الفصل الرابع
" الإله" في العقيدة اليهودية
توجد داخل اليهودية، من حيث هي بنية تراكمية ، طبقات فكرية مختلفة تراكمت عبر الأجيال فعكست رؤى متناقضة حيال الخالق: منها ما ينطوي على التوحيد الخالص ، ويدور حول الإيمان بالإله الواحد الذي لا جسد له ولا شبيه، الذي لا تدركه الأبصار وتعتمد عليه المخلوقات كافة ولا يعتمد هو على أيٍّ منها، إذ هو يتجاوزها جميعاً ويسمو عليها، وكل مظاهر الطبيعة والتاريخ ليسـت إلا تعبيراً عن قـدرته. وفي مقابل ذلك ثمة رؤية تتضمن درجات مختلفة من الحلول والتجسد أو التشبيه بعضها أبعد ما يكون عن التوحيد والتنزيه الخالص([1])، فهو إله يمسه التعب ، وينسى ، ويحس بالندم. كما أن هناك رؤية تمزج ما بين الفكر التوحيدي والفكر العنصري القبلي ، حيث لا يرى هذا الإله الواحد القهار (رب الجنود) إلا بوصفه إلهًا خاصًا بجماعة إسرائيل. كل ذلك يمكن أن نجده في مصدر واحد في آن معًا.
يطرح العهد القديم في ضوء مصادره المتعددة رؤى متناقضة للإله ، فهناك ما يشير إلى الإيمان بالإله الواحد المطلق رب العالمين ، وهو ما تعكسه صلاة " الشماع " أو شهادة التوحيد اليهودية: " שְׁמַע, יִשְׂרָאֵל: יְהוָה אֱלֹהֵינוּ, יְהוָה אֶחָד." «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: \لرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَ\حِدٌ." (تثنية:6/4)
كما تؤكد بعض النصوص على فكرة الإله القدير المتعالي عن المخلوقات الذي ليس كمثله شيء: "אֵל שַׁדַּי " " الله القادر على كل شيء " ( تكوين:48/3 )
" לֹא אִישׁ אֵל וִיכַזֵּב, וּבֶן-אָדָם וְיִתְנֶחָם; הַהוּא אָמַר וְלֹא יַעֲשֶׂה, וְדִבֶּר וְלֹא יְקִימֶנָּה "
" ليْسَ \للهُ إِنْسَاناً فَيَكْذِبَ وَلا \بْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَل يَقُولُ وَلا يَفْعَلُ؟ أَوْ يَتَكَلمُ وَلا يَفِي؟ " (العدد: 23/19)
أما ذلك الفكر الحلولي أو التجسيدي/التشبيهي فتعكسه الإشارات التوراتية العديدة إلى الإله، التي تصفه ككائن يتصف بصفات النقص البشري، فهو يأكل ويشرب ويتعب ويستريح ويضحـك ويبكي، متقلب الأطوار، بل يحس بالندم ووخز الضمير:
" וַיֹּאמֶר יְהוָה, אֶל-מֹשֶׁה: רָאִיתִי אֶת-הָעָם הַזֶּה, וְהִנֵּה עַם-קְשֵׁה-עֹרֶף הוּא. וְעַתָּה הַנִּיחָה לִּי, וְיִחַר-אַפִּי בָהֶם וַאֲכַלֵּם; וְאֶעֱשֶׂה אוֹתְךָ, לְגוֹי גָּדוֹל. וַיְחַל מֹשֶׁה, אֶת-פְּנֵי יְהוָה אֱלֹהָיו; וַיֹּאמֶר, לָמָה יְהוָה יֶחֱרֶה אַפְּךָ בְּעַמֶּךָ, אֲשֶׁר הוֹצֵאתָ מֵאֶרֶץ מִצְרַיִם, בְּכֹחַ גָּדוֹל וּבְיָד חֲזָקָה. ... וַיִּנָּחֶם, יְהוָה, עַל-הָרָעָה, אֲשֶׁר דִּבֶּר לַעֲשׂוֹת לְעַמּוֹ."
" وقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «رَأَيْتُ هَذَا الشَّعْبَ وَإِذَا هُوَ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةِ. فَالآنَ اتْرُكْنِي لِيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَأُفْنِيَهُمْ فَأُصَيِّرَكَ شَعْباً عَظِيماً». فَتَضَرَّعَ مُوسَى أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِهِ وَقَالَ: «لِمَاذَا يَا رَبُّ يَحْمَى غَضَبُكَ عَلَى شَعْبِكَ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ؟ ... فَنَدِمَ الرَّبُّ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُهُ بِشَعْبِهِ " )خروج 32/10 ـ 14)
وفي موضع آخر: " וַיהוָה נִחָם, כִּי-הִמְלִיךְ אֶת-שָׁאוּל עַל-יִשְׂרָאֵל. " " وَ\لرَّبُّ نَدِمَ لأَنَّهُ مَلَّكَ شَاوُلَ عَلَى إِسْرَائِيلَ." )صموئيل الأول: 15/35)
كما ينسى ويتذكر: "וַיְהִי בַיָּמִים הָרַבִּים הָהֵם, וַיָּמָת מֶלֶךְ מִצְרַיִם, וַיֵּאָנְחוּ בְנֵי-יִשְׂרָאֵל מִן-הָעֲבֹדָה, וַיִּזְעָקוּ; וַתַּעַל שַׁוְעָתָם אֶל-הָאֱלֹהִים, מִן-הָעֲבֹדָה. וַיִּשְׁמַע אֱלֹהִים, אֶת-נַאֲקָתָם; וַיִּזְכֹּר אֱלֹהִים אֶת-בְּרִיתוֹ, אֶת-אַבְרָהָם אֶת-יִצְחָק וְאֶת-יַעֲקֹב. "
" وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ الْكَثِيرَةِ أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ مَاتَ. وَتَنَهَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ وَصَرَخُوا فَصَعِدَ صُرَاخُهُمْ إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِ الْعُبُودِيَّةِ. فَسَمِعَ اللهُ أَنِينَهُمْ فَتَذَكَّرَ اللهُ مِيثَاقَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ." (خروج 2/23 ـ 24)
بل بلغ الحلول مداه أن يتجسد الإله بشرًا وينهزم في مصارعة بدنية مع يعقوب أو إسرائيل([2]).
وهو ليس عالماً بكل شيء، ولذا فهو يطلب من أعضاء جماعة إسرائيل أن يرشدوه بأن يصبغوا أبواب بيوتهم بالدم حتى لا يهلكهم مع أعدائهم من المصريين عن طريق الخطأ (خروج 12/13 ـ 14). وهـو إلـه متجرِّد، ولكنه في الوقت نفسـه يأخذ أشكالاً حسية محددة ، فهو يطلب إلى اليهود (جماعة إسرائيل) أن يصنعوا له مكاناً مقدَّساً ليسكن في وسطهم (خروج 25/8)، كما يسير أمام الجماعة على شكل عمود دخان في النهار كي يهديهم الطريق، أما في الليل فكان يتحول إلى عمود نار كي يضيء لهم (خروج 13/21/22). وهو إله الحروب (خروج 15/3 ـ 4) يعلِّم يدي داود القتال (صمويل ثاني 22/30 ـ 35)، يأمر اليهود بقتل الذكور، بل الأطفال والنساء (عدد 31/1 ـ 12)، وهو إله قوي الذراع يأمر شعبه بألا يرحم أحداً (تثنية 7/16 ـ 18)، وهو يعرف أن الأرض لا تُنال إلا بحد السيف. ولذا، فهو يأمر شعبه المختار بقتل جميع الذكور في المدن البعيدة عن أرض الميعاد ، أما سكان الأرض نفسها فمصيرهم الإبادة ذكوراً كانوا أم إناثاً أم أطفالاً (تثنية 20/10 ـ 18).
كذلك فالمقاييس الأخلاقية لهذا الإله تختلف باختلاف الزمان والمكان، ولذا فهي تتغيَّر بتغير الاعتبارات العملية، فهو يأمر بني إسرائيل بالسرقة ويطلب من كل امرأة يهودية في مصر أن تطلب من جارتها ومن نزيلة بيتها « أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياباً وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين » (خروج 3/22).
وهكذا، فإننا نجد منذ البداية، أن فكرة الإله الواحد المتسامي تتعايش مع أفكار أخرى متناقضة معها، مثل تشبيه الإله بالبشر، ومثل فكرة الشعب المختار، فهي أفكار تتناقض مع فكرة الوحدانية التي تصور الإله باعتباره إله كل البشر الذي يسمو على العالمين، إذ كما يبدو من نصوص التوراة أنه إله قومي خاص مقصور على الشعب اليهودي وحده، بينما نجد أن للشعوب الأخرى آلهتها : " מִי-כָמֹכָה בָּאֵלִם יְהוָה, מִי כָּמֹכָה נֶאְדָּר בַּקֹּדֶשׁ; נוֹרָא תְהִלֹּת, עֹשֵׂה פֶלֶא "
" مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ \لآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزّاً فِي \لْقَدَاسَةِ مَخُوفاً بِالتَّسَابِيحِ صَانِعاً عَجَائِبَ؟ " (خروج 15/11)
ويعلق عباس العقاد على ذلك بقوله " إن الوحدانية التي كان يدركها بنو إسرائيل في ذلك الزمن لم تكن وحدانية تفكير ، ولكنها وحدانية تغليب لرب من الأرباب على سائر الأرباب "([3]) .
تطور مفهوم الإله عند أنبياء بني إسرائيل([4]):
لقد أدرك بعض أنبياء إسرائيل هذا التفاوت الكبير في طبيعة الفهم لذات الله ، فكان لابد من إعادة النظر فيها وصياغتها صياغة جديدة تتناسب مع تطور الفهم ذاته . لقد ظن بنو إسرائيل أن يهوه إله لا يُقهر ، وعندما أصبح الانهزام أمراً واقعاً ، وأصبح بنو إسرائيل أسرى بيد البابليين سقطت مفاهيم كثيرة ترتبط بالإله القوي يهوه ، فشعبه يُهزم ويُسبى ، ولذلك فإنه – حسب رأي الكثير منهم – إله مهزوم لا يقدر على الصمود أمام آلهة الشعوب.
إن هذا ولَّد لدى أنبيائهم ردود فعل نفسية وفكرية ، فخرجوا بنظرة جديدة للإله ، الإله الأعظم والأكبر ، الإله الواحد الذي لا تحاربه آلهة ولا أصنام أو أوثان . وقد تجلت هذه النقلة النوعية في مفهوم الإله منذ النبي إشعيا:
جاء في إشعيا " הֲלוֹא אֲנִי יְהוָה וְאֵין-עוֹד אֱלֹהִים מִבַּלְעָדַי--אֵל-צַדִּיק וּמוֹשִׁיעַ, אַיִן זוּלָתִי. "
" أَلَيْسَ أَنَا \لرَّبُّ وَلاَ إِلَهَ آخَرَ غَيْرِي؟ إِلَهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ. لَيْسَ سِوَايَ. " ( إشعيا : 45 / 21 )
" אֲנִי יְהוָה, וְאֵין עוֹד. יוֹצֵר אוֹר וּבוֹרֵא חֹשֶׁךְ, עֹשֶׂה שָׁלוֹם וּבוֹרֵא רָע; אֲנִי יְהוָה, עֹשֶׂה כָל-אֵלֶּה" .
" أَنَا \لرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. مُصَوِّرُ \لنُّورِ وَخَالِق \لظُّلْمَةِ صَانِعُ \لسَّلاَمِ وَخَالِقُ \لشَّرِّ. أَنَا \لرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هَذِهِ" .(إشعيا : 45 / 6 - 7 )
" כִּי כֹה אָמַר-יְהוָה בּוֹרֵא הַשָּׁמַיִם הוּא הָאֱלֹהִים, יֹצֵר הָאָרֶץ וְעֹשָׂהּ הוּא כוֹנְנָהּ--לֹא-תֹהוּ בְרָאָהּ, לָשֶׁבֶת יְצָרָהּ; אֲנִי יְהוָה, וְאֵין עוֹד."
" هَكَذَا قَالَ \لرَّبُّ: «خَالِق \لسَّمَاوَاتِ هُوَ \للَّهُ. مُصَوِّرُ \لأَرْضِ وَصَانِعُهَا. هُوَ قَرَّرَهَا. لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلاً. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا. أَنَا \لرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ" . ( إشعيا : 45 / 18 )
" כֹּה-אָמַר יְהוָה מֶלֶךְ-יִשְׂרָאֵל וְגֹאֲלוֹ, יְהוָה צְבָאוֹת: אֲנִי רִאשׁוֹן וַאֲנִי אַחֲרוֹן, וּמִבַּלְעָדַי אֵין אֱלֹהִים. וּמִי-כָמוֹנִי ... אָנֹכִי יְהוָה, עֹשֶׂה כֹּל--נֹטֶה שָׁמַיִם לְבַדִּי, רֹקַע הָאָרֶץ מִי אֵתִּי"
"هَكَذَا يَقُولُ \لرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ رَبُّ \لْجُنُودِ: «أَنَا \لأَوَّلُ وَأَنَا \لآخِرُ وَلاَ إِلَهَ غَيْرِي. َمَنْ مِثْلِي ... أَنَا \لرَّبُّ صَانِعٌ كُلَّ شَيْءٍ نَاشِرٌ \لسَّمَاوَاتِ وَحْدِي. بَاسِطٌ \لأَرْضَ. مَنْ مَعِي؟." (إشعيا:44 / 6 ، 24)
كما يؤكد إشعيا على أن يهوه ليس في شديد حاجة إلى المعبد : " כֹּה, אָמַר יְהוָה, הַשָּׁמַיִם כִּסְאִי, וְהָאָרֶץ הֲדֹם רַגְלָי; אֵי-זֶה בַיִת אֲשֶׁר תִּבְנוּ-לִי, וְאֵי-זֶה מָקוֹם מְנוּחָתִי". " هَكَذَا قَالَ \لرَّبُّ: السَّمَاوَاتُ كُرْسِيِّي وَ\لأَرْضُ مَوْطِئُ قَدَمَيَّ. أَيْنَ \لْبَيْتُ \لَّذِي تَبْنُونَ لِي وَأَيْنَ مَكَانُ رَاحَتِي؟ " ( إشعيا : 66 / 1 )
وقبل إشعيا بقليل كان النبي إرميا ، من أكثر أنبياء التوراة نقداً لبني إسرائيل وعقيدتهم ، وهو الذي أسس تقريباً لمفهوم الإله العادل المنصف: " כֹּה-אָמַר יְהוָה צְבָאוֹת, אֱלֹהֵי יִשְׂרָאֵל, כֹּה תֹאמְרוּ, אֶל-אֲדֹנֵיכֶם. אָנֹכִי עָשִׂיתִי אֶת-הָאָרֶץ, אֶת-הָאָדָם וְאֶת-הַבְּהֵמָה אֲשֶׁר עַל-פְּנֵי הָאָרֶץ, בְּכֹחִי הַגָּדוֹל, וּבִזְרוֹעִי הַנְּטוּיָה; וּנְתַתִּיהָ, לַאֲשֶׁר יָשַׁר בְּעֵינָי".
" هَكَذَا قَالَ رَبُّ \ لْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: هَكَذَا تَقُولُونَ لِسَادَتِكُمْ: إِنِّي أَنَا صَنَعْتُ \لأَرْضَ وَ\لإِنْسَانَ وَ\لْحَيَوَانَ \لَّذِي عَلَى وَجْهِ \لأَرْضِ بِقُوَّتِي \لْعَظِيمَةِ وَبِذِرَاعِي \لْمَمْدُودَةِ وَأَعْطَيْتُهَا لِمَنْ حَسُنَ فِي عَيْنَيَّ." ( إرميا:27 /4 - 5 )
وعلى الرغم من هذا التحول فإن مفهوم الإله ظل معنياً به إله إسرائيل ، وليس إله كل الشعوب . صحيح أنه حسب هذا التحول إله خالق السماوات والأرض والإنسان والحيوان ، لكنه ظل هو يهوه أي إله إسرائيل.
كما تتعارض صفات الإله في التلمود ، حيث توجد إلى جانب النصوص الكثيرة التي تؤكد وحدانية الإله وتساميه ، توجد صفات بشرية للإله من ناحية أخرى ، وبشكل أكثر تطرفاً مما تبدو في التوراة ، حيث تنسب إلى الإله صفات الحقد والتنافس، وهو يستشير الحاخامات في كثير من الأمور ، كما يقضي وقته وهو يلعب مع حوت، ويبكي من أجل هدم الهيكل، ويندم على فعلته، وهو يلبس العمائم ، ويجلس على عرشه، ويدرس التوراة ثلاث مرات يومياً. و هو ما يعكس الطبيعة التراكمية لهذا التلمود عبر سلسلة من الطبقات.
أســماء الإلـــه ([5]):
توجد أسماء كثيرة للإله في اليهودية، لبعضها دلالات تصنيفية، وبعضها الآخر أسماء أعلام، وتبلغ الأسماء نحو تسعين. ومن أهم الأسماء من النوع الأول، تسمية الإله باسم «السلام» (הַשָׁלום)، وهو أيضاً «الكمال المطلق» و«الملك»، و«الراعي»، و«مقدَّس يسرائيل» (קְדוש יִשְׂרָאֵל)، و«الرحمن» (הָרַחמָן). ومن أهم الأسماء التي شاعت، العبارة الحاخامية «المقدَّس تبارك هو» (הַקָדושׁ בָּרוך הוא).
أما أسماء الأعلام التي يتواتر ذكرها، في العهد القديم أساساً، فهي كثيرة ومن أهمها « אל» بمعنى «القوي»، وهي الأصل السامي لكلمة «إله» التي تتضمنها كلمة «إسرائيل» أو «ناتان إيل». ومن الأسماء الأخرى، «שַׁדַּאי» و« אֱלהִים» (وهي صيغة الجمع لكلمة אֱלוהַ). وأكثر الأسماء شيوعاً هو اسم «يهوه» (أو יְהווָה) وهو أكثر الأسماء قداسة. وكان لا ينطق به سوى الكاهن الأعظم في يوم الغفران في قدس الأقداس. أما بقية اليهود، فكانوا يستخدمون لفظة «אַדונָי»، أي «سيدي». وبمرور الزمن، اكتسب هذا الاسم، هو الآخر، شيئاً من القداسة، وأصبح من العسير التفوه به. ولذا يستخدم بعض المتدينين كلمة «הַשֵׁם» (الاسم) للإشارة إلى الإله، كما يكتفي بعض الأرثوذكس بكتابة حروف عبرية مثل حرف اليود، أو حرف الهاء، اختصاراً لـ «هاشِّيم»، أو حرف الدال اختصاراً لـ «أدوناي». ويُشار أحياناً إلى الإله بأنه «الذي لا يمكن التفوه باسمه» (הַשֵׁם הַמְפּורָשׁ).
وظهرت أسماء أخرى في الكتب الخارجية أو الخفية (الأبوكريفا) من أهمها «خالق كل شيء» (יוצֵר הַכָּל )، و«درع إبراهيم» (מָגֶן אַבְרָהָם) و«صخرة إسحق» (צור יִצְחָק). وقد أضافت القبَّالاه أيضاً أسماء للإله أهمها: «الذي لا نهاية له» (אֵין סוף)، و «أقدم القدماء» (עַתִיקָה דִעַתִיקִין)، و«قديم الأيام» (עָתִיק יומִין). وشاعت الإشارة إليه بأنه الشخيناه (הַשְּׁכִינָה ) التي هي التعبير الأنثوي عن القوة الإلهية .
ويُنظَر إلى اسم الإله في التراث الديني اليهودي الحلولي، وبخاصة القبَّالي، باعتباره أعلى تركيز للمقدرة الإلهية على الخلق أو باعتباره جوهر الإله نفسه الذي يتجاوز الفهم البشري واللغة الإنسانية.
ورغم أن هذا الاسم يتجاوز كل ما هو بشري، ورغم أنه "وراء المعنى"( "بلا معنى" على حد قول جرشوم شوليم) إلا أنه هو نفسه المصدر الذي لا ينضب لكل معنى في العالم. وهو لهذا "نص مفتوح" يمكن تفسيره تفسيرات لا حصر لها ولا عدد. فاسم الإله مطلق ويتسم بالامتلاء الذي لا حد له ولذا فلا يمكن فهمه إلا من خلال الوساطة البشرية التي تقوم بالتفسير، أي الحاخامات (وهذه هي التوراة الشفوية).
وفي العصر الحديث، اختلفت الفرق اليهودية في ترجمة وتفسير أسماء الإله، فاتجه المفكرون اليهود في نهاية القرن الثامن عشر وفي معظم القرن التاسع عشر، تحت تأثير مُثُل الاستنارة والتنوير والدراسات التاريخية، إلى أن يفسروا هذه الأسماء على أساس فلسفي ميتافيزيقي. فترجم موسى مندلسون كلمة «يهوه» إلى «الأزلي»، وأشار نحمان كروكمال إلى الإله على أنه «الروح المطلق»، وترجم هرمان كوهين كلمة «الشخيناه» بتعبير «الراحة الأزلية».
وعلى العكس من هذا، نجد أن مارتن بوبر وروزنزفايج يصران على الجانب التشخيصي (الصوفي الوجودي)، فبتأثير القبَّالاه ترجم بوبر كلمة «يهوه» إلى «أنت»، أو «هو». واتجه مناحم كابلان، زعيم اليهودية التجديدية التي تقرن الإله بمبدأ التقدم، إلى الإشارة إلى الإله باعتباره «القوة التي تؤدي إلى الخلاص» أو «القوة التي تؤدي إلى إفراز المثل العليا كافة».
[1] ) راجع في ذلك بالتفصيل: د. عبد الوهاب المسيري ، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ، مج 5 ، دار الشروق ، القاهرة ، 1999 ، ص 77 – 79
[2] ) " فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ. وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ \لْفَجْرِ. وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ \لْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». فَسَأَلَهُ: «مَا \سْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى \سْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ \للهِ وَ\لنَّاسِ وَقَدِرْتَ». وَسَأَلَهُ يَعْقُوبُ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ \سْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. فَدَعَا يَعْقُوبُ \سْمَ \لْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ \للهَ وَجْهاً لِوَجْهٍ وَنُجِّيَتْ نَفْسِي» (التكوين: 32/24 – 30 ) وهناك من اليهود من يرى أن هذا الرجل كان ملاك الرب وليس الرب ، وممن قال بذلك من اليهود سعديا الفيومي (فتحي محمد الزعبي ، تأثر اليهودية بالأديان الوثنية ص 654 ) ، ولقد رد الإمام ابن حزم على من قال بهذا القول= =وأثبت أن النص يدل على أن المصارع هو الله سبحانه وتعالى (ابن حزم ، الفصل 1/232، 233 ) كما تشير إلى ذلك صراحة الرواية الأخرى الواردة في نفس السفر: " وظهر الله ليعقوب أيضاً حين جاء من فدان أرم وباركه وقال له الله اسمك يعقوب. لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل يكون اسمك إسرائيل " (35/ 9،10)
[3] ) حسن الباش ، القرآن والتوراة : أين يتفقان وأين يفترقان ، ج 2 ، ص 120
[4] ) المرجع نفسه ، ص 122 - 123
[5] ) نقلاً عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ، مج 5 ، ص 82 -83

