الجريمة: دراسة مقارنة بين الشريعتين اليهودية والإسلامية

 

خالد مصطفى هاشم

 

وصف الكتاب:  يقع الكتاب في نحو 570 صفحة من القطع الوسط

صدر عن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، فرجينيا ، 2007

 

 مقدمة الكتاب ومحتواه

          ولا تزال ثنائية الخير – الشر دائرة في حلبة الصراع بين طرفيها ، وهو صراع تأججه الطبيعة الجدلية لطرفي هذه العلاقة ، فالخير يفضى إلى الخير ، والشر يفضى إلى الشر ؛ ليتتالى هذا الصراع ويستطيل .. ربما لحكمة البقاء والاستمرار ، وربما لحكمة الابتلاء والاختبار !

          وكما أن للخير وجوهاً عديدة ، فكذلك الشر الذي تتعدد وجوهه أيضاً ، فيتمظهر – غالباً – فى أبرز تجلياته متخذاً نهج " الجريمة " ، ونعنى بها على الإطلاق : كل فعل مُحرَّم  حظرته الشرائع وعاقبت عليه . كما وأن للجريمة أشكالاً عديدة ، فقد تقع على الدين ، أو النفس ، أو العقل ، أوالعِرْض ، أو المال ، إلى غير ذلك .كما أنها تمس الفرد بخاصة ، أو المجتمع كافة .

          ومن هنا كانت الجريمة – ولا تزال – مثاراً لتكدير الإنسانية وزعزعة المجتمعات . ومن ثم ظهرت الشرائع – وضعية أو سماوية على حد سواء ، قديمها وحديثها – لتنظيم الحياة ، ومواجهة هذه الجريمة،وتحديد وضبط سلوك الفرد بشكل يلزمه بها ، ويتعقبه إذا ما تجاوز حد من حدودها .

          والفارق بين الشرائع الوضعية والشرائع السماوية هو ذلك " البعد الآخروى " الذى تتميز به الشرائع السماوية ،والتى تكفل السعادة للإنسانية ، ليس فقط فى الدنيا ، وإنما فى الآخرة ، إذا ما التزمت بها . إذ إنها تعمل فى اتجاهين متوازيين ، ذلك أنها تحكم علاقة الفرد بخالقه من ناحية ، كما تحكم علاقة الفرد بالآخرين من ناحية أخرى . بيد أن القانون الوضعي أحادى الاتجاه ، فهو يعمل فى إطار الهيئة الإجتماعية فحسب

 وعلى هذا النحو ، فإن عقيدة " اليوم الآخر " تستولد مبدأ " الجزاء الآخروى " ، والذى يسهم بنصيب كبير – بمشاركة الضمير الإنساني – فى الالتزام بالتشريعات السماوية . وعليه فالشرائع السماوية  تتمتع بقدر من الإلزامية فى ضوء هذه المرجعية العقـدية ، ذلك أن هذا الجزاء يمتد ليشمل " النيَّات " أيضاً، كذلك يمتد ليشمل المنفلتين من أيدى العدالة ، مما يخلق نوعاً من الوقاية الأَوليَّة ضد الجريمة ، لا يوجد لها نظير فى الشرائع الوضعية .

          وإذا كانت الشرائع السماوية ذات بعدين دنيوى . آخروى ،فإنها – كذلك - تكتسب بعداً ثالثاً، يتمثل فى عمق الشعور الباطنى للفرد بالطمأنينه ، وما تولده من سَكينة وسعادة ، أو الشعور باللَوْم ،وما يولده من قلق وألم إزاء تنفيذ الوصايا الإلهية أو خرقها ، فيما يمكن أن نطلق عليه- إن جاز التعبير –    " البعد النفسى " امتداداً للجزاء الأخلاقي .

ولما كانت الشريعة اليهودية هى إحدى مجالات الدراسة فى قسم اللغة العبرية ، فقد آثر الباحث أن يدور البحث فى مجالها ؛ لبيان الآليات والسياسات التشريعية فى مواجهة هذه الجريمة .

 و توسيعاً للفائدة صار البحث مشتركاً مع الشريعة الإسلامية ؛ للتعرف على أوجه التوافق والتغاير بينهما ، ولرسم الملامح المميزة فى كل منهما ؛ ولأنه بالمقارنة تثرى المعارف.

         وقد اختار الباحث من المجال التشريعي الخاص بمكافحة الجريمة بعض الجنايات أو الجرائم الكبرى، وهى جرائم الاعتداء على النفس ، والعرض ([1]) ، والمال ([2])، والتي تشكِّل الثالوث التقليدى للجريمة فى محيط العلاقات البشرية ، بوصفها من أخطر الجرائم مساساً بالأفراد والمجتمعات ،كما أن مواجهتها تعد مقصداً من مقاصد الشرائع السماوية عامة ، وموضوعاً للتشريع الجنائي الإسلامي خاصة .

         هذا ويُعنَى البحث –أساساً- بدراسة الجانب النظري لهذا المجال التشريعي في كل من الشريعتين اليهودية والإسلامية، والذي يقف عند حدود النصوص التشريعية أو الطروحات القانونية فقط، ولا يتجاوزها إلى الميدان التطبيقي([3]) لأيٍّ من الشريعتين، مما لا يتسع له المقام.

 

إشكالية الدراسة

والإشكالية هنا تعنى ذلك المأزق الفكرى أوالمعضلة النظرية التى تتعلق بالطرح النظري لموضوع الدراسة . وتتمثل في نقطتين رئيسيتين : -

 ( أ ) مشكلة إمكانية المقارنة Comparability : وهى تدور حول مدى جوازية المقارنة فى ظل اختلاف طبيعة اليهودية عن طبيعة الإسلام ، ذلك أن اليهودية قد فارقت أصولها الأولى عبر فاصل زمنى طويل ، جرت فيه أحداث تاريخية عديدة ، وحلَّت على أثرها تغييرات هائلة فى جوهر الشريعة المُوسَوِية ، فأبدلت طبيعتها الإلهية طبيعة بشرية إلى حد ما ؛ مما قد يجعل المقارنة خاطئة منهجياً ، أوغير عادلة ، إذا ما قامت على هذا الأساس ؛ لعدم تماثل المقام بينهما . 

          بيد أنه يمكن تسويغ هذه المقارنة انطلاقاً من انتمائية اليهودية ( فى صورتها الموسوية ) والإسلام الى أصل واحد هو "  الأصل السماوى " . فإذا كان الفرع "الموسوى" قد انتُزِع من جذوره واتخذ شكلاً يهودياً ، فإن ذلك لا ينفى أصله السماوى ، مما يجعل من السهل علينا ردّه إلى أصله ، وتقليم ما شطأ منه من براعم غريبة . وهذا لا يتم دون المرور بعملية فحص شاملة لهذا الفرع من عدة جوانب عقائدية، وأخلاقية ، وقانونية ، وبتحديد أوجه الاتفاق والاختلاف مقارنة بالأصل يتسنى لنا تأصيل هذا الفرع ورده إلى جذوره بعملية ربط من خلال الأنسجة المتآلفة بعد إستبعاد الأنسجة الغريبة .

 ( ب ) مشكلة اختيار وحدة المقارنة : وهى تنشأ من عدم تماثل الموضوع الجنائى فى الشريعتين مماثلة تامة ، ذلك أن ما بعد جناية فى إحداهما قد لا يعد كذلك فى الأخرى ([4]) . وحسماً للمشكلة فقد آثر الباحث اختيار الموضوع الجنائي الإسلامي نموذجاً تتعين على أساسه الوحدات المقارَنة فى التشريع اليهودى ؛ نظراً لتحديده ودقته ، فى مقابل اتساع وتعقد الموضوع الجنائى اليهودى .

 أهداف الدراسة

 لما كانت أهمية الأشياء تُقَاس بغاياتها وتُستَمَد من أهدافها ، فإن أهمية هذه الدراسة تنبع مما ترمى إليه ، حيث تستهدف تحليل جانب هام من جوانب الديانة اليهودية ، وهو الجانب التشريعي المتعلق ببعض الجرائم الكبرى ، وهى الجناية على النفس أو" القتل " ، والجناية على العرض بالقول أو" القذف " ، والجناية على المال أو " السرقة ". كما أن الدراسة من ناحية أخرى تحاول الإسهام – ولو بقدر محدود – فى تقديم تفسير جديد للشريعة اليهودية فى ضوء مقارنتها بالشريعة الإسلامية . هذا وتصوب الدراسة نحو العديد من الأهداف ، أهمها ما يلى :-

 -        تحديد محتوى التشريع الجنائى اليهودى .

 -        تحليل السياسات التشريعية اليهودية فيما يتعلق بالجنايات موضوع البحث .

 -    مقارنة مواقف كلتا الشريعتين إزاء هذه الجرائم ، وبيان مدى التباين والتماثل فى أسلوب مواجهتهما ، والتعرف على مدى فاعلية وسائل كل منها فى إتمام تلك المواجهة ، والوقوف أيضاً على تلك الآثار الإيجابية أوالسلبية الناجمة عنها ، وتحديد الملامح المميزة للسياسة الجنائية فى كل منهما .

 -    نقد الخطاب التشريعى التوراتى فى ضوء الخطاب التشريعى القرآنى ؛ لتمييز الأثر الإلهى من الأثر البشرى واستحضار روح الوحى فيه .

 تساؤلات الدراسة :

هذا ، وتحاول الدراسة بلوغ الأهداف السابقة من خلال طرح عدة تساؤلات مركزية ، هى على النحو التالى :

-        ما هى أنواع وأحجام الجرائم فى الشريعتين اليهودية والإسلامية ؟

-        ما هى حدود العقوبات فى كل من الشريعتين ؟

-        ما مدى المرونة فى أحكام الشريعتين تجاه الجنايات موضوع البحث ؟

-        هل ثمة مساحة للعفو عن العقوبة فى هذه الجرائم ؟

-    هل ثمة أثر للتوبة فى سقوط العقوبة - سواء الدنيوية أوالآخروية - على هذه الجرائم فى الشريعتين؟

-        ما هى أوجه الاتفاق والاختلاف فى مواقف كل من الشريعتين إزاء الجرائم موضوع الدراسة ؟

-        ما هى الكيفية التشريعية المُثلَى للتطبيق فى مواجهة هذه الجنايات ؟

 منهجية الدراسةMethodology  

 لما كان المنهج "هو الطريقة الموصِّلة للمطلوب ، بالتالى فإن إخطاء المنهج يقود الى إخطاء المستهدف ،والعكس صحيح ، فإن سلامة المنهج تؤدى إلى سلامة النتائج . وعليه كان من دواعى التأصيل المنهجى تحديد منهج مناسب وطبيعة هذه الدراسة يعصم البحث من التخبط، ويؤمن سبل الوصول إلى الأهداف المقصودة . ومن ثم فقد توسَّل الباحث بعدة مناهج ، لتحصيل الغاية المرجوة قدر الإمكان ، وذلك على النحو التالى :-

 أولاً : المنهج التحليلى  " The analytical  approach   "

 وهذا المنهج يأتى كإجراء أساسى وأَوَّلي ، بهدف تحليل الكُلِّيات أوالقضايا المركبة ، وردّها إلى أجزائها ، لفحصها بعناية ، واستجلائها من مختلف جوانبها . ويقوم الباحث من خلاله بتحليل البرامج أو السياسات التشريعية وتهيئتها لعملية المقارنة والنقد .

ثانياً : المنهج النقدى / المُقَارِن  “ The Comparative / Critical  approach

وبعد تنفيذ عملية التحليل للبيانات محل الدراسة ، يأتى دور عمليتى النقد والمقارنة ؛ للوقوف على هذه البيانات أو المعطيات ، ومحاولة تقييمها من جهة ، ووضعها موضع المقارنة بين طرفيها ( الشريعة اليهودية _ الشريعة الاسلامية ) من جهة ثانية ، لإعادة تقييمها مرة أخرى “Recriticism “، وتحصيل النتائج النهائية .

 وهذا المنهج  النقدى/ المقارن – فى جوهره – مؤلَّف من منهجين متمايزين بحسب طبيعة كل منهما وآلياته ، غير أنهما يمتزجان هنا ، بحيث قد يصعب فصل أىٍ منهما  عن الآخر ، فإذا كانت المقارنة بالنسبة لهذه الدراسة تمثل الشكل أو" المادة " ، فإن النقد منها يمثل " الروح "        ( إن جاز التعبير).

 ويعمل المنهج النقدى المقارن هنا – حسب تصور الباحث – فى مجالين متداخلين ، وذلك بالكيفية التالية : - 

(أ‌)           المجال النصِّى “ The holy Texual field "

ونعنى به النص الرئيسى فى الشريعتين ، وهو " التوراة " بالنسبة للشريعة اليهودية ، و " القرآن" بالنسبة للشريعة الإسلامية . والقياس والحكم فى هذا المجال سيكون بميزان القرآن ،

 باعتباره الآلية النقدية الرئيسية التى بها تُفحَص التوراة الحالية ، ويُميَّز فيها بين أصيلها ودخيلها ، وذلك مصداقاً لقوله تعالى : ( وأنزلنا إليك الكَتابَ بِالحقِ مُصَدِّقاً لما بين يَدَيهِ من الكتابِ ومُهَيْمِناً عليه فَاحْكُم بي نهم بما أنَزَلَ اللهُ ) ([5]) ، يدعم ذلك الحقائق المستقرة بشأن ثبات النص القرآنى ،مقابل ما ثبت من نتائج علمية   - كذلك - حول تغيير النص التوراتى الأصلى بفعل التدخلات البشرية فيه .

     وإذا كانت الآلية القرآنية هى أهم أدوات عمليات النقد التوراتى ، وبالأخص فى المجال التشريعى القانونى ، فإن التشريع بوصفه تجلياً اجتماعياً فى أساسه ، فإنه غالباً ما يكون مرهوناً بواقع تاريخى/اجتماعى معين ، فالتوراة كشريعة سابقة ، وتمثل حلقة تاريخية من سلسلة التشريع السماوى ، قد تحوى بعض التشريعات المغايرة للتشريعات القرآنية اللاحقة عليها ، وذلك بمحاذاة البعد التاريخى .

 وعلى هذا الضوء يمكن أن يتمفصل الخلاف التشريعى بين القرآن والتوراة على محورين مركزيين:

1 – محور التدريج ([6]) : والذى يقيم الاعتبار للبعد التاريخى ، ويعزو الخلاف فى بعض التشريعات التوراتية – القرآنية لدينامية التطور ، بحيث تأتى التشريعات القرآنيـة متدرجـة عـن

التشريعات التوراتية تمشياً مع التطور الحضارى للإنسانية ، وإن كان يتعذر تثبيت هذا المحور من الخلاف فى غياب الإعلام القرآنى نفسه .

2 – محور التحريف : ويثبت فى اليهودية ، ويقصد به – هنا – تشويه الوحى أوالرسالة الإلهية (التوراة) بالتدخل البشرى فى مبناها ( النص ) أو معناها بالزيادة أو الحزف .وهذا التحريف يمكن أن يُعزَى لسببين:

-        لحساب عنصرية ([7]) ترمى الى تمييز العنصر اليهودى عن سائر العناصر البشرية .

  • لمؤثرات خارجية ([8]) من تشريعات وضعية سابقة أثرت فى النص الأصلى وأضافت إليه من مادتها أو روحها .

 

  • المجال الفقهى “ The Jurisprudential field "

ونعنى به الاجتهادات البشرية الفقهية فى الشريعتين اليهودية والإسلامية من توسعات حول النصوص الشرعية ، واستنباطات أو آراء مؤسِّسة لأحكام فرعية أو تفصيليـة . والقياس والحكم فى هذا المجال إنما يكون بميزان المنطق وثوابتـه ، وحكم العقـل لما يمكن قياسـه أو اختباره من هذه الأحكام التفصيلية بمدى إمكانية صلاحها أو فسادها ، ومدى احتمالية نجاحها أو إخفـاقها نظرياً أو عملياً ؛ كى تكون المقارنة عادلةً وغير منحازة ( قدر الإمكان ) ، وحتى تخـرج النتائـج أقـرب إلى الموضوعية والحيادية .

ثالثا : المنهج التركيبى : “ The synthetical approach "

 

وتلى عمليات التحليل ، والنقد والمقارنة ( أو المقارنة والنقد ) عملية تركيب أخيرة               “ synthesis”  تعمل بكيفية مضادة لعملية التحليل السابقة ، بهدف جمع وتركيب للجزئيات ، وإعادة بناء القضايا المفردة أو النتائج الجزئية حاصلات النقد والمقارنة ؛ لبناء تفسير كُلِّى أو تصور أكثر شمولية لما وراء النتائج الجزئية .

 

 خطة الدراسة

 

تنقسم هذه الدراسة إلى مدخل وأربعة فصول ، وتعقبها خاتمة بأهم النتائج . وذلك على النحو التالى:

 مدخل  :   الجنايات فى الشرائع القديمة

وقُصِد من ورائه التسبيق بوضع خلفية تاريخية ، وذلك بهدف الربط بين التشريعات السماوية (اليهودية – الإسلامية )والتشريعات الوضعية السابقة عليها ، لرصد نقاط التوافق والتغاير بينهما  ، ولمتابعة التغييرات والتطورات التى أحدثتها تلك الشرائع السماوية ، وما أقرته فى نفس الآن حيال التشريعات الخاصة بالجرائم موضوع البحث . وينقسم هذا المدخل الى قسمين :

أولاً : الجنايات فى التشريع البابلى ، وذلك لما لهذا التشريع من تأثيرات واضحة فى التشريعات  اليهودية

ثانياً : الجنايات فى شبة جزيرة العرب قبل الإسلام ، وذلك باعتبارها ( أى جزيرة العرب ) مهبط الشريعة الإسلامية ، وذلك كى نتعرف على ما أحدثته هذه الشريعة من تغيير ، وما أقرته من المفاهيم الشرعية التى سادت قبل نزولها .

 

الفصل الأول : تمهيد فى مصادر التشريع الجنائى ومحتواه فى الشريعتين اليهودية والإسلامية . وذلك للإحاطة بجوهر الشريعتين وطبيعة الأحكام فيهما ، وما تمتاز به كل منهما من خصائص ؛ لأن الحكم على الشىء فرع عن تصوره . وينقسم هذا الفصل إلى مبحثين :

المبحث الأول  : مصادر التشريع الجنائى فى الشريعتين

المبحث الثانى : محتوى التشريع الجنائى فى الشريعتين .. وينتهى الفصل بخلاصة لما تناوله ، وأهم النتائج التى تمخضت عنه .

 

الفصل الثانى : الجناية على النَّفْس فى الشريعتين اليهودية والإسلامية .    وينقسم إلى تمهيد ، وثلاثة مباحث :

  • تمهـــــــــــــــيد : فى تعريف القتل ، وصور الجناية على النفس
  • المبحث الأول :  جناية القتل العمد . وينقسم بدوره إلى خمسة مطالب تعالج أركان هذه الجناية، ووسائل الإثبات فيها ، وأحكام العقوبة عليها
  • المبحث الثانى : جناية القتل شبة العمد . وينقسم إلى مطلبين ، يتناول الأول أركان هذه الجناية، ويتناول الثانى أحكام العقوبة عليها
  • المبحث الثالث : جناية القتل الخطأ . وينقسم كذلك إلى مطلبين ، يدور الأول منهما حول أركان هذه الجناية ، ويدور الثانى حول أحكام العقوبة عليها . وينتهى هذا الفصل بخلاصة متضمنة لأهم النتائج الخاصة به .

 

الفصل الثالث :   الجناية على العِرْض بالقول فى الشريعتين اليهودية والإسلامية. وينقسم إلى تمهيد ، وثلاثة مباحث :

  • تمهيـــــــــــــــد : فى صور الجناية على العرض ، وتعريف القذف
  • المبحث الأول : أركان القذف
  • المبحث الثانى : أحكام عقوبة القذف
  • المبحث الثالث : اللِعَـــــــان ..  ويُخْتَتَم الفصل بخلاصة شاملة لأهم النتائج المتعلقة به.

 

الفصل الرابع : الجناية على المَال فى الشريعتين اليهودية والإسلامية .        وينقسم إلى تمهيد ، وثلاثة مباحث :

  • تمهـــــــــــــــيد : فى صور الجناية على المال ، وتعريف السرقة
  • المبحث الأول : أركان السرقة
  • المبحث الثانى : وسائل إثبات السرقة

 المبحث الثالث : أحكام عقوبة السرقة .. وينتهى الفصل بخلاصة تتضمن أهم النتائج المتعلقة به .

  • خاتمة : وتعرض بإيجاز لمحتوى هذه الدراسة ، وما أسفرت عنه من نتائج . حيث تجيىء 

النتائج كلِّية ومركَّزة ، وبعيدة عن التجزيىء والتفصيل ؛ تجنباً للتكرار، وذلك من خلال النظر فيما وراء النتائج الجزئية ، واحتوائها ، والخروج منها بتفسيرات أكثر عمومية عن طبيعة الشريعتين ومقاصدهما وآلياتهما فى حفظ هذه المقاصد .

 

                                              والله ولى التوفيق …  

 

 هوامش:

 ([1]) للجناية على العرض وجهان رئيسيان : أحدهما " مادى " ، وهو الاعتداء على العرض بالفعل ، ومنه " الزنا " ، والآخر " أدبى "  أو معنوى ، وهو الاعتداء بالقول أو " القذف " . هذا ، وقد تم دراسة الجانب المادى من هذه الجناية فى رسالة ماجستير بعنوان " موقف اليهودية والإسلام من الزنا " ، إعداد الباحث / خالد السيد عبد اللطيف (القاهرة : جامعة الأزهر ، كلية اللغات والترجمة ، 1995 ) . واجتناباً للتكرار اكتفى البحث بدراسة الجانب الآخر لهذه الجناية ، وهو الجانب الأدبى أو ما يُسمَّى بالقذف . 

([2]) للجناية على المال فى الشريعتين اليهودية والإسلامية أكثر من صورة ( كما سيتضح فى ثنايا البحث ) أشهرها ، وأكثرها تحديداً من الناحية القانونية صورتان رئيسيتان ، وهما : (أ) " السرقة " ، (ب) " الحِرَابة " فى الشريعة الإسلامية ، والحرابة يقابلها فى الشريعة اليهودية – على سبيل التقريب – "السَّلْب". والـمُتَنَاوَل بالدراسة ضمن هذا البحث هو جريمة " السرقة " فقط . أما موضوعا الحرابة والسلب فبالرغم من وجود بعض الشبه بينهما ، والذى يرتكز على علنية الإعتداء ، إلا أنه لا يقوى على الجمع بينهما فى إطار عملية مقارناتية ؛ ذلك بأن لكل منهما تكييفاً خاصاً وأحكاماً مميزة ، يختلف بهما الواحد عن الآخر .            

([3]) من الناحية العملية حالياً، فإن أكثر الدول الإسلامية لا تطبق الشريعة الإسلامية بصورة كاملة، أو على الأقل لا تطبقها بالكيفية المثلى، وفي حين أن طرح هذا الموضوع نفسه يمثل "إشكالية"، أما دولة اليهود أو المسماة "بدولة إسرائيل" فإن الاتجاه الرسمي لها يأخذ  –في الغالب- المسار العلماني، والذي تعتمد فيه النظم والقوانين –مهما تعددت- على التشريعات الوضعية الحديثة بشكل أساسي.

([4]) إن عدم تطابق الموضوع الجنائى فى الشريعتين اليهودية والإسلامية راجع إلى اختلاف التكييف القانونى فى الشريعتين لبعض الجرائم تبعاً لاختلاف العقوبات عليها . فعلى سبيل المثال : إن جريمة " السرقة " فى التشريع الإسلامى تصنَّف ضمن القانون الجنائى ، فى حين تصنف فى الشريعة اليهودية ضمن القانون المدنى . كذلك فإن جريمة " عقوق الوالدين " فى اليهودية تصنف ضمن القانون الجنائى ، فى حين تخضع الجريمة ذاتها فى التشريع الإسلامى لقانون التعازير . أيضاً فإن جريمة " شرب الخمر " أو السكر تعد فى التشريع الإسلامى من الجنايات ، بينما فى اليهودية لا تعد جريمة بالمعنى القانونى. كذلك فإن جريمة الزنا بعذراء فى الإسلام تعد ضمن محتوى التشريع الجنائى ، أما فى اليهودية فلا تعتبر كذلك ، وتعد من الجرائم المدنية .. وهذا على سبيل المثال وليس الحصر ، وهو ما سوف نعرض له تفصيلا فى متن هذه الدراسة .

( [5] ) سورة المائدة ، آية 48 .

( [6] ) ومن أمثلة هذا التدريج التشريعى :

  • شريعة " القصاص " : حيث جاءت فى اليهودية كعقوبة ثابتة على القتل العمد ، ثم تطورت فى التشريع الإسلامى لتصير " خيارية " ، حيث ورد فى التوراة :" كل من قتل نفساً فعلى فم شهود يقتل القاتل … ولا تأخذوا فدية عن نفس القاتل المذنب للموت ، بل إنه يُقتَل " ( العدد : 35/30-31 ) ، وقد صدَّق القرآن على هذا الحكم التوراتى فقال تعالى : ( وكَتَبنَا عليهم فيها أنَّ النفسَ بالنفسِ ) ( المائدة : 45 ) ، ثم تطور هذا الحكم فى القرآن واتسع ليشمل – كذلك – " الدِّيَة " ، و" العفو" كخيارات ، فقال تعالى :  (كُتِبَ عليكم القِصَاصُ فى القَتْلَى الحُرُّ بالحرِّ والعَبْدُ بالعبدِ والأُنْثَى بالأنثى فمن عُفِىَ له من أخيه شيىءُُ فاتِّبَاعُ بالمعروف وأداء إليه بإحسانِ ، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ) ( البقرة : 178 ).

  – تحريم بعض الأطعمة : فقد حرمت التوراة على بنى إسرائيل أكل كل ذى ظُفُر ، وهو ما لم تُفرَق أصابعة كالإبل . جاء فى التوراة : " هذه هى الحيوانات التى تأكلونها من جميع البهائم التى على الأرض ، كل ما شق ظِْلفاً وقسمه ظلفين ويجتَرُّ من البهائم فإياه تأكلون ، إلا هذه فلا تأكلوها مما يجتر ومما يشق الظلف . الجمل ،لأنه يجتر ، لكنه لا يشق ظلفاً فهو نجس لكم. والوَبْر ، لأنه يجتر ، لكنه لا يشق ظلفاً فهو نجس لكم . والأرنب ، لأنه يجتر ، لكنه لا يشق ظلفاً فهو بخس لكم" (اللاويون : 11/2-6 ) . وقد أعلم القرآن عن هذا التحريم بالنسبة لبنى إسرائيل ، فقال تعالى : ( وَعلَىَ الذين هَادُوا حَرَّمنا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ ) ( الأنعام : 146 ) . وقد نسخ القرآن هذا الحكم نفسه ، ليحل للمسلمين ما قد حُرِّم على اليهود فيما مضى ، قال تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فى ما أُوحِىَ إلىَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِم يَطعَمُه إلاَّ أن يكون مَيْتَةً أو دَماً مسفُوحاً أو لحم خنزير فإنه رِجسُ أو فِسْقاً أُهِلَّ  لغير الله به ) ( الأنعام : 145 ) 

([7]) ومن مظاهر هذه العنصرية فى التشريع ، على سبيل المثال ، ما تنص عليه التوراة من التمييز القانونى بين اليهودى وغير اليهودى ، حيث جاء :  " لا تقرض أخاك بربا ، ربا فضة أو ربا طعام أو ربا شىء ما مما يُقرَض بربا . للأجنبى تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا " ( التثنية : 23/19-20 ) . وورد كذلك بشأن قانون الرِّق : " إذا بيع لك أخوك العبرانى أو أختك العبرانية وخدمك ست سنين ففى السنة السابعة تطلقة حراً من عندك " ( التثنية : 15/12) ، " عبيدك وإماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم منهم تقتنون عبيداً وإماءً ، وأيضاً من أبناء المستوطنين النازلين عندكم منهم تقتنون ، ومن عشائرهم الذين عندكم الذين يلدونهم فى أرضكم فيكونون ملكاً لكم وتستملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك . تستعبدونهم إلى الدهر . وأما إخوتكم بنو إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف " ( اللاويون : 25/44 –46).

([8])ومن أمثلة ذلك : المؤثرات البابلية فى بعض القَصَص التوراتى ، وفى بعض التشريعات كذلك ، كالتى تختص بالكهانة ، والقوانين ، وأساليب التحكيم الإلهى ، وغيرها من التشريعات المستفادة من البيئة والثقافة البابلية ، والتى استلهمها اليهود أو اقتبسوها أثناء فترة السَّبْى البابلى لهم ( 722 ق.م ، 586 ق.م ) . وبعض هذه المؤثرات - وخاصة فى مجال التشريعات والقوانين – سوف نعرض لها فى ثنايا هذه الدراسة .