، فهم أمم وليست قوميات، ويعرف هانز Hans القومية بأنها مجموعة سيكولوجية ذات نظرة مشتركة، والجنس واللغة والدين والأرض تقوي الشعور بالقومية، ويضيف هانز Hans أن القومية أو الشعور القومي: حالة عقلية تنتج عن البيئة الاجتماعية والتربوية.

وقد ذهب هانز Hans إلى أن نقص أحد هذه العوامل لا يترتب عليه خطر أو تهديد للوحدة القومية. كما أن شخصية الأمة هى نتيجة لتفاعل الظروف التاريخية والجغرافية والدينية واللُغوية والسلالية. ولابد للنظم القومية للتعليم أن تتأثر بهذه العوامل ولابد لها أيضاً أن تمتد جذورها إلى الماضى السحيق حتى ولو كانت هذه النظم وليدة حكومات ثورية أقامتها عن قصد لتطوير وإصلاح النمط الموروث للأمة أو الشعب. ذلك لأن تراث الماضى للشعوب يصعب التغلب عليه أو القضاء عليه بسرعة، بل إن أشد الحركات الثورية عنفاً كان عليها أن تكيف مبادئها وأفكارها الجديدة للظروف التاريخية والحضارية القائمة. وعلى هذا فإن النظم القومية للتعليم تضرب بأغوارها فى الماضى البعيد وتصل ذلك بالحاضر والمستقبل.

ويعتقد هانز Hans أن ماضى النظم القومية قد تُشكل فى الغالب نتيجة عوامل مشتركة بين كثير من الأمم، لذلك فإن مشكلات التربية فى البلاد المختلفة متماثلة، كما أن المبادئ التى توجه حلولها يمكن مقارنتها بل وتوحيدها. ويقول هانز Hans إن الدراسة التحليلية لهذه لعوامل من الناحية التاريخية ومقارنة الحلول المستخدمة لمواجهة المشكلات الناجمة هى الهدف الرئيسى للتربية المقارنة. وتطبيق نتائج هذه الدراسات خارج مجال التربية المقارنة بمعناها الصحيح يقع من الناحية النظرية فى نطاق فلسفة التربية، كما يقع من الناحية العملية فى نطاق إدارة وتنظيم التعليم.

ويرى هانز Hans أن نمو الشعوب ومن ثم نمطها القومى، قد تأثر بثلاث مجموعات من العوامل هى: العوامل الطبيعية وتشمل عامل الجنس واللغة والبيئة الجغرافية والاقتصادية، والعوامل الدينية وتشمل المسيحية والإسلام والهندوسية والبوذية والكونفوشية، والعوامل العلمانية وتشمل الإنسانية والاشتراكية والقومية.

وفي ضوء ما سبق يمكن القول بأن العوامل الإنسانية من وجهة نظر هانز Hans سواء منها ما يتعلق بالبيعة الإنسانية والرغبات الإنسانية، يجب أن لا تكبت بالدين أو بتفضيل مثالية الزاهد والتفسيرات العقائدية للعالم، ويضيف هانز Hans أن طبيعة الطفل ونمو عقله يجب ألا تكبت بنظام المدرسة القاسي وطرق التعليم الصارمة. فالعوامل الإنسانية في نظر هانز Hans وفي أصولها تعني تحرر السبب من العقيدة وهي تعني ملاحظة الحقائق الواقعية بعيداً عن هذه القيود. ويذهب هانز Hans إلى أن العوامل الإنسانية تعود في أصولها إلى أفلاطون، كما أنه يربط بينها وبين الاشتراكية ويقول أن أفلاطون في كتابيه " الجمهورية والقوانين " وللمرة الأولى منذ فجر التاريخ قد وصف بوضوح اقتصاد الدولة الاشتراكي وتطبيقه على فلسفة النظام التعليمي (التربوي)، أما عن القومية فهي عامل اجتماعي ويجب تمييزها عن العنصرية واللغوية، والدينية، وكذلك المدنية. وهي تعني: مجموعة سيكولوجية ذات مظهر مشترك وعادات متشابهة مؤسسة على صلة النسب المتشابكة.

ومن ثم فإن أسلوب نيقولاس هانز Nicholas Hans فى التربية المقارنة يتمثل فى الخطوتين التاليتين:

  • الخطوة الأولى: تتمثل فى دراسة كل نظام قومى للتعليم دراسة مستقلة منفصلة فى ضوء إطاره التاريخى وفى علاقته الوثيقة بتطوير ثقافته ونمطه القومى.
  • الخطوة الثانية: وتتمثل فى جمع المادة والمعلومات عن النظم الحالية للتعليم، وهذه المعلومات يمكن أن تتضمن الإحصائيات عن إدارة وتنظيم التعليم ونتائج اختبارات الذكاء والتحصيل.

ويمكن القول بأن منهج هانز Hans يقوم على اعتبار العوامل التي سبق الحديث عنها مفسرات تاريخية لتوجيه النظم التعليمية ويعتبرها أيضاً قوى مساعدة في تعيين مشكلات هذه النظم، حيث نجد أن هناك عدداً من الدول التي يمكن ملاحظة اشتراكها في سوابق ثقافية في قطاع التعليم، وكذا تشابه كبير في المشكلات التي يواجهها نظامها التعليمي، وهذه تستوجب المقارنة. ويضيف هانز Hans في هذا السياق لبيان وضع هذه الظاهرة: أن التحليل المقارن لتلك السوابق من الناحية التاريخية ومقارنة تلك الحلول التي حاولتها هذه الدول لمشكلاتها التعليمية المترتبة على تلك السوابق هو غرض رئيسي من أغراض التربية المقارنة.

نقد منهج نيقولاس هانز             Nicholas Hans:

ومع أن منهج هانز Hans هو منهج تاريخى تحليلى شامل، إلا أن هناك بعض النقد الذى وجه إليه، فبرايان هولمز Brian Holmes مثلاً يعتبر هانز Hans من أتباع المدرسة الوصفية التى أسسها كاندل Kandel، وفريدريك شنايدر Frederick Schneider بيد أن هانز Hans فى نظر هولمز Holmes، لم يكن مجرد شارح وصفى وإنما كان يبحث عن الأسباب والعوامل المسئولة، وكان اهتمامه بتأثير قوة الأفكار أكثر من اهتمامه بالإحصاءات. بمعنى أن هانز Hans كان يبحث عن الأسباب والقوى والعوامل الثقافية المسئولة والتى تقف خلف هذه النظم التعليمية.

ويقول سيريجليانو Cirigliano فى هذا الصدد: «إن العوامل إلى شرحها هانز Hans تبين لنا لماذا، لكنها لا تقول لنا بالضبط كم أو إلى أى مدى هذا التأثير، بمعنى أن هذه العوامل لا تقيس وإنما يمكن أن تشرح أى شئ، لكن هذا لا يقلل من الأهمية العلمية لهانز Hans والمكانة المرموقة التى يمثلها فى ميدان التربية المقارنة»([5]).

 

([1]) اعتمد المؤلف على المصادر التالية:

  • أحمد إسماعيل حجى. التربية المقارنة. القاهرة: دار الفكر العربى، 1988م ص ص24-26.
  • محمد منير مرسى. مرجع سابق، ص ص49-52.

([2]) عبد الجواد بكر وآخرون. المرجع السابق.ص ص 68-69.

([3]) المرجع السابق.ص 70.

([4]) المرجع السابق.ص 71.

([5]) G. Cirigliano. "Stages of Analysis in Comparative Education". Comparative Education Review. Vol. 10, No. 1, 1966, pp. 18-20.